[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ماهية السواء والمرض وحدودهما في علم النفس المرضي
تعدها الدكتورة : مزوز بركو
عرف بيارون PIERRON (1963) علم النفس المرضي بأنه" دراسة الاضطرابات العقلية من حيث تصنيفها وصفها ميكانيزماتها و تطورها " ومن المؤكد أنه توجد اختلافات فيما يخص موقع هذا الميدان داخل هذه العلوم فمنهم من يرى أنه ميدان من ميادين الطب العقلي و منهم من يرى بأنه ميدان من ميادين علم النفس ومنهم من يرى بأنه علم قائم بذاته فمن خلال هذه الوجهات النظر يتبين لنا أن موضوع علم النفس المرضي هو الظاهرة المرضية أي اللاسواء، و بين السواء و اللاسواء حاول عديد العلماء أن يقفوا عند حدودهما و أبعادهما لكن اختلاف المعايير حال دون ذلك، فقد استهل سكوت(Scott) إحدى مقالاته النقدية لبيان العقبات الخطيرة التي تعترض طريقة البحوث الخاصة بالصحة النفسية وتتمثل في عدم وجود تعريف واضح في التمييز بين السوي والمرضي حتى داخل المجموعة الثقافية الواحدة ذلك أن أحد الفروق التي تستخدم في التمييز بينهما تعتمد في جانب كبير منها على كمية القلق والمشقة التي يعيشها الأفراد وهي بلا شك تختلف من مكان إلى مكان ، ومن زمن إلى آخر ، ومهما يكن من الأمر فحينما نتناول المسائل المتعلقة بالسلوك السوي أو المرضي فإن استخدام هذين المصطلحين يُحاطان بكثير من الصعوبات ، لأن السؤال الذي سيطرح نفسه ما هو مؤشر كل من السوي والمرضي وما الحدود الفاصلة بينهما؟ أو بصورة أخرى من هو السوي حتى نتمكن أن نقيس على أساسه المريض؟.
إن التحديات الرئيسية التي تواجه الذين يعملون في مجال الأمراض النفسية هو تعريف السلوك السوي أو المرضي لأن كل التعاريف تتسم بكونها لا تصمد كتعريف ثابت متسق ويفسر بسهولة كل المواقف أو المظاهر التي يبرز فيها هذا المفهوم، لأن العلماء يُنِّظرون للمفهوم من زوايا خاصة ومن وجهات نظر فردية، وليس هذا فحسب من يصعب المهمة بل أن العوامل الثقافية والإيديولوجية تصعب بصورة أكبر حدود السواء والمرض فقد تعددت المحكات واختلفت المعايير التي تحدد ماهية السواء والمرضي.
1- بين السواء والمرض: يقول دافيسون ونيل(Davisson et Nil) " إذا كانت هناك صعوبة في تعريف السلوك السوي والسلوك المرضي فإن البديل هو البحث عن المحكات التي تحدث في ضوئها ا السلوك" ففي ظل غياب الاختبارات الكيميائية والحيوية أو النفسية المباشرة والمحددة للكشف عن وجود المرض النفسي وتحديده بشكل نهائي كما هو الحال في الأمراض الجسمية فإنه ينبغي تعريف السواء في صورة مصطلحات سلوكية واجتماعية ، ومن ثم فإنه سوف يكتسب معناه ودلالته من السياق الذي يحدث أو يُستخدم فيه، وقد نهج هذا الطريق سكوت حين اعتمد على مجموعة من المحكات التي وضعها لتحديد السوي واللاسوي ومن بينها:"القدرة العامة علة المواءمة والتكيف، القدرة على الإشباع الذاتي والكفاءة في القيام بالأدوار الاجتماعية والقدرة الذهنية ، وضبط الانفعالات والدوافع والاتجاهات السوية نحو الذات والمجتمع، الإنتاجية والاستقلال والتكامل" أما محكات اللاسواء فهي: "التعرض للعلاج النفسي ، سوء التوافق، التشخيص الطبي النفسي وتقرير الفرد عن نفسه أنه مريض ويحتاج إلى علاج ونتائج تطبيق الاختبارات النفسية ، عدم توفر الصحة النفسية أو المحاولة الإيجابية للاحتفاظ بها. إن السلوك البشري يكون في العادة على نوعين :سلوك ثابت موروث، وسلوك آخر متغير مكتسب أو متعلم وما يهمنا هنا أكثر هو السلوك المتعلم الذي يكتسبه الفرد أثناء حياته ولا يولد مزودا به، علما أن الإنسان يكون مزودا باستعدادات وقدرات ووسائل تستطيع مع مرور الوقت أن تنمو وتنضج وتتفاعل مع المؤثرات الطبيعية والاجتماعية المحيطة لتكون فيما بعد السلوك الذي نراه وقد يظهر لنا نوع من أنواع السلوك على شكل إجراء بسيط ولكنه في الواقع كير التعقد وهو ينطوي على العديد من القوى المتفاعلة داخل الموقف .
-
السواء لغة : السواء في اللغة العربية له معان عدة من بينها "العدل" وسواء الشيء يعني: وسطه بين الفريقين، ويُقال رجل سوي الخلق أي استوى من اعوجاج وكذلك استوى الشيء يعني اعتدل، وجاء في الأثر "لا يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا" وأصل ذلك أن الخير في النادر من الناس فإذا استووا في الشر لم يكن فيهم ذو خير كانوا من الهلكى. وكلمة سوي في اللغة العربية تقابل المصطلح الفرنسي والإنجليزي (Normal) وهي مشتقة من اللفظ اللاتيني (Normlis) والتي تعني " صنع على قاعد" أي وضع تبعا لقانون أو مقياس أو محك، ثم أصبح المصطلح يعني الاتساق مع المعيار أو التطابق مع النوع الشائع والعمل وفق ما هو عادي وطبيعي ومنتظم.
-
السواء اصطلاحا: السواء في علم النفس والطب النفسي يُقصد به:" مصطلح عام يرادف الصحة النفسية إلى حد بعيد ، كما يعني أيضا في علم النفس قيمة معيارية تمثل العادي أو المتوسط أو القريب من المركز ، كما يعني أيضا "التصرف تبعا للمعايير المقبولة " وكذا " كون الفرد صحيحا أو سليما أو في حالة صحيحة ومتحررة من الصراع".
-
السوي من الوجهة الاجتماعية:هو السلوك المألوف والمعتدل والمتماشي مع القيم والمعايير الاجتماعية المتعارف عليها في بيئة الفرد السوسيوثقافية. فتكيف الفرد مع الجماعة قد يكون على مستوى عال وقد يكون أدنى من ذلك بقليل كذلك فإن الاضطراب في التكيف ليس من درجة واحدة ، وهو ما يسميه العلماء بـ:"متصل السواء والمرضي" وثقوم فكرة هذا المتصل على افتراض أساسي هو أن الأفراد يتدرجون بشكل مستمر من السواء إلى المرض وكل فرد يمكن أن يوجد في نقطة ما من هذا المتصل.
-
السوي من الوجهة النفسية : هو السلوك الذي يواجه المواقف المختلفة بما يقتضيه هذا الأخير وفي حدود ما يغلب على تصرفات الأفراد ، فإذا كان الموقف محزنا واجهناه بالحزن وحين يظهر أحدنا ضاحكا في موقف حزين يُستهجن فينا هذا السلوك ، وجدير بالذكر أن نبين أن مواجهة الموقف أمر متعلق بالشخص وخبرته من جهة وبشروط الموقف المحبطة من جهة أخرى، كما يجب أيضا أن يُخذ بعين الاعتبار عمر الشخص ومستوى نضجه ومكانته فالطفل الذي لا يزال في الخامسة من عمره لا يستطيع مواجهة موقف الحزن بما يقتضيه لأنه لم يصل بعد إلى مستوى نضج الراشد. فالسواء إذن يخالف الاضطراب النفسي الشديد أو هو السلوك الذي يعبر عن عدم التناسق داخل الشخصية أو عن سوء التفاعل مع المحيط.
-
من هو السوي : يرى فرويد أن الشخص السوي هو القادر على الحب والعمل ، وتجدر الإشارة إلى أن "الحب" من وجهة نظره يشمل مدى واسعا من الأفعال يمتد من حب الأشياء والأشخاص والموضوعات والأفكار والوطن إلى الجنس والتناسل أما رايش فيرى معيار ا خاصا للشخص السوي ينص على أن الشخص السوي هو القادر على أن يخبر المتعة الجنسية الكاملة فالقدرة على الوصول إلى الذروة الجنسية هي أكبر علامة على صحة الشخصية ، في حين يرى سوليفان أن الشخصية السوية هي تلك الشخصية ذات العلاقات الجوارية الواقعية أو غير الإبدالية أي التي تتأثر في علاقتها الحالية بالخبرات السابقة مع أناس سابقين والتي تتعامل مع الناس كما هم الآن، ويضع إريك فروم معيار التوجه المنتج لتحديد الشخص السوي ، ويرى من جهته أبراهام ماسلو أن السواء هو تحقيق الذات ومنه فالفرق بين السوي والمرضي في هذا المجال هو فرق كمي في الدرجة وليس كيفيا في النوع فالسواء لا يسير وفقا لمبدأ الكل أو لاشيء.
-
تعريف اللاسواء : في اللغة العربية يقابل اللاسواء كلمة الشذوذ والتي أتت من الفعل شّذ شذوذا أي انفرد عن الجمهور وندر بهم ويُقال خالف القياس وشذ عن الأصول أي خالفها والشذوذ من الناس الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم أي قلتهم، ويقول النحاة(أصحاب النحو) شّذ من القاعة أي خرج منها ، ويقابل مصطلح اللاسواء في اللغة الفرنسية كلمة (Anormale) والتي تتكون من السابقة (A) والكلمة (normale) والتي تعني السواء والعادي ويقصد بها مجتمعة الاختلاف عن العادي والمتوقع. ويكون هذا الاختلاف في الغالب غير مرغوبا فيه ، والملاحظ أن المعنى اللغوي لمصطلح اللاسواء أو الشذوذ لا يحمل المضامين السلبية التي نلحقها سواء كان ذلك على المستوى المتخصص أو غي المتخصص .
-
اللاسوي من الوجهة النفسية: ويقصد به انحراف عما يُعد سويا أو المختلف عن العادي وعن القاعدة العامة ، فالشاذ يرادف المرض وغير المتوافق أما في الإحصاء فيشير المصطلح إلى الدرجات الخارجية عن النطاق السوي أو المدى المتوقع للدرجات والمستبعد عن فئة المتوسط في التوزيع.
-
اللاسوي من الوجهة الاجتماعية : هو الخروج عن القواعد المرسومة اجتماعيا من قبل فرد أو مجموعة أفراد ينتمون لنفس الجماعة ، ويسلكون غير سلوك الجماعة .
-
مؤشرات السلوك اللاسوي : من مؤشراته التحرر الاجتماعي ، قصور التحكم الذاتي ، عدم القدرة على تحمل الإحباط ، الألم الذاتي أو الضيق(الحصر الدائم) ظهور علامات وأعراض ، عدم تناسب السلوك مع الموقف ،مع غرابة في السلوك وعدم معقوليته وصعوبة التنبؤ به
2-
معايير ومحكات السواء واللاسواء في علم النفس المرضي: كل ما تم عرضه يقودنا للحديث عن تنوع المعايير التي تتحكم في السواء والمرضي ومن بين هذه المعايير التي تُتخذ لتحديد السوي والمرضي نجد :
2-1
السواء و اللاسواء من وجهة نظر إحصائية : إن الرياضي البلجيكي أ . كيتلي A. quetlet كان أول من استخدم منحنى قوس GAUS في توزيع معطيات إنسانية حيث نشر "نظرية الرجل المتوسط" في كتابه و حاول عبر هذه النظرية أن يبرهن أن الإنسان السوي هو الإنسان المتوسط وفق النزعة المركزية للمعطيات الإحصائية ، وتعتبر الانحرافات على الجهة اليسرى أو اليمنى للمنحنى معبرة على اللاسواء ، وحسب وجهة نظره كلما كان الانحراف عن المتوسط كبير كلما كان السواء كبير و العكس .
و من جهة أخرى كلما كان التوزيع عادي بعد قياس ظاهرة معينة فإن المفحوصين يتمركزون على انحرافين معياريين أحدهما سالب و الأخر موجب و نقطة تقاطع الانحرافيين لتحديد المتوسط هي التي تبين الأسوياء من المفحوصين وغير الأسوياء منهم.
ويعتمد المعيار الإحصائي على فكرة تصنيف السلوك بدلا من تصنيف الأمراض كما يفترض تنوع سلوك مختلف الأفراد طبقا لدرجات تختلف عن بعضها البعض اختلافات طفيفة بحيث يمكن ترتيبها عبر متصل يتراوح بين قطبين ، واللاسواء يكون عند نهاية القطبين (على الأطراف) ، ففي ضوء هذا المعيار فإن الأفراد الذين يعانون من درجات مرتفعة من القلق أو الاكتئاب يعتبرون غير أسوياء لأن خبرتهم تنحرف عن المعيار الشائع. بمعنى أدق فإن المعيار الإحصائي حسب العالم أ . كيتلي والعلماء الذين ينظرون للسلوك الإنساني من هذا المنظار هو الذي يمكن من تحديد متى يبدأ ميدان السواء و اللاسواء وفقا للمتوسط و الانحراف المعياري ، لكن العلماء وجدوا أن هذه الوجهة نسبية و اعتباطية ربما قد تصلح لبعض الظاهر مثل الطول ، الوزن ، العدوانية… لكنه من غير المعقول إذا كنا نتكلم مثلا عن الذكاء اعتبار الشخص الذكي جدا غير سوي فهذا المعيار يساعد في التمييز بين السلوك المرغوب والمقبول والسلوك غير المقبول أو غير المرغوب فيه وهو يساوي بينهما بشكل لا يمكن قبوله هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن هناك أنواعا من السلوك والخبرة تبدو شائعة ويمكن اعتبارها سوية بالمعنى الإحصائي مثل شرب الخمر في المجتمعات الغربية ولكنها من منظور وطيفي يمكن اعتبارها غير سوية لأنها ضارة وقد صنفت وفق الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية ضمن الاضطرابات المصنفة ، وفي المقابل هناك أنماطا من السلوك النادرة وغير المتكررة لا يمكن اعتبارها غير سوية ، كالحفاظ على ممارسة الرياضة صباح كل يوم أو الذهاب إلى العمل سيرا على الأقدام ، والمراجعة الطبية الدورية...الخ من السلوكات التي تتسم بالندرة في بعض المجتمعات ورغم ذلك لا يمكن اعتبارها غير سوية.
2-2
السواء و اللاسواء من وجهة نظر اجتماعية : من المعروف أن المعايير الاجتماعية هي الاتجاهات و العادات و القيم التي توجه استجابات أعضاء الجماعة وتحقق تطابق في التصرفات أو في الأحكام مما يزيد في وحدة الجماعة ويعني هذا أنها تعتبر بمثابة إطار مرجعي للفرد ، وحسب نظرية المعيار الاجتماعي فإن السواء هو موافقة أو تطابق السلوك مع نمط مقرر يخضع لمستوى ثقافي وعقائدي سائد و يتمثل اللاسواء في عدم الامتثال .
من الواضح جدا أن هذا المعيار يركز على مرجعية الجماعة للحكم على السلوك بأنه سوي أو غير سوي ، وهو ما يدفعنا للقول أن هذه المرجعية تجعل من السواء و اللاسواء يختلف من مجتمع إلى آخر و بالتالي عدم ثباته وتغيره من بيئة إلى أخرى. فقد أظهرت الدراسات الميدانية في الأمراض النفسية ما تعتبره بعض المجتمعات مرضا يستحق العلاج ، يُنظر إليه في مجتمعات أخرى أنه نوع من السلوكات المقبولة والمرغوب فيها ، وقد وجد العلماء أن وجهة النظر الاجتماعية تنظر إلى السلوك اللاسوي على انحراف وليس مرضا خاصة ، وفي هذا الصدد وضع "سكوت" محكه الخاص بسوء التوافق الاجتماعي معتمدا بوضوح على هذا المفهوم حيث يرى أن التوافق يتحدد من معايير المجتمع بأكمله أو من معايير بعض الجماعات الفرعية داخل نطاق المجتمع .
ولم يسلم هذا المعيار من النقد ذلك لأن التباينات الثقافية والاختلاف الشديد في المعايير يجعل مفهوم السواء واللاسواء مفهوما نسبيا غير ثابت، بالإضافة أنه هذا المعيار يجعل من الصعب التمييز بين المرض النفسي والعقلي من ناحية وبين الانحراف الاجتماعي من ناحية أخرى هناك أيضا عامل الزمان والمكان اللذان يساهمان بشكل كبير في تحديد مفهوم السواء واللاسواء، ومن جهة أخرى فإن تركيز هذا المعيار على المعايير الاجتماعية وعلاقات الفرد بالآخرين يجعله يهمل مشاعر الفرد ورؤيته الذاتية لنفسه .
2-3
السواء و اللاسواء من وجهة نظر مثالية : إن تعريف السواء كمثالية يعني أنه توجد عدة مستويات من المرض الخطير إلى الصحة المثالية بالنسبة لدرجة الخطورة وبطريقة تنازلية نجد الحالات الذهانية الخطيرة ثم الأعصبة، فالحالات الخفيفة التي تمس معظم أفراد المجتمع ، وبالنسبة للعاديين نجد أولا الأفراد المتكيفين بصورة دائمة ثم قرب قطب الصحة المثالية التي تتمركز فيها الشخصيات الإبداعية التي تحقق إمكانياتها.
2-4
السواء و اللاسواء من وجهة نظر غياب المرض : يعزو مفهوم غياب المرض لمصطلح "التفوق" أو مصطلح "التأثير " ويقصد بمصطلح "التفوق" عدد الحالات المرضية بالنسبة لـــ 100 ألف نسمة خلال سنة مثلا . أما مصطلح "التأثير" عدد الحالات المرضية الجديدة التي تظهر خلال فترة معينة من الزمن مثلا سنة . نلاحظ أن مصطلح التأثير يخص فقط الحالات الجديدة التي تظهر بينما التفوق يخص الحالات الجديدة و القديمة معا، ولحساب درجة التفوق و التأثير نستطيع أن نعرف نسبة الأشخاص المصابين بالمرض وحتى التنبؤ بنسبة الأشخاص الذين سوف يمرضون ، نستعمل طريقتين :
- الطريقة الأولى تتمثل في إحصاء مجتمع مستشفيات الطب العقلي ويمكن توزيع هذا الإحصاء في المصالح الخارجية وحساب النسبة انطلاقا من عدد السكان الأصلي .
- الطريقة الثانية وهو التحقيق العدوي الذي يجري على عينات تمثل المجتمع الأصلي والأرقام المحصل عليها بهذه الطريقة بينت تفوق كبير للاضطرابات العقلية ،بمعنى حينما نحص المجتمع برمته من أجل كشف نسبة المرض سنجد أن النسبة مرتفعة جدا إذا ما كان إحصاؤها عن طريق المراكز الاستشفائية .
فالمرض أو غياب المرض كثيرا ما يرتبط بعدة مترادفات منها السواء واللاسواء لكن المعاجم والقواميس تفرق بينهما على اعتبار أن المرض يمثل دائما انحطاط وتقهقر في الصحة وهو عكس لا سوي ولكن غير متناقض معه ومن جهة أخرى كلمة مرض تدل على وجود سبب و ميكانيزم مفسر لكيفية تأثير السبب على الجسم لإحداث المرض.
2-5)
السواء واللاسواء من وجهة نظر نفسية: هذا المعيار ليس ذاتيا وإنما موضوعيا كما يظهر لنا من اسمه ، فهذا المعيار ينظر إلى السلوك على أنه فاعلية نفسية ناجمة عن ديناميكية خاصة تحركها الدوافع الكامنة وراء ها من أجل تحقيق غرض معين. وبالتالي يكون اللاسواء عبارة عن اضطراب شديد في السلوك ووظيفته فلا يكفي أن يكون السلوك نادرا الوقوع أو مختلفا عن المألوف لتسميته لاسويا بل إنه يوصف باللاسوي حين يقودنا التحليل العلمي إلى التأكد من وجود الاضطراب الوظيفي الشديد فيه .
2-5)
السواء واللاسواء من وجهة نظر علم الأعصاب: يرى هذا المعيار أن الدماغ السوي يختلف عن الدماغ غير السوي في العدد الحقيقي للخلايا العاملة في منطقتي اللحاء واللتان تسميان بالطبقتين تحت الحبيبية وفوق الحبيبية ، وكلما اقترب الدماغ من السواء اتسعت الطبقة فوق الحبيبية وضاقت الطبقة تحت الحبيبة ،وهناك توجه عالمي في هذا المعيار يحاول العلماء من خلاله ربط كل أنواع وأنماط السلوك المختلفة بما يسمى "علم الأعصاب" أي أن لكل سلوك سببية عصبية، ومن مزايا هذا المعيار أنه يمكن تعميمه على مختلف الثقافات ولكنه صعب التطبيق.
خاتمة : إن هذه المعايير أو المحكات كانت ولا تزال تمثل حلا لمشكلة تعريف السواء واللاسواء لكن هذه الحلول هي حلول جزئية وليست شاملة وكاملة ، إذ وجدنا أن كل معيار يركز على جانب ويهمل بقية الجوانب،ومن هنا تبرز الحاجة إلى منظور متكامل (تكاملي) تتم فيه الاستفادة من مميزات كل المعايير، والشيء الملفت للانتباه من خلال هذه الرؤى أن إدراك الآخرين هو المعيار لتحديد السواء واللاسواء وهذا يعني أن المعيار الاجتماعي له دور كبير في تحديد طبيعة السلوك إن كان متكيفا أو غير متكيف، ومن جهته يؤكد التحليل النفسي أنه لا توجد حدود أو انقطاع بين السوي و اللاسوي لآن من كان في زمن ما سوي بعد زمن آخر قد يصبح لا سوي والعكس بالنسبة للاسوي. كما يمكن أن نلاحظ أن هذه المعايير قد استخدمت في تحديد السواء واللاسواء ولم تركز أكثر على مفهوم المرض النفسي الذي لا يترادف مع اللاسوي لأنه أحد مظاهره ، أو بمعنى آخر فإن السواء واللاسواء أوسع وأشمل من مفهوم الصحة والمرض.