1)التنشئة الاجتماعية للمرأة و مكانتها عبر المجتمعات :
يعتبر موضوع المرأة من أصعب المواضيع التي تناولها علماء التربية وعلم النفس، والاجتماع والأنثروبولوجيين ورجال الدين قديمهم وحديثهم ؛فصراع المرأة من أجل تحررها ظل لعصور عديدة( اليونان، الرومان المسيح، اليهود…) حيث كان يسود الاعتقاد بأنها كائن شرير مخلوق من الدرجة الثانية . وفي العصر الجاهلي كانت تقبر وهي رضيع خشية عارها ، وكانت نفوس الرجال وحتى النساء تشمئز إذا ما بشروا بالأنثى ، حتى جاءت الرسالة الإسلامية وحررت المرأة وأعطت لها حقوقها ، موضحة مكانتها كما كلفتها بواجبات تتلاءم و طبيعتها كامرأة ؛ بيد أنه لا يزال عندنا النقاش يحتد حول مبدأ تطور المرأة و بروزها كعضو فعال في المجتمع أوفي بعض المجتمعات وأنها أقل قيمة من الرجل وليس لها وجود إلا من خلال إنجاب الأطفال و أيضا على اعتبار أنها موضوع جنس في يد الرجل ، و كثيرا ما يعمل المحيط الأسري على تقوية وتعزيز هذا الاعتقاد حتى عند المرأة نفسها. وهذا ما يدفعنا للبحث و التقصي عن صورة ومكانة المرأة في المجتمعات القديمة وعند اليهود وعند المجتمعات العربية مع إطلالة معمقة للتصورالإسلامي للمرأة . وعلى أي شاكلة كانت تنشئ ، وما طبيعة المكانة التي حظيت بها عبر مختلف الأزمان و العصور ؟ .
1-1 ) المرأة في المجتمعات القديمة : كان الرجل البدائي بحكم قوته صاحب السيطرة التامة على المرأة و كان يحتل المكانة الأولى في الأسرة ، و لعل من أكسبه ذلك و أعطى للمرأة مكانة محددة هما عاملين أساسيين:
- العامل الأول وهو أن المرأة كونها أنثى فقد أهلتها الطبيعة لأداء مهمة معينة وهي إدارة شؤون البيت وطبخ الطعام وتربية الأطفال والاعتناء بشؤونهم .
- العامل الثاني توفير الطمأنينة لزوجها الذي كان يقضي أيامه ولياليه في الغزو و محاولة كسب عيشه عن طريق الغارات والسلب والظفر بالمعارك التي يخوضها ضد الأعداء .
و لقد كان لهذين العاملين أثرا فعالا في رسم الوضع الاجتماعي للمرأة البدائية ولحضارة الإنسان الأولى، ومن الأحداث التي تركها لنا التاريخ أن الرجل في تلك الحقبة من الزمن كان يأخذ فتاته أو يريد أن تكون شريكة حياته و أما لأولاده عن طريق الخطف، معتمدا على القوة ، ثم تطور هذا النظام مع مرور الزمن فأصبح الرجل يشتري زوجته بالمال أو عن طريق المبادلة ، و إذا كان غير قادر على ذلك يشتغل لدى أهل الفتاة عدد من السنيين حتى تصبح الفتاة ملكا له . كما فعل يعقوب وموسى عليهما السلام وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة سور*
فإذا ما أخذنا مثلا المرأة البابلية(العراقية) نجد أنها تخضع لتعاليم محددة ، أملاها الرجل و دأب على تنفيذها باسم الدين مرة و التقاليد و العادات أحيانا و باسم الشرائع أحيانا . و قد كانت تتمتع بوضع أدنى من الرجل و كانت محط استثمار أعمق ومحل انتقاص للحقوق أكثر، فالشرائع البابلية و عاداتها و تقاليدها كانت متميزة بالشدة على العموم و قاسية كثيرا في بعض الأمور و غالبا ما يكون نصيب المرأة من هذه القسوة و الشدة أعظم من حظ الرجل .
وصور القسوة في هذه الحضارة كثيرة لعل أهما أن الأب من حقه أن يبيع بناته بيع السلعة ، أو ما تعلق مثلا بشكوى الزوجة من تكرار غياب زوجها و إهماله لها على ما هي عليه من حسن السمعة و القيام بشؤون البيت ، فقد يكون لها حق استرداد مهرها ،على أن هذا الحق يكون مقيدا بثبوت الشكوى وإلا تعرضت عند عدم إثباتها بالقضاء عليها غرقا. وقد كانت المغالاة في العقوبات غالبا ما تسلط على المرأة بذنب أوبدون ذنب وأن العقوبة كثيرا ما لا تتناسب وطبيعة الفعل المرتكب .
ومن جهة أخرى لم تكن المرأة الآشورية أكثر حظا من مثيلاتها في الحضارات الأخرى ، حيث يعتبر الآشوريين من أقدم الشعوب التي أخضعت النساء للحجاب . وقد أكدت الحفريات الإجراءات التي ينبغي اتباعها عندما يريد الرجل إعطاء سريته صفة الزوجة ، فينبغي عليه أن يستدعي خمسة أو ستة من معارفه و يحجب من يختارها زوجة أمامهم قائلا : " أنها زوجتي " فتصبح زوجة لـــه . وقد كانت سيطرة الرجل في الأسرة سيطرة تامة تجعل له حقوقا أوفر وواجبات أقل؛ ولعل أعنف شكل للسيطرة و العقوبة يتبدى عندما ينتهك حق يعتبره الزوج من حقوقه المطلقة المتعلقة بزوجته وتحتوي على خمسين مادة جزائية و التي قد تصل حتى إلى إعدام الزوجة ، وقد تفرع عن هذه السيطرة تمتع الرجل بحق تطليق زوجته دون أن يخضع الطلاق لأي قيد من القيود و دون أن يكره على دفع نفقة تطليقها. و إذا كانت وفاة الزوج تنهي العلاقة الزواجية ، فإنها لا تكون سببا دائما لاسترداد حريتها فمن حق حميها الزواج منها أو تزويجها من أحد أبنائه.
وقد كانت المرأة الإغريقية (اليونانية)هي الأخرى مسلوبة الإرادة و حتى المكانة الاجتماعية حيث لم يكن يسمح لها مغادرة البيت الذي تتكفل هي بكل شؤونه ، وهي لم تلقى حتى التدريبات الأولية للقراءة و الكتابة مما يجعلها أمام ذويها غير مؤهلة للتصرف في أموالها و ممتلكاتها .
أما المرأة الرومانية فقد حصلت على بعض حقوقها ، إلا أنها كانت خاضعة لسلطة رب العائلة فتاة و لسيادة زوجها إذا كانت متزوجة . ورغم ذلك فإنها كانت من الأمور الهامشية، و كانت سلطة الرجل عليها سلطة وجاهة و ليست سلطة حماية ، وعلى الرغم من تقدم البلاد الرومانية فقد بقيت المرأة لديهم ينظر إليها بصورة عامة كما ينظر إلى الرقيق و الجواري .
وهو الوضع ذاته التي كانت تعاني منه المرأة الصينية و ربما أكثر حدة حيث سميت لديهم بالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة و المال . ولقد عرفت في الأدب الصيني بأنها مزلة من الرجل، وليس لها أي حق من الحقوق و بإمكان الرجل دائما متى يشاء أن يسلب شخصية زوجته و يبيعها كجارية . و المرملة تصبح كجزء من الثروة المتعلقة بعائلة زوجها و لم يكن لها حق التزوج .
والمرأة الهندية هي الأخرى لم تعرف الحرية و لا الاستقلالية لا في بيت أهلها و لا في منزل زوجها ، هذا الأخير الذي إن توفي و لم يوجد قريب له تكون في رعايته وجب عليها أن تموت بموت زوجها حية و أن تحرق و إياه في موقد واحد، والمرأة الهندية التي تعزف عن هذه العادة تجعل في موضع الإهانة والتحقير. وهي العادة القديمة التي ظلت سارية المفعول حتى القرن السابع عشر . ومما أتى به التراث الهندي فيما يخص المرأة تمكينها من مضاجعة رجل أجنبي من أجل الإنجاب، هذا إن لم يكن لها من زوجها أولاد وينسب أولاد الأجنبي إلى زوجها .
1-2 ) المرأة في الديانة اليهودية و المسيحية :
اعتبرت المرأة في الديانة اليهودية لعنة استنادا على ما مرد في توراتهم وبعض كتبهم المقدسة ، فالتوراة تنظر إلى المرأة نظرة دون نظرتها إلى الرجل وقد جعل سفر " الجامعة" المرأة أمر من الموت و أن الصالح التقي هو الذي ينجو منها. وحسبه فإن اليهودي التقي يحمد الله على أنه لم يجعله عبدا ولا امرأة .وكان للأب في مرحلة من مراحل التطور حق إيجار أو بيع بناته وحتى حق قتلهن. وكان المجتمع اليهودي ينظر إلى الزواج على أنه وسيلة لاستمرار النوع، لا أنه عقد بين إنسانيين متساويين في الحقوق والواجبات.لذلك ترى بعض الطوائف اليهودية أن المرأة دون مرتبة أخيها و مكانته الاجتماعية حيث ليس بمقدورها أن ترث إذا كان لها أخوة ذكور، و أما إذا لم يكن لديها أخوة ذكور و آل الميراث إليها فقد حال القانون اليهودي بينها و بين الزواج . وفيما يخص الطلاق فإنه من حق الرجل لا المرأة ولم يكن لها حق المطالبة به قديما رغم أن نظام الأسرة لديهم قائم على النظام الأموسي حيث أن الأبناء ينسبون إلى أمهم دون أبيهم .
أما في الديانة المسيحية فقد أعطت تعاليمها للمرأة بعض الحقوق وفرضت عليها بعض الواجبات ، فخفت أمامها القيود و ارتفعت مكانتها إلى المكانة التي كان عليها الرجل باعتبارهما متممان بعضهما البعض. والشريعة المسيحية قد حرمت على الآباء نبذ الأبناء أو إعدامهم أو بيعهم أو إعدام الزوجة حتى ولو كانت في حالة الزنا بل نبذها لوحدها حتى تحاسب نفسها بنفسها وتعي واقعها وتقيمه حسب مفهومها الروحي لهذه الزلة التي قامت بها وتتوب عما بدر منها ويحق للزوج في هذه الحالة أن يهجرها أو يطلقها إذا استطاع أن يقدم شهودا لإثبات زلتها وفق الشروط التي فرضتها الكنيسة. وربما هذا ما جعل الكثير من النساء اللواتي اعتنقن المسيحية أن يجندن أنفسهن لخدمة الدين الجديد كراهبات وقسيسات ومبشرات بــه .و التشريع المسيحي قد جعل المرأة شخصية متساوية مع الرجل في الحقوق و الواجبات من حيث المبدأ ، أما من الناحية الفعلية و الواقعية فالديانة المسيحية و القانون الكنسي أقر للزوج الحق في الإشراف و النيابة القانونية عن الزوجة في إدارة أموالها ، ولا يحق للزوجة أن تبعثر أموالها و تنفقها دون إذن مسبق من زوجهــــا . و الجدير بالذكر أن الديانة المسيحية ولدت في قلب مجتمع يهودي معاد و كانت في جوهرها ثورة على الظلم و الاضطهاد من أجل تحرير الإنسان ومن أجل نشر العدل و المساواة بين الجميع "فلا يهودي ولا إغريقي ولا عبد و لا حر ، و لا ذكر و لا أنثى كلكم واحد في يسوع المسيح " * وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الفرق المسيحية لا تزال تنظر إلى المرأة نظرة احتقار يجب الابتعاد عنها و أنها باب الشيطان ، وجمالها سلاح إبليس للفتنة والإغراء . يقول القديس ترتوليان " إن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ناقضة لنواميس الله ، مشوهة لصورة الله أي الرجل " .
1-3 ) المرأة في المجتمعات العربية :
لقد دلت الأخبار أن المرأة في المجتمعات العربية كانت تفقد بعض حريتها وكثير من حقوقا كالإرث وخاصة في المجتمعات القبلية التي تخضع خضوعا تاما لنظام الأسرة القبلي، الذي كان سائدا في العصر الجاهلي حيث كانت تتكون القبيلة من الأسرة أو العشيرة بمعناها الواسع وتضم جميع الأقارب ومن تربطهم صلة الدم أو القربى أو علاقة الولاء وليس لها على زوجها أي حق شرعي باعتبار أن الحقوق الشرعية للمرأة لم تكن مستوية ولا معروفة في ذلك العصر وقد كانت أيضا كالسائمة تورث مع سوائم زوجها وتصبح ملكا خاصا لورثة زوجها ,وكان للرجل أن يختار من النساء العدد الذي يرضاه لنفسه بلا تحديد , وذلك حتى يبلغ النسل غاية مداه .
وكان في ذلك الحقبة أشكالا متعددة من الزواج ، تكون فيها المرأة في موضع لا تحسد عليه , حيث كان بإمكان الزوج أن يتزوج من قبيلة أخرى يمكن له أن يترك زوجته فيها ويزورها من فترة إلى أخرى كلما مر في رحلاته التجارية على تلك القبيلة. أوالزواج العرفي , وكذا زواج الإستصباغ الذي كان معروفا في بعض القبائل البدوية حيث كان يسمح للزوج بوضع زوجته أمانة عند رجل آخر حتى إذا حملت ردها إليه ونسب حملها إليه . ومما أثبتته الأحداث في الجاهلية عملية وأد الأطفال* التي كانت تأخذ أشكالا متعددة وكثيرة ، فإذا ما ولد طفلا على سبيل المثال و أطل على العالم بقدميه أولا بدل رأسه فإنه بشارة نحس وشؤم على أبويه أو إذا ولد بذراع واحدة أو ساق واحدة، كلها تؤدي إلى وأد الطفل لاعتقاد أبويه بأن روحا شريرة قد جاءت به إلى العالم سيكون دليلا على الشؤم أو النحس .
ويبدو أن المرأة العربية في الجاهلية كانت تعاني وطأة القيود التي كانت تفرضها عليها بعض التقاليد والعادات الهمجية فعلى سبيل المثال كان الرجل إذا مات وله زوجة وأولاد من غيرها كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه من غيره . وإذا أنجبت المرأة وولدت أنثى فيتشاءمون ولا يرحبون بميلادها لاعتقادهم أنها مجلبة للعار لعائلتها وكان الوالد في أكثر الأحيان يذهب بطفلته وهي حية فيحفر لها حفرة ويدفنها فيها . ومرد ذلك إلى اعتقاد العرب أن المرأة شخصا غير عامل أو منتج فهي عالة على أهلها ، أو خشية الفقر ، أو لشدة غيرتهم عليها وعلى عرضها أن يدنس .
إن مشكلة المرأة العربية وخاصة في الجاهلية تبدأ مع ولادة الأنثى ، و ربما قبل ذلك عندما تكون في رحم أمها و تأخذ الوساوس و المخاوف تراود أهلها من أن يكون المولود بنتا ، فولادة الأنثى تعني ولادة المشاكل في الأسرة و قد تمتد إلى العشيرة أو القبيلة ، وقد عبر القرآن الكريم أقوى تعبير عن ذلك حيث قال عز وجل في كتابه الكريم :"و إذا بشر أحدكم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ، ألا ساء ما يحكمون " فهذا الموقف اللاودي من الأنثى المولودة و الذي وقفه ويقفه الكثيرون لن ينتهي بقبول الأمر الواقع ، بل سيرافق نشأة الأنثى يوما بعد يوم و ساعة بعد ساعة . فالأنثى ولدت مكروهة وسيظل الصبي شقيقها يتمتع بمنزلة أسمى من منزلتها و بتميز عائلي؛ لا لأنه أوسع ذكاء وأكثر نشاطا و أعمق إدراكا وأكثر عطاء بل لمجرد أنه صبي وأخته أنثى.
وهكذا نرى أن المرأة في الجاهلية وقبل ظهور الإسلام أخذت تسوء حالها من سيئ إلى أسوء مما أدى إلى تدني قيمتها ومركزها الاجتماعي إلى درجة أن بعض القبائل كان الرجال فيها عندما يحتاجون إلى المادة لسد بعض حاجاتهم الاقتصادية يقدمون على رهن أو بيع نسائهم لسداد ما تراكم عليهم من ديون . وما يمكن التنويه به أن حال المرأة العربية لم يبق كذلك بعد مجيء الإسلام و الذي حرر العقول والأفكار الإنسانية و أعطى للمرأة حقها ومكانتها و الذي سنسلط عليه الضوء في العنصر الموالي.
1 -4) النظرة الإسلامية للمرأة : لعل حصيلة السمات في مشكلة المرأة هي سمة الاستثمار والاضطهاد وعدم المساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل ، فاستثمارها منذ العصور القديمة جسدا وروحا وعملا واضطهادا بنتا وأختا زوجة وحتى أما جعل منها مطالبة بتقديم الكثير من التضحيات والقيام بمعظم الواجبات في الوقت الذي يفرض عليها أن تقنع بالقليل من الحقوق .
و الواقع الاجتماعي بكل معطياته يؤكد أن الوضعية التي وجد الإسلام المرأة في المجتمعات كانت في أسفل السلم الاجتماعي ، وانطلاقا من كون الدين الإسلامي جاء لإقرار المساواة بين أفراد المجتمع فإنه لم يعالج قضية المرأة منفردة بل تمت معالجتها في الإطار الشمولي العام بصفتها عضو من المجتمع . و الإسلام عند معالجته لهذه القضية فقد عالجها انطلاقا من القاعدة العامة للإسلام في معالجته للكثير من المعضلات وهي : التدرج في التشريع ؛ فقد اكتفى في البداية بإعطاء المرأة حقوقها الأساسية باعتبارها كائنا إنسانيا مثلها في ذلك مثل الرجل إضافة إلى بعض الحقوق المدنية كالشهادة وأهلية التصرف والمسؤولية والقضاء(عند أبي حنيفة) وحقوقها الشخصية الذاتية التي تبدأ من حرية اختيار الزوج وحقوقها في حالة تعدد الزوجات ومعاملة الزوج.
إن هذه الحقوق التي ضمنها الإسلام للمرأة في ذلك العصر تعتبر ثورة كبرى في عالم المرأة و المجتمع بالنظر إلى العادات المتأصلة في المجتمع و نظرته إليها وقد بلغت المرأة المسلمة بفضل المبادئ التي أتى بها الدين الإسلامي مكانة عظمى وأصبحت لا تختلف عن الرجل فيما عدا الاختلافات البيولوجية و المسؤوليات المالية التي تبقى دائما على عاتق الرجل ، فكلا الجنسيين يعاملان معاملة متساوية يقول الله عز وجل :"من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون"سورة النحل الآية : 97
ورفع الإسلام مقام المرأة وأقر لها حقوقا و جعل لها شأنا ملحوظا في الحياة والشؤون العامة ، بل وأجاز لها تولي منصب القاضي ، و شاركت في الجهاد والحروب و تولت في بعض الأحيان مركز الصدارة والتوجيه ، يقول عز وجل "المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله"سورة التوبة الآية 71
و قد أطلق المؤرخون على الشفاء بنت عبد الله "أول معلمة في الإسلام " فقد تعلمت القراءة والكتابة و علمتها لنساء المسلمين. ومن اهتمام الإسلام بالمرأة أن جعل لها في القرآن الكريم سورة من طواله وسماها سورة النساء شملت على الكثير من الأحكام الخاصة بالمرأة متزوجة ومطلقة مخاصمة ومسالمة، ما يجب لها وما يجب عليها، إضافة إلى بعض السور مثل سورة البقرة ،النور، الأحزاب المجادلة، التحريم… والتي وردت فيها أحكام حول حياة المرأة وفضلها وعلوشأنها
ووجوب العناية بها. يقول عز وجل"ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله و فصاله ثلاثون شهرا"سورة الأحقاف، الآية : 5
وفي الحديث النبوي الشريف الكثير من الأحاديث حول المرأة ومكانتها وما يجب لها وعليها ومنها قوله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع "استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عون ليس يملكون منهن شيئا غير ذاك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغو عليهن سبيلا ،إن لكم من نسائكم حق وإن لنسائكم عليكم حق ، فأما حقهن فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ويأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن و طعامهن" و قوله أيضا في موضع آخر "النساء شقائق الرجال" .
فليس غريبا على الإسلام أن يبادر إلى إنقاذ المرأة من الهوان الذي عاشت فيه و لم يكتف بحماية آدميتها فحسب بل أضاف إلى ذلك حماية اجتماعية تؤهلها لأن تكون فعالة في المجتمع تبني وتساعد وتعيل بكل ما أوتيت من جهد .كما وحاول أن يجعلها مستقلة في شخصيتها ويمنع عنها الذوبان في شخصية الرجل دعوة منه إلى احترام ذاتها وإرادتها في تصريف أمورها.ولقد عالج الإسلام الإشكال الذي نتج عن ظاهر النصوص الدينية التي يبدو فيها الحط من قيمة المرأة "النساء ناقصات عقل ودين " وقوله تعالى"وللرجال عليهن درجة"سورة البقرة فالقوامة هنا مستحقة بتفضيل الفطرة ثم بما فرض على الرجل من واجب الإنفاق على المرأة وهو واجب مرجعه إلى واجب الأفضل لمن هو دونه فضلا، وليس مرجعه إلى مجرد إنفاق المال، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالإسلام دين واقع وليس في النصوص القرآنية ما يمنع المرأة من تولي أي عمل في المجتمع مهما كان هذا العمل عظيما و لا يتنافى مع القواعد المنظمة للمجتمع الإسلامي ، وهذا يدل على أن مثل هذه المسائل التي لا تزال تحير العلماء وأفراد المجتمع الحديث فصل فيها الإسلام واعتبر الإشكال المطروح ليس من جوهر الدين الإسلامي وتنظيمه يخضع لما تخضع له جل المسائل التي أتى الإسلام من أجلها .
والواقع أن الحديث عن المرأة في الإسلام لا يمكن حصره أو اختصاره في نقاط أو عبارات أوالإشارة له مجرد إشارة لأن الإسلام أعطى للمرأة حريتها كأنثى ومنح لها كامل حقوقها فرفع من شأنها مبرزا وظيفتها ودورها في الحياة ، وساوى بينها و بين الرجل في أمور و فرق بينهما في أمور أخرى، حتى تتكامل الحياة وتستمر في أحلى صورها .ومن ثم حق لنا القول في هذا العنصر: إذا كانت المصيبة قبل الإسلام تعد في قدوم الأنثى فقد أصبحت بعد مجيئه تنزل بفقدانها .
2) التغير الاجتماعي وأثره على تطور المرأة في المجتمع الجزائري
يعرف مصطفى بوتفنوشت العائلة الجزائرية، على أنها"المؤسسة الأساسية التي تشمل رجلا أو عددا من الرجال يعيشون زواجيا مع امرأة أو عدد من النساء ومعهم الخلف الأحياء و أقارب آخرين كما يعرفها أيضا أنها"المجتمع المنزلي المسمى عائلة مكونة من أقرب الأقارب المشكلون للكيان الاجتماعي والاقتصادي المؤسس على علاقات التزام متبادلة تبعية ومساعدة ".فالمرأة التي تنتمي لهذه العائلة الجزائرية– التي حاول مصطفى بوتفنوشت أن يوضح دعائمها وصيرورتها– اختلفت أدوارها وتعددت وتباينت على مر الأزمان وإن اتصفت بالشمولية والتوحد في الدور عبر الأحقاب الزمنية المختلفة . فلقد كان للمستعمر الفرنسي الدور الكبير في تدهور وضعية المرأة بحيث أن بقائها في البيت وغيابها عن ممارسة أي نشاط خارجي كان من أجل أن لا تصطدم مع المستعمر وحتى لا تكون على اتصال مباشر بالمعمرين، وبالتالي كان على الرجل حمايتها ومنعها من الخروج وحثها على المكوث في البيت؛ وبتصرفه هذا كان يرمي إلى حماية المجتمع ككل من الانحلال الأخلاقي. ويفسر المؤرخون هذا الاتجاه لكون دور المرأة الجزائرية في تلك الحقبة الزمنية هو المحافظة على الهوية الوطنية وبذلك تراجعت مكانتها بفعل التهميش والحرمان من كل مستلزمات العصر(كالتعليم، العمل…) وأصبحت تعيش في الجهل وشتى أنواع الاضطهاد والعزلة من أجل الحفاظ على القيم المكونة للشخصية الجماعية من خلال المحافظة عليها وجعلها بعيدة عن مواجهة المستعمر. ومن جهة أخرى فهي منذ نشأتها مكلفة بالحفاظ على شرفها -الذي هو شرف العائلة - و عدم تجاوز الممنوعات خاصة الجنسية منها والحدود المرسومة لها في التعامل إلى حين زواجها، لأن أي موقف مقلق منها أو مشكوك فيه من طرفها كما يقول محفوظ بوسبسي، يسقط هيئة السلطة الأبوية ويهدد الأمان الداخلي والخارجي للعائلة لذلك يعمل الرجل الجزائري بكل قوة وتعنت للسيطرة المطلقة ماديا ومعنويا على المرأة بحكم كونه معيل الأسرة فله حق الطاعة والخضوع وهو ما دفع بالعالم سيمون بوفار SIMON DE BEOUVOIR للتحدث عن الجنس الثاني عندما يتحدث عن المرأة في المجتمعات التقليدية.
ووفق الظروف الاستعمارية التي مرت بها العائلة الجزائرية استقر في الأذهان مكانة المرأة ودورها الاجتماعي الذي انحصر عما جاء به الدين الإسلامي و تجمد في الثنائية أعباء البيت والجسد. إذ لا يمكٌنُها الرجل من المناقشة أو إبداء الرأي ولا القدرة على مواجهة"الرجال"، فالرجل فقط من يملك الامتيازات والحق في التفكير والتدبير واتخاذ القرار في كل المسائل العائلية والحق حتى في الخطأ الذي يجد
الغفران من المجتمع كما يجد أيضا من يبارك خطواته التي تعزز رجولته هذه التي ليست كقيمة أخلاقية للنبل والكرامة الإنسانية،إنما كمنظومة ذهنية منبثقة من التربية القاصرة التي تهيئ الذكر بضرورة العنف والعدوانية والجفاف العاطفي وقهر الأنثى جسديا وفكريا و اجتماعيا.
من جهة أخرى ظل ميلاد الأنثى ولا زال يشكل نغصا اجتماعيا وانفعالا نفسيا شديدا سواء بالنسبة للزوج أوعائلته لا سيما إذا توالت ولادتها من غير أن يأتي الذكر وهو ما يجعلها تقبل التفاوت في الامتيازات لصالح الذكر،كما أن العائلة تُعد الولد لغير ما تُعد له البنت لأن الاعتبار يكون للجنس لا للكفاءة والموهبة ، ففي حياتها الزوجية تحاط بقيود اجتماعية متعددة ومتنوعة وقاسية و تزداد هذه القسوة كلما انخفضت درجت العائلة الاجتماعية حيث تدور حريتها في إطار ما يريده الزوج وما لا يريده ؛ وهو دورله تأثيره التربوي والسيكولوجي السلبي، لا على الأنثى وحدها بل وعلى الذكر أيضا فهو أثر ينال من شخصية الأنثى ويعقدها كما يزيد من ميع الذكر وإفراط دلاله وينمي أنانيته ويغرس فيه الغطرسة وكره المساواة والانصياع للحق والعدل الاجتماعي ، فقد اعتاد المجتمع أن يرى الخطأ في المرأة أكثر مما يراه في الرجل .ولقد استمر هذا الوضع وتجذُر حقبة من الزمن حتى بعد الاستقلال وحتى بعد أن أثبتت المرأة الجزائرية جدارتها في حرب التحرير وكفاءتها في الذود عن الوطن ، ولكن هذا الوضع تخلله بعض التغيير في نواحي مختلفة من البنية الاجتماعية والثقافية والعمرانية والتكنولوجية ، هذا التغيير الذي أتاح للمرأة الالتحاق بالمدارس والثانويات وحتى الجامعات بالعمل والمساواة مع الرجل والحصول على أجر نظير هذا العمل وبالتالي المشاركة الإيجابية في ميزانية الأسرة وقد فتح التحاق المرأة بالعمل أمام المرأة محاولات واسعة للنشاط الاجتماعي وأحدث تغيرات هامة في مكانتها في المجتمع وفي الوقت ذاته حدثت تغيرات عديدة في حياة الأسرة عندما زاد اضطلاع المرأة بمسؤوليات كانت من قبل من مسؤوليات الرجل وفي القرن العشرين ازداد الاهتمام بها وتميز بحصولهاعلى عدة حقوق لم تكن لتتمتع بها من قبل كالحق في التعلم وممارسة الحقوق السياسية كالانتخاب وتولي مناصب سياسية عليا … إلخ.
وعلى الرغم من تطور المجتمع الجزائري في نواحي مختلفة وعلى الرغم من الأشواط المختلفة التي قطعتها المرأة لتحسن مكانتها في هذا المجتمع في شتى الميادين والقفزات التي استحقتها عن جدارة في تموضعها داخل كيانه، إلا أنه لا تزالا الكثير من العقول الرافضة للتغير بالاعتراف بأحقية المرأة أن تساهم مساهمة فعالة في بناء المجتمع و الحلم المشروع في تحمل مسؤولية العمل بوعي وبناء مجتمع يعترف بإنسانيتها وفكرها وحقوقها .