مقاربة نفس _ اجتماعية للجريمة النسائية : لماذا تجرم المرأة؟ بحثت عنها الدكتورة: مزوز ب

مقدمة :
تعد الجريمة من الظواهر التي حظيت بالدراسة والتقصي و توجهت إليها أبحاث العلماء وقراءات الاستراتيجيين و أولوها عناية خاصة كحقل مهم يستدعي تسليط الضوء عليه ومحاولة تفسيره و فهم أبعاده و صيرورته وفق التغيرات التي تفرضها الساحة الاجتماعية .
والحديث عن علم إجرام نسائي يجعلنا نقف أمام حقيقة واضحة المعالم ألا وهي أن المدارس والنظريات الأساسية المفسرة للجريمة لم تأتي إلا بالقليل في مجال إجرام المرأة و أن بعضها وإن وجدت تمتاز بالجمود والندرة في معالجة الموضوع في شموليته ، لذا سنحاول في هذه الدراسة أن نتتبع عوامل الفعل الإجرامي لدى المرأة من جهة ، والخصائص النفسية والاجتماعية المميزة لها، ومن جهة أخرى نحاول تقصي مضاعفات وآثار هذا الفعل الإجرامي عليها .
1) أبعاد و مظاهر جرائم المرأة في المجتمعات :
إن الحقيقة التي لا يختلف عنها اثنان عن المرأة والجريمة هو أن المرأة تسهم بنسبة ضئيلة من إجمالي مجموع الجرائم، وهو ما جعل البحث في مجال جرائم النساء مجالا مهملا ، وذلك أن تصوراتنا الثقافية واعتقاداتنا المرجعية عن المجرم دائما هو ذكر خارج عن القانون وأن معظم البحوث في علم الإجرام واقعة تحت تأثير تلك القوالب الثقافية والاجتماعية.ويرى البعض الآخر من العلماء أن قلة الاهتمام العلمي بجرائم النساء يعزى إلى أن عدد النساء الذي يقع تحت طائلة القانون أقل بكثير من عدد الرجال.
وعلى الرغم من ذلك وجه كثير من الباحثين أنظار العاملين في ميادين علم النفس الاجتماع وعلم الإجرام إلى ضرورة البحث في هذه الظاهرة وعدم إهمالها ومن هؤلاء نجد ثورسين سيلين THORSEN SELIN و ولتر ريكلس W.RECKLESS الذين أكدوا أن العلاقة بين الواقع والظاهر فيما يتعلق بجرائم النساء لا بد أن تدرس و أن يكشف عنها . و يرى بولاكPOLLACK أنه من الواضح أن جرائم النساء أقل ذكرا في التقارير وبالذات بالنسبة لبعض الجرائم مثل السرقة والبغاء وجرائم الإجهاض وجرائم قتل الأطفال حديثي الولادة، فضلا عن بعض الجرائم الأخرى مثل الشذوذ الجنسي. يقول بولاك POLLACKفي هذا الصدد ” أن النساء المجرمات يتلقين الحماية من الرجال حتى ولو كانوا ضحاياهن فهم يكونون أقل ميلا إلى الشكوى للسلطات هذا من جهة ومن جهة أخرى النساء هن في أغلب الأحيان المحرضات على الجرائم التي يرتكبها الرجال” كما لاحظ POLLACK وجود جرائم عديدة ترتفع نسبتها عندما يكشف عنها مقارنة بجرائم الرجل ، في حين تنخفض بالنسبة للنساء لأن لأدوارهن كربات بيوت ومربيات أطفال وممرضات و زوجات وغير ذلك ؛ تسمح لهن أن يرتكبن الجرائم وأن يخفينها عن السلطات العامة مثل التسميم البطيء للزوج أو المعاملة السيئة للأطفال، وربما هذا ما دفع المتخصصين في الإجرام إلى ملاحظة أن إجرام النساء إنما هو إجرام خفي و مقنّع إلى درجة كبيرة.
إن معرفة الطبيعة المتخفية لجرائم النساء يمكننا من فهم الأبعاد الحقيقية لجرائم النساء فقد ترتكب النساء جميع الجرائم المعروفة والمسجلة رسميا وعندما توجد متطلبات قانونية لا تستطيع المرأة الوفاء بها كما في حالات الاغتصاب فقد تتهم بالمشاركة في الجريمة وتوجد جرائم معينة تتعلق بالمرأة في حد ذاتها كجرائم قتل الأطفال حديثي الولادة والدعارة وتقديم المتعة الحرام والأفعال المشابهة التي ترتكبها النساء . ومن المهم الإشارة إلى أن مشاركة المرأة في شرائح الجرائم المختلفة مميزة بطريقة ملحوظة ، ففي إنجلترا عام 1982 تتهم حوالي 200 سيدة أو يتم إنذارها بسبب السرقة بينما ارتفعت الأرقام الخاصة بالرجال خلال الفترة ذاتها من 3500 إلى 4300 ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية أكدت الإحصائيات المتعلقة بعمرهن تزداد بسرعة أكبر من تلك الخاصة بالرجال من2 إلى3 % ، بينما المعدلات الخاصة بالنساء تصل إلى3ـــ4 % بين عامي 1977 و1981.
ولقد ارتبط النمو في معدلات الجرائم ارتكاب النساء للجرائم بتحرير المرأة لما يزيد على قرن من الزمن . ويقول العالم بيك (1976) في هذا الصدد ” أنه كلما ازدادت المرأة استقلالية فإنها تزداد إجراما “و يناقش بيشون PICHON (1931) وجود علامات لزيادة إجرام المرأة والذي أعزاه إلى تحرير المرأة حيث لم يكن بمقدور النساء تحقيق المساواة مع الرجال.
لذلك فلا بد أن يتم التقدير الحقيقي لإجرام المرأة بالاستعانة بالمصادر غير الرسمية ، كما أنه من المهم عقد مقارنات دولية تفيد في تحليل الخصائص النوعية المميزة لجرائم النساء ، وقد حاول جيري GUIRET أن يحدد بالإضافة إلى أنماط الجرائم التي ترتكبها الإناث مقارنة بجرائم الذكور الذين يرتكبون نفس أنماط الجرائم فتبين له أن في جريمة قتل المواليد توجد امرأة واذ




المرأة ونوعية الجرائم :
الإحصاءات التي استقيناها من مصلحة السجون أكدت لنا بصورة قطعية أن إجرام المرأة أقل من إجرام الرجل، لكن العلماء ذهبوا في تفسير هذا الانخفاض مذاهب مختلفة ، فمنهم من يستند على الإحصاءات ومنهم من يستند على طبيعة ونوعية الجريمة المقترفة من قبل المرأة فالعلماء الذين يستندون على الإحصاءات في تفسير انخفاض أو ارتفاع معدلات الجريمة يرون في هذا الانخفاض أمرا طبيعيا وهذا الرأي وجه له العديد من الانتقادات لعل أهمها أنه لا ينبغي الأخذ بصدق الإحصائيات صدقا كليا فالتفاوت بين إجرام الرجل وإجرام المرأة ليس إلا تفاوتا ظاهريا في حقيقة الأمر ، والواقع أن المرأة ترتكب العديد من الجرائم التي لا تظهر في الإحصائيات كجرائم البغاء والذي يعد إجرام طبيعي حتى ولو لم تجرمه بعض التشريعات ، وإذا أضيفت جرائم البغاء إلى سجل المرأة لفاقت في إجرامها إجرام الرجل ،هذا من جهة ومن جهة أخرى أن الجانب الأكبر من إجرام المرأة لا يظهر في الإحصاءات فثمة فارق ضخم بين إجرام المرأة الخفي وإجرامها المعلن،وهذه هي مشكلة الرقم الأسود أو المطموس التي تعد أهم نقاط ضعف الدراسات الإحصائية ، ومن أهم الجرائم التي لا يكشف عنها و لا تظهر في الإحصائيات جرائم الإجهاض ،السرقة من البيوت التي تقع من الخادمات ، السرقة من المحلات التجارية الكبيرة ،الجرائم الجنسية التي تشارك المرأة فيها حيث يكون طالب الجنس من الرجال هم ضحاياها ، كما أن للمرأة دورا فعليا لا يستهان به وراء عدد غير قليل من الجرائم ، فالمرأة قد لا تظهر مباشرة كفاعل أصلي في الجريمة والواقع يؤكد أن جرائم كثير تقع من الرجال يكون للمرأة فيها دورا هاما بالإيحاء أو التحريض ، ولو أخذنا بعين الاعتبار عدد الجرائم التي ترجع إلى توريط المرأة للرجل في ارتكابها لأرتفع معدل إجرام المرأة كثيرا عن ذلك المعدل المتواضع الذي تكشف عنه الإحصاءات .
وجدير بالذكر أن العلماء في هذا المقام حاولوا حصر اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل في نوعية الجرائم لا في كمها ، بحيث حاولوا تبيين أن نسبة مساهمة المرأة في الإجرام تختلف باختلاف فئات الجرائم ، ففي بعض فئات الإجرام تكون مساهمة المرأة فعالة إلى حد أنها تقترب من نسبة إجرام الرجل ويظهر ذلك من خلال مثلا جرائم الإجهاض وقتل الأطفال حديثي العهد بالولادة و كذا التسميم وشهادة الزور ، في حين تنخفض مساهمتها في جرائم العنف والاعتداء على العرض .وقد حاول العلماء أيضا تفسير اختلاف إجرام الرجل و إجرام المرأة بالرجوع إلى:
اختلاف التكوين العضوي والنفسي للمرأة عن الرجل :
بحيث من الثابت أن المرأة أضعف من الناحية البيولوجية من الرجل ، فهي أقل منه في القوة البدنية وتنعكس هذه الخصوصية على السلوك الإجرامي لكل منهما .
اختلاف الدور الاجتماعي للمرأة عن الرجل :
ويتمثل ذلك في أن المرأة تتمتع غالبا بحماية لا يحظى بمثلها الرجل فهذا الأخير مسئول عن حمايتها ويمكن حتى أن يتحمل المسؤولية الجنائية عنها ، هذا إضافة إلى أن خروجه للعمل والاحتكاك المطلق بالآخرين والمنافسة والصراع من أجل العيش كلها قد تهيئ فرص ارتكاب الجرائم ، أما بالنسبة للمرأة فدورها الاجتماعي يجعلها في منأى عن الصراع وبالتالي أقل فرصة في ارتكاب الجرائم .
عوامل الفعل الإجرامي لدى المرأة:
فتتبعنا لحيثيات الجريمة المقترفة من قبل حالات البحث مكننا من تسجيل النقاط التالية :
- وجود مهيئات للفعل تمثل معظمها في الأسباب القائمة وراء ارتكاب المرأة للجريمة
- بداية التفكير في تنفيذ الجريمة .
- تنفيذ الجريمة بدقة وإحكام..
- بعض الجرائم تحدث دون تخطيط مسبق .
إن هذه النقاط التي خصت الفعل الإجرامي سواء كان قتلا أو سرقة أم دعارة ؛ من قبل هذه المرأة يؤكد بصورة صريحة أن المرأة أثناء قيامها بالجرائم على مختلف أشكالها؛ يمر تنفيذها للجريمة بعدة مراحل وهذه المراحل التي تتشابه إلى حد كبير إلى ما توصل إليه العلماء فيما يخص مراحل ارتكاب الجريمة والتي تتمثل في:

1- مرحلة التفكير والعزم
2- مرحلة التحضير للجريمة
3- مرحلة البدء في التنفيذ
وهي المراحل نفسها التي خطتها المرأة في ارتكاب الجريمة إلا ما يُضاف إليها وهو الطابع الأنثوي الذي يتمثل في القدرة على التحمل والصبر الذي لاحظناه من خلال تأنيها وحذرها ومداراتها لمشاعرها وسلوكها ومثابرتها ومواصلتها حتى تحقيق الفعل الإجرامي.
وفي تنفيذ الجريمة هنا؛ وجدنا أنها استعانت بأدوات مختلفة من أمثلة: السكين، الساطور، السم عصا حديدية ،الحرق،الجسد(الإغواء)،… الخ، وهي وسائل تدل أن المرأة أثناء ارتكابها للجريمة تستخدم كل الوسائل المتاحة لتحقيق فعلها ، ولا يتعلق بالنظرة التقليدية التي تنظر إلى المرأة في استخدامها وسائل مميتة من فئة الأكثر تأثيرا والأقل قوة كالسم مثلا ؛ ولكن ثبت إمكانيتها في استخدام كل الوسائل الممكنة لتحقيق فعل القتل أو السرقة ، وأن النظرة السطحية والتقليدية التي تخص المرأة ووسيلة الجريمة يجب أن تلغى من الأذهان؛ إذ لا يمكن الأخذ بها عند تفسير جرائم المرأة . فلحظة اقتراف الجريمة يسود انفعال الغضب والحقد ، والكراهية التي تعمي بصيرتها عن البحث عن أقل الوسائل ، فيكون المرور إلى الفعل بالوسيلة الممكنة السريعة. وبالنسبة للسرقة فهي تساهم في التخطيط والتحضير لمعدات الجريمة، كما وقد لاحظنا أنها تسرق بإتقان وجدية يغلفها الدقة المتناهية في الحذر .
ومن النتائج المتوصل إليها في هذا البحث بالنسبة لنوعية الجرائم المرتكبة من قبل المرأة هي في معظمها تلك التي يرتكبها الرجل و أن أعلى نسبة سجلت في هذه الدراسة تلك المتعلقة بجريمة القتل ، فالدعارة ،فالسرقة والأعمال الإرهابية؛ إن جريمة القتل احتلت المرتبة الأولى بين مختلف الجرائم الأخرى التي اقترفتها المرأة وقد حاولنا تفسير ذلك على اعتبار أن هذه الجريمة بأركانها القانونية المعروفة (الركن المادي والشرعي والمعنوي) هي جريمة لا يمكن إخفائها خاصة مع توفر الركن المادي وهم وجود جثة، أما بقية الجرائم الأخرى فقد سجلنا انخفاضها وقد يعزو ذلك إلى أنه يمكن التستر على مثل تلك الجرائم كالدعارة والسرقة والتشرد حتى الأعمال الإرهابية التي ظهرت في العشرية الماضية والتي ميزت حقبة من تاريخ المجتمع الجزائري .
ومن جهة أخرى فقد سجلنا في هذه الدراسة أن معظم النساء المقترفات للجريمة بأنواعها المختلفة ارتكبن الجريمة لأول مرة،وهي من الأمور الملاحظة في سجلات العدالة من أن حضور المرأة أقل في ظاهرة العود إلى الجريمة، أما الحالة العائلية للمرأة المجرمة فقد كشفت الدراسة أن أعلى نسبة تلك التي سجلتها المرأة المتزوجة بنسبة 47.36% (الدراسة الحالية) وهي نسبة شبيهة بتلك التي توصل إليها محمد شفيق في دراسته حيث تبين أن أعلى نسبة كانت للمتزوجين من إجمالي المتهمين فالعزاب ، فالمطلقين .
وعلى اعتبار أن التعليم أحد العوامل التي تواجه الجريمة في المجتمع فقد اتضح من خلال هذه الدراسة أنه كلما انخفض المستوى التعليمي للمرأة كلما ارتفع معدل الجريمة، حيث كان انخفاض المستوى التعليمي مميز لمعظم مقترفات الفعل الإجرامي وأن أعلى نسبة سجلت للمرأة بدون مستوى تعليمي كانت 60.54% .
إن استعراضنا لهذه الأبعاد التي تتعلق بالسلوك الإجرامي لمرأة، يضعنا أمام حقيقة ألا وهي أنه من الصعوبة بمكان استعارة فكرة السبب الواحد في إجرام المرأة ، ولا بد أن نشير هنا إلى أننا حينما نحاول تفسير جرائم المرأة في المجتمع الجزائري فنحن لا نؤكد سببا على سبب آخر، وإنما نحاول أن نؤكد كيف تؤدي عوامل معينة إلى ديناميكية وحركة الجريمة لدى المرأة ؟ وكيف يدفع مثلا سوء المعاملة بالمرأة إلى اقترافها؟ ، فمن الواضح جدا أن عوامل مشتركة جعلت جريمة المرأة تأخذ مكانها على مسرح الحياة الاجتماعية . فالإجرام عموما يتسم بالتنوع من ناحية وبالتعدد من ناحية أخرى ؛ فهي متنوعة أولا لأن منها ما يتصل بالتكوين العضوي أو النفسي للمجرم(ة) أو بالظروف الطبيعية أو الاجتماعية المتعددة ، وثانيا لأنه داخل كل مجموعة من هذه الظروف يوجد عدد كبير من العوامل التي تقع كحافز لارتكاب الفعل الإجرامي . للموضوع بقية