[size=24]
[/size] الدولة
تقديم : تعتبر الدولة أهم مؤسسة تسهر على تسيير المجتمع و تدبير شؤونه ؛وهي بذلك أشمل تنظيم
يعكس مجموعة أفراد المجتمع.ويتجلى هذا التنظيم في عدد من المؤسسات الإدارية و القانونية والسياسية و الإقتصادية التي تتطابق مع متطلبات المجتمع. إن وجود الدولة نابع من قصور المجتمع عن تسيير شؤونه في غياب هذه المؤسسة التي تحفظ وجوده و تضمن
استمراريته.
لكن بالرغم من هذه الأهمية التي تشغلها مسألة الدولة ؛يبقى سؤال ماهي الدولة غامضا. وهذا الغموض نابع من الأدوار المعقدة التي تلعبها الدولة والتناقضات الواضحة التي ترافقها .وإذا كانت الغاية من وجود الدولة هي تنظيم أمور المجتمع فهل يقف دورها عند مسألة التنظيم؟ هل يمكن الحديث عن حياد الدولة؟ ثم كيف يكون وجود الدولة مشروعا.؟
يمكن معالجة هذه الاشكالات من خلال المحاور التالية :
|- المحور الأول : مشروعية الدولة وغاياتها 1- غاية الدولة تحقيق السلم .( نص هوبز) لقد جعلت الطبيعة الناس أحرارا و متساويين ؛ غير أن هذا التساوي لا يتحقق مع حالة الطبيعة التي تقوم على اساس الحرب الدائمة والفوضى و الخوف ،وهذا ما يؤدي إلى فناء الجنس البشري .ولذلك كان من الضروري ان يبحث الإنسان عما يساعده على تحقيق الأمن والإستقرار والسلام .لقد اعتبر هوبز حالة الطبيعة حالة حروب و نزاعات بين الأفراد وهي ما سماها بحرب الكل ضد الكل ، لذلك كان لزاما وقف استشراء العنف والإنتقال بالتجمع البشري الى مجتمع الدولة المنظمة . والوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الإنتقال هو التعاقد الإجتماعي الذي يضمن السلم والأمن بوجود حاكم يكون خارج هذا العقد حيث يتنازل الأفراد برضاهم عن بعض حقوقهم الطبيعية لفائدة الحاكم قصد تحقيق المنفعة العامة . وهذا التوافق بين الشعب و الحاكم ادى الى نشوء الدولة . والحاكم في نظر هوبز لا يمكن ان ياتي بتصرف يخالف المصلحة العامة لانه بعيد عن الوقوع في الخطأ و بالتالي يفرض تصور هوبز الخضوع التام لهذا الحاكم .
2- غاية الدولة هي الحرية.( نص اسبينوزا) يشير اسبينوزا في هذا النص الى أن الغاية التي انشئت من أجلها الدولة هي حماية حرية الأفراد و سلامتهم وفسح المجال أمام طاقاتهم و قدراتهم البدنية و العقلية والروحية .إن تحقيق هذه الأهداف (الأمن،الحرية ...) يقتضي تنازل الفرد عن حقه في أن يسلك كما يشاء .ومقابل هذا التنازل يتمتع الأفراد بحرية كاملة في التعبير عن آرائهم و أفكارهم مع بقائهم متمتعين بهذا الحق مادام تفكيرهم قائما على مبادىء العقل واحترام الأخرين و ايضا ما دام الفرد لم يقم باي فعل من شانه الحاق الضرر بالدولة.
3- الدولة تجسيد للعقل.(هيغل). ينطلق هيجل من محاولة إبراز قصور التقليد الفلسفي السياسي التعاقدي بجعل غاية الدولة تقف في حدود تحقيق الأمن والحرية والملكية الخاصة .إن الدولة غاية في حد ذاتها , باعتبارها نظاما أخلاقيا يكون في احترامه احتراما للعقل باعتبار الدولة تجسدا للعقل، لذلك كان من الواجب الإنخراط في الدولة؛ فلا وجود لحرية الأفراد في غياب حرية الدولة فمنها يستقي الأفراد حريتهم .
إن اقتصار دور الدولة على تحقيق غايات خارجية (السلم ،الملكية الخاصة،الحرية....) يجعل الإنتماء الى الدولة مسالة اختيارية والحال أن علاقة الفرد بالدولة أوثق واوطد.فمصير الفرد ان يعيش في حياة جماعية كلية . هكذا تختفي النزعة الفردية في التصور الهيجيلي للدولة والذي يجعل لها سلطة مطلقة تسحق الفرد تحتها كما أنها ذات سيادة وروح كليتين.
ملحق: مشروعية سلطة الدولة(نص ماكس فيبر)
يستعرض ماكس فيبر في بداية الفصل الثاني من كتابه"العالم والسياسي"لنظرية في خصائص مشروعية السلطة في المجتمعات ؛ حيث اعتبر ان الدولة هي المعبر الفعلي عن علاقات الهيمنة وذلك وفق نموذج سياسي معين ؛ إذ تتنوع أشكال الممارسة السياسية بتنوع البعد التاريخي للمجتمعات .وفي هذا الصدد يمكن النظر مع فيبر الى تاريخ الدول /السلط /المشروعيات بماهي تعبير عن السلطة كمؤسسة حاكمة وقائمة في التاريخ . واولى هذه السلط ؛ تلك التي يمثلها"الأمس الأزلي" من خلال الاحتكام إلى العادات و التقاليد .وهذا ما يبرر ذلك الاحترام و التقديس الذي يحف تلك الأعراف السائدة في هذا التحمع القبلي أو الاجتماعي ؛ حيث تبرز هذه السلطة التقليدية في شخص الأب الأكبر او السيد . أما ثاني هذه السلط؛ فتلك المبنية على المزايا الشخصية لفرد ما لكونه يتمتع بكارزمية تجيد لفت الإنتباه إليه مادام يتمتع بقدرات خارقة تجعله ملهما وبطلا في أعين من يحيطون به ؛ مما يكسبه هالة من الوقار والاحترام والثقة تجعل منه زعيما لهذا التجمع البشري ..وهذا النوع من السلط هو الذي مارسه الانبياء ؛ أو قائد الحزب أو الديماغوجي الكبير .واخيرا تلك السلطة التي تفرض نفسها في إطار فضيلة المشروعية ؛ بمعنى تلك السلطة التي تؤمن بصلاحية النظام السياسي القائم من خلال الايمان بمشروعه وكفاءته واحتكامه لقواعد عقلانية ؛ او لانها سلطة قائمة على مبدأ الخضوع والا متثال للواجبات و الإلزامات المطابقة لقوانين النظام القائم ؛ وهذه السلطة هي التي يمثلها "خادم الدولة الحديثة".
إن دوافع احتكام الناس إلى السلطة منبعه خوف الناس من الممسكين بزمام السلطة؛ أو ذلك الأمل الذي يحيا في كل فرد بالجزاء الذي قد يحصل عليه سواء دنيويا أو في العالم الأخر . ويمكن القول أن تبرير مثل هذه التمثلات يكتسي اهمية كبرى بالنسبة لبنية السيطرة ؛ بل ومن الأكيد أن مصادفة مثل هذه النماذج في الواقع يعد أمرا نادرا جدا ؛ومع ذلك لم يعد اليوم ممكنا الحديث باستعراض كل تفاصيل هذه النماذج إلا بدمجها في إطار النظرية العامة للدولة.