ظاهرة المخدرات في الجزائر : توجهاتها وتطورها :
إن الجزائر ليست بمنأى عن العالم بكل تغيراته وحوادثه شأنها في ذلك شأن كل الدول التي تتصارع مع بعض الظاهر التي من شأنها أن تقف كعائق حتى أمام الدول الأكثر تقدما ، ومن بين هذه الظواهر"ظاهرة المخدرات" التي عصفت باقتصاد الدول ورمت بمتناوليها إلى غيابات الانهيار الحقيقي ، وينبغي التذكير أن الإنذار الأول حول هذه الظاهرة في الجزائر سجل سنة 1975 مع حجز ثلاثة أطنان من القنب، وتوقيف أغلب المتورطين في هذا التهريب وكان معظمهم أجانب، أما الإنذار الثاني فقد وجد سنة 1989 إثر حجز أكثر من طنين من القنب مع توقيف 2500شخص متورط في القضية ، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الأرقام تتضاعف سنة بعد سنة ، خاصة منذ سنة 1992 التي شكلت تحولا جذريا في طبيعة الميول العام المتعلق بالاتجار بالمخدرات بفعل حجز ما يقارب سبعة أطنان من راتنغ القنب ، وقد تأكد هذا الميول في السنوات اللاحقة بحجز كميات قليلة لكنها معتبرة من الهيروين والكوكايين ومهلوسات ومؤثرات عقلية والتي تكون في أغلب الأحيان مركبات مستوردة بصفة قانونية تحول بصفة غير قانونية عن الأغراض التي استوردت من أجلها ، ولم يكن تجارها هذه المرة من الأجانب بل أصبحت تمول وتسوق بواعز من أبناء الجزائر، ووصلت سنة2002 إلى 6.322طن من راتنغ القنب .
توجه المخدرات الواردة من الجهة الغربية إلى موانئ وهران والجزائر لتصديرها نحو أروبا ومن جهة أخرى نحو البلدان الواقعة شرق الجزائر وجنوبها مرورا بورقلة وبصفة خاصة بمدينة الوادي التي هي بصدد التحول إلى مفترق طرق هام في مجال تجارة المخدرات في اتجاه ليبيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى التهديد الآتي من الحدود الجنوبية انطلاقا من الوادي حتى تمنراست أصبحت كذلك مصدر خطر أكيد، إذ تتميز بتواجد شبكات عديدة لمهربي المخدرات ، بالإضافة إلى أن مصالح الدولة المكلفة بمكافحة المخدرات توصلت إلى أن عمليات الحجز تتم كثيرا بواسطة الطرود البريدية الآتية من أوربا وعن طريق الشحن بالبواخر والطائرات وهناك كميات أخرى تأتي من البلدان الواقعة جنوب الصحراء من خلال شبكات لها نقاط اتصال بالعاصمة وفي مراكز حضرية أخرى من الوطن.
وجدير بالذكر فيما يخص الجزائر وظاهرة"المخدرات" أن الجزائر على الرغم من انها كانت لا تعتبر بلدا منتجا ولا مستهلكا بصفة واسعة ولكنها تشكل فضاءات مفضلا للعبور. وفي هذا الصدد سجل الديوان الوطني لمكافحة المخدرات نسبة 90 من الكميات المحجوزة كانت موجهة للاستهلاك في بلدان أخرى من أوربا وأفريقيا والشرق الأوسط(93.39
% سنة 2000، 91.30
% سنة 2001، و73.5
% سنة2002)، وحاليا تشكل المخدرات ناقوس خطر حقيقي يفتك بالمجتمع الجزائري وأفراده، حيث اضحت الجزائر بمختلف فئات مجتمعها بلدا مستهلكا وقد تتحول الى بلد منتج كما تدل التحريات التي تجريها مصالح الدرك الوطني بين الحين والحين.
العوامل المساهمة على انتشار المخدرات في الجزائر لعل مرجع هذه الظاهرة يعود إلى :
أ) العوامل الاجتماعية والاقتصادية :- أزمة السكن الخانقة
- هشاشة الروابط العائلية
- التسرب المدرسي
- الركود الاقتصادي والبطالة التي يعاني منها الشباب منذ سنوات
- الإحساس الدائم باليأس من الحياة في الجزائر التي يشعر بها الشباب مع ازدياد معدلات الفقر
- تأثير العنف الإرهابي على الاستقرار الاجتماعي وعلى التوازن السيكولوجي للأفراد هذا المجتمع(النزوح الريفي، الصدمات الناتجة عن الأعمال الإرهابية ...)
- اتساع مساحة التراب الوطني ونقص وسائل المراقبة خاصة على الحدود (1200كلم من السواحل وأكثر من 6000 كلم من الحدود البرية )
- القرب من مناطق الزراعة(غربا وجنوبا) ومن أسواق الاستهلاك (شمالا)
ب) العوامل القانونية :
- عدم ملائمة التشريعات الوطنية حول مكافحة ومحاربة المخدرات
- غياب تنظيمات ملائمة حول مراقبة حركة رؤوس الأموال
ج) العوامل المؤثرة والمفجرة:
- تضييق الخناق على شبكات المهربين في مختلف أنحاء العالم وبصفة خاصة في بلدان الضفة الشمالية للمتوسط الأمر الذي أدى إلى إعادة انتشار الفروع والشبكات في اتجاه إفريقيا
- تطور الإنتاج والتهريب على المستوى الدولي بسبب الأرباح الطائلة التي يوفرها
- توفر الكثير من أنواع المنتجات السامة في السوق المحلية وضعف جهاز مراقبة المخدرات المشروعة (المستشفيات والصيدليات).
- العولمة والتحرر الاقتصادي وما يحملانه من أخطار محتملة في مجال تبييض الأموال.