الفصـل الثـامـن
الخلاص هو من اليـهود
والحل هو الجلاء
الخلاص هو من اليـهود..
والحل هو الجلاء
قلت في خاتمة الفصل الرابع أن المتعامل مع المجتمع اليهودي لا بد له أولا أن يعرف توراة اليهود معرفة شاملة كاملة فهو بذلك يعرف جيدا الأخلاق التي جبل عليها اليهود، وأنه من غير هذه المعرفة فإن من يتعامل مع اليهود سيكون في هذه الدنيا أعمى، وفي الآخرة أضل سبيلا.
وقد يبدو هذا الحكم في غاية القسوة والجفوة، ولذلك فقد أردنا هذه الوقفة القصيرة أمام يشوع الذي أشغل الفصل السابق بكامله، لنؤكد الحقيقة الصارخة أن العقيدة اليهودية قائمة على العداء والبغضاء للشعوب غير اليهودية.. وأنه ما بقيت التوراة هي الينبوع الفكري للمجتمع اليهودي من المهد إلى اللحد، فإنه لا أمل في التعايش مع الجماعات اليهودية بسلام ووئام لأن العقيدة اليهودية كما غرستها التوراة في ضمير الأجيال اليهودية تقوم على العدوان والطغيان، وتأبى هي بنفسها أن تأتلف مع النظم الأخرى أو تتعايش مع العقائديات المتباينة معها.
هكذا كان سلوك الشعب اليهودي في كل أجياله منذ كانت التوراة إلى يومنا هذا.. وبين أيدينا دراسة علمية تؤيد هذا الرأي بصورة قاطعة لا يرقى إليها الشك.
الدراسة التي نعنيها، قام بها عالم أمريكي مسيحي، معروف بحياده، وهو من الذين قرأوا التوراة شأن كل مسيحي في عهد الدراسة.. وهذا العالم الأمريكي هو الأستاذ تامارين.
وقد خطر في بال الأستاذ تامارين، أن يدرس التكوين النفسي للجيل اليهودي الناشئ في فلسطين، ليتعرف على مشاعره إزاء العرب عامة، وعرب فلسطين خاصة وهم أصحاب البلاد الأصليون.
وقد اختار الأستاذ تامارين سفر يشوع محورا لدراسته، لأن مناهج وزارة التعليم الإسرائيلية تركز على تعليم التوراة، وبصورة خاصة سفر يشوع بالذات..
وثمة سبب آخر دفع الأستاذ تامارين أن يختار سفر يشوع، ذلك أن هذا السفر، يتميز عن أسفار التوراة كلها، بأنه يسجل خطط الحرب اليهودية وتقاليدها وكيفية التعامل مع الشعوب (الساكنة) في الأرض، حسب تعبير التوراة...
وقد وضع العالم الأمريكي الأستاذ تامارين مجموعة من الأسئلة على الطلاب اليهود من مختلف المدارس لاختبار تكوينهم الفكري ومعرفة الخلفية العقائدية التي صاغت عقولهم.. وتحقيقا لهذه التجربة العلمية الرائدة فقد أعد الأستاذ الأمريكي استمارة موحدة ضمنها الأسئلة التي يراد الإجابة عليها.. وكانت الأسئلة منصبة على ما ورد في سفر يشوع من أعمال القتل والنهب والتدمير والإحراق التي قام بها الإسرائيليون حين اجتاحوا فلسطين تحت قيادة يشوع بن نون.
وقد وضع الأستاذ تامارين المقتبس التالي من سفر يشوع وذلك فيما يختص باحتلال أريحا، تمهيدا للأسئلة المطلوبة.
وجاء في سفر يشوع ما يلي: "فهتف الشعب – بنو إسرائيل – وضربوا الأبواق، وكان حين سمع الشعب صوت البوق أن الشعب هتف هتافا عظيما فسقط السور في مكانه وصعد الشعب إلى المدينة كل رجل مع وجهه وأخذوا المدينة وحرموا (أي استباحوا) كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف" (سفر يشوع الإصحاح 6/20).
"وأخذ يشوع مقيدة في ذلك اليوم (بجوار الرملة) وضربها بحد السيف وحرم (استباح) ملكها هو وكل نفس بها، ولم يبق شاردا. وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا، ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكل إسرائيل معه إلى لبنة (بجوار مدينة الخليل) فدفعها الرب أيضا بيد إسرائيل مع ملكها فضربها بحد السيف وكل نفس بها. لم يبق شاردا، وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا" (يشوع 10/28-30).
وبعد هذين الاقتباسين من سفر يشوع وضع الأستاذ تامارين للطلبة اليهود السؤالين الآتيين:-
أولا: هل تعتقد أن يشوع بن نون والإسرائيليين قد تصرفوا صحيحا أو غير صحيح؟ اشرح سبب الرأي الذي تبديه.
ثانيا: لنفترض أن الجيش الإسرائيلي قد احتل خلال الحرب قرية عربية، فهل هو عمل جيد أو سيئ أن يتصرف على هذا النحو مع سكان هذه القرية كما تصرف يشوع بن نون مع شعب أريحا؟ واشرح السبب.
وقد تم توزيع هذه الأسئلة، باقتباساتها الآنفة الذكر، في مدارس تل أبيب، ومستعمرة يهودية بالقرب من الرملة وفي مدينة شارون اليهودية، وفي مستعمرة معوتشد، وغيرها من المدارس اليهودية.
وكشفت الأجوبة عن الروح العدائية العمياء التي غرستها التوراة في عقول الجيل اليهودي الناشئ فقد قال أحد الأجوبة ما يلي:-
"كان هدف الحرب (بقيادة يشوع) هو الاستيلاء على البلاد من أجل الإسرائيليين، ولذلك فقد تصرف الإسرائيليون تصرفا حسنا لاحتلالهم المدن وقتل سكانها وليس من المرغوب فيه أن يكون في إسرائيل عنصر غريب أن الناس من مختلف الأديان يمكن أن يؤثروا تأثيرا لا حاجة إليه على الإسرائيليين".
وأجابت فتاة من مستعمرة معوتشد "لقد تصرف يشوع بن نون تصرفا حسنا بقتله جميع الناس في أريحا لأنه كان من الضروري احتلال البلاد كلها ولم يكن لديه وقت لإضاعته على الأسرى" ويقول تامارين، تلخيصا لأجوبة الطلبة اليهود، أن الأجوبة التي من هذا النوع تشكل ما بين 66 إلى 95 في الماية.
وكان هناك سؤال بصيغة أخرى يقول: "وهل يمكن في عصرنا تصفية جميع سكان قرية عربية"... ويقول الأستاذ تامارين في تلخيصه للأجوبة أن ثلاثين في الماية من التلاميذ أجابوا على هذا السؤال بشكل قطعي "نعم". وهذه نسبة عالية جدا على سؤال يتسم بهذه الشناعة والبشاعة.
وقد أورد الأستاذ تامارين في تلخيصاته، نبذا مما كتبه الطلبة اليهود.. وكان مما قاله أحدهم "أعتقد أن كل شيء قد جرى بشكل صحيح.. إذ أننا نريد قهر أعدائنا وتوسيع حدودنا، ونحن أيضا قتلنا العرب كما فعل يشوع والإسرائيليون" (طالب من الصف السابع".
وكتب تلميذ يهودي آخر في الصف الثامن "في رأيي ينبغي على جيشنا أن يتصرف في القرية العربية كما فعل يشوع والإسرائيليون لأن العرب هم أعداؤنا"(1).
وبعد فإن هذه الدراسة العلمية تقودنا إلى النتيجة التي لا مناص من الوصول إليها، وهي أن الشعب اليهودي يولد، وينمو، ويعيش، ويموت، بين دفتي التوراة وتعاليمها.. وقد تكوَّن بكيانها – من غير استعداد للتغيير أو التطوير – :يهودي ابن توراة، بكل بساطة.
وعلى سائر البشر أن يتعاملوا معه على هذا الأساس، دون أن يكون هو مستعدا لأن يتعامل معهم على غير هذا الأساس..
وتلك هي مشكلة إنسانية، ستظل إذا ما بقيت، تكلف الإنسانية واليهود صنوف المآسي والمتاعب والكوارث..
ويبقى على المواطن العربي، كإنسان، وعلى الأمة العربية كجماعة أن تدرك هذه الحقيقة إدراكا عميقا وحازما بأن لا مجال للتعايش أو التعامل مع المجتمع اليهودي. وسيرى من يقرأ الأناجيل أن السيد المسيح
قد أدرك هذه الحقيقة العلمية فأعلن عبارته الشهيرة "إن الخلاص هو من اليهود".. (الإصحاح الرابع من إنجيل يوحنا).
ثم جاء بعده الرسول محمد بن عبد الله، فدخل في تجارب مريرة مع اليهود في المدينة المنورة ولم ير حلا لما وقع بينه وبينهم إلا إجلاءهم عن الجزيرة العربية..
ذلك أن اليهود بلاء.. ولا حلَّ إلا الجلاء.. وشهد بذالك شاهدان عظيمان: كان الشاهد الأول هو رسول المحبة والسلام السيد المسيح. وكان الشاهد الثاني خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله.