الوطن العربي وتحديات العولمة:
تبرز تحديات العولمة للوطن العربي في الظواهر الآتية ذكرها:
أولاً: العولمة وسيادة الدولة:
إن تأثير العولمة على سيادة الدولة يتمثل في أن قدرات الدول تتناقص
تدريجياً بدرجات متفاوتة فيما يتعلق بممارسة سيادتها في ضبط عمليات تدفق
الأفكار والمعلومات والسلع والأموال والبشر عبر حدودها. فالثورة الهائلة في
مجالات الاتصال والمعلومات والإعلام حدّت من أهمية حواجز الحدود
والجغرافية. كما أن قدرة الدولة سوف تتراجع إلى حد كبير خاصة في ظل وجود
العشرات من الأقمار الصناعية التي تتنافس على الفضاء. كما أن توظيف
التكنولوجيا الحديثة في عمليات التبادل التجاري والمعاملات المالية يحد
أيضاً من قدرة الحكومات على ضبط هذه الأمور، مما سيكون له تأثير بالطبع على
سياساتها المالية والضريبية وقدرتها على محاربة الجرائم المالية
والاقتصادية.
فالعولمة إذن نظام يقفز على الدولة والوطن والأمة، وهكذا تتحول الدول إلى
جهاز لا يملك ولا يراقب ولا يوجه، وهذا سيحقق إيقاظ أطر للانتماء سابق على
الأمة والدولة هي القبيلة والطائفة والتعصب المذهبي. والدفع بها إلى
التقاتل والتناحر والإفناء المتبادل، إلى تمزيق الهوية الثقافية الوطنية
والقومية... إلى الحرب الأهلية .
ونظراً للقوة الاقتصادية والمالية التي تمثلها الشركات متعددة الجنسية يجدر
بنا في هذا المجال التذكير ببعض الآثار السياسية والأمنية لهذه الشركات
على الدول .
1. ممارستها للأدوار المختلفة التأثير على السياسات الوطنية للدولة المضيفة.
2. إن هذه الشركات تمثل جزاء منها في عملية صنع السياسة الخارجية لدولها.
3. تكرار التهديدات التي تمارسها حكومات هذه الشركات ضد الدول المضيفة
والناجمة عن عزم تلك الحكومات على تطبيق قوانينها الخاصة على هذه الشركات
مما يعد تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول المضيفة.
4. استهداف الأنظمة السياسية المناهضة لسياسات حكومات الشركات أو السعي إلى المحافظة على أنظمة سياسية معينة وتثبيتها في السلطة.
وعلى الرغم من القيود التي تحاول العولمة فرضها على الدولة القومية لتحد من
قدرتها على ممارسة سيادتها بالمعنى التقليدي، وعلى الرغم من أن الدولة لم
تعد هي الفاعل الوحيد أو الأقوى في النظام العالمي، إلا أنه لا يوجد ما يدل
على أن هذه التحولات ستؤدي إلى إلغاء دور الدولة، أو خلق بديل لها حيث
سيبقى للدولة دور مهم في بعض المجالات وبخاصة في بلدان العالم العربي.
ـ ثانياً: العولمة: وإيديولوجية الهيمنة:
يهدف "النظام الدولي الجديد" الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية
للانفراد بالعالم والهيمنة عليه، إلى تحقيق جملة من الأهداف لها يمكن ذكرها
على النحو الآتي:
1. الضمان الأساسي للنفط في "المنطقة" على مدى زمني قادم.
2. الضمان الأساسي لدولة "المنطقة" الصغيرة والعمل على احتواء الدول الثقيلة المؤثرة فيها.
3. إدارة النظام الإقليمي القادم للشرق الأوسط.
5. الحصول على مكاسب جيو اقتصادية على حساب غرب أوروبا واليابان.
6. التدخل في الشؤون الداخلية واختراق السيادات الإقليمية.
7. ترتيب قضايا التسوية بين العرب والكيان الصهيوني.
إن العولمة تهدف إلى خلق أنماط جديدة من التبعية وتوسيع مجالاتها في الوطن
العربي، إضافة إلى أشكال التبعية الموجودة فيه والمتمثلة في المجالات
التالية :
1. تبعية في مجال الاقتصاد وبشكل عام تمثلت في مديونية رسمية للخارج وبخاصة للغرب ومؤسساته المالية.
كما ان أبرز إنعكاسات العولمه في مجال الاقتصاد تتمثل في حرية المنافسة
وتحكم قوى السوق الدولية في الاقتصاد الوطني وكذا الاعتماد على الاستثمارات
ألأجنبية إضافة إلى إزالة القيود على السلع والمبادلات ما سيلحق بالدول
العربية أضرار بالغة باقتصادياتها بسبب المخاطر المتولدة عن رياح العولمة
ذلك أن تحرير التجارة سوف يؤدي إلى تدفق السلع والخدمات في اتجاه واحد وليس
في اتجاهين( من الخارج إلى الداخل) لأن المواد الأولية تتحكم في أسعارها
الاحتكارات الدولية والمواد المصنعة تتميز بارتفاع أسعارها وتدني مستوى
جودتها والمواد الفلاحية تتميز بانخفاض المردود والمواصفات
2. تبعية غذائية تمثلت في انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي العربي في تأمين الغذاء وتزايد نسبة الاعتماد على الخارج لتأمينه.
3. تبعية أمنية ناجمة أساساً عن حالة التمزق والتشرذم العربيين.
4. تبعية في حقل المياه تتمثل في تهديد الأمن المائي العربي. هذه التبعيات
متشابكة يؤثر بعضها في بعضها الآخر حيث تنعكس سلباً على استقلالية القرار
العربي.
ـ ثالثاً: العولمة والهوية الثقافية و الحضارية:
تجاوز مخطط التفتَيت للمجتمع العربي الأبعاد السياسية والجغرافية إلى
الأبعاد الاجتماعية والثقافية والفكرية والروحية. وتأتي العولمة لتحقيق هذه
الأهداف، فهي عولمة حضارية وهذه الحضارة بدورها تعبير ثقافة أمة معينة أو
ثقافة مجموعة من الأمم على الرغم مما تطلقه على نفسها من وصف "الإنسانية"
و"العالمية" .
فالواقع يؤكد بأنه ليس هناك ثقافة عالمية واحدة وإنما توجد ثقافات متعددة
متنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية أو بتدخل إرادي من أهلها على الحفاظ على
كيانها ومقوماتها الخاصة.
ولما كان المجتمع العربي مختلف بطبيعة موقفه وتكوينه الثقافي والحضاري،
بمشكلاته وقضاياه فإن النظام الأمريكي يعمل على تدمير البنى الثقافية
للبلدان النامية من خلال تدمير بناها المجتمعية وعزل الثقافة عن الواقع
وتهميش المثقف والحد من فاعليته في حياة مجتمعه، لذا جاءت العولمة في هذا
الاتجاه لتؤكد العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه هو الولايات
المتحدة الأمريكية بالذات على بلدان العالم أجمع هي "دعوة إلى تبني نموذج
معين".
لذا فإن العولمة في هذا الاتجاه أصبحت تحمل في طياتها نوعاً آخر من الغزو
الثقافي، أي من قهر الثقافة الأخرى لثقافة أضعف منها. لأن العولمة الثقافية
لا تعني مجرد صراع الحضارات أو ترابط الثقافات، بل إنها توصي أيضاً
باحتمال نشر الثقافة الاستهلاكية والشبابية عالمياً. والخطورة في هذه
الثقافة تكمن في محاولتها لدمج العالم ثقافياً متجاوزة بذلك كل الحضارات
والمجتمعات والبيئات والجنسيات والطبقات.
وإذا ما أخذنا الإعلام كمكون ثقافي نجده يشكل بوسائله هيمنة أحادية لبلد
واحد من بلدان العالم هو الولايات المتحدة على عالم الثقافة والإعلام،
ويتضح لنا ذلك في أشكال الهيمنة الآتية ذكرها::
1. معظم مواد وتجهيزات الصناعة التقليدية والإعلام بيد الدول المصنعة وعلى
رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الورق، الحبر، آلات الطباعة، آلات
التصوير.
2. جميع مواد وتجهيزات الاتصال الحديثة بيد المجموعة نفسها ويتحكم فيها كلياً مركز واحد للهيمنة.
3. جميع تجهيزات المعلوماتية والحاسوبية وغزو الفضاء، وكذلك المواد الثقافية والمرجعية والمكتبات وبنوك المعلومات بيد مركز الهيمنة.
4. معظم مصادر البث الإعلامي والأقمار الصناعية، ومواد تصنيعها بيد الجهة
نفسها، وكذلك طرق تجارتها، والأشكال القانونية التي تنظمها.
وللعولمة اثارها الثقافية والاجتماعية المدمرة لانها تهمل الابعاد
الاجتماعية والانسانية وزيادة التفكك الاجتماعي وهي تقوم على صياغة ثقافة
عالمية واحدة هي”ثقافة السوق “ ونحو الخصوصية الثقافية لشعب من الشعوب وقطع
وصل الاجيال الحديثة بتراثها وجذور حضارتها وما فيها من التركيز حتى
النجاح الفردي وجمع الثروة واضعاف الثقافة الوطنية لان الدور العلمي
للعولمة يتناول المشتركات في الحضارة العلمية ولا يهتم بخصوصيات الوطن
والمجتمع، ان ثقافة العولمة قائمة على الغزو والفرض والضغط وهذا يمكن ان
يؤدي الى كارثة بفعل الهيمنة التي تقودها اميركا التي تؤدي الى توحيد
الثقافات في قالب واحد هو بكل المعاني كارثة انسانية،
كما تؤثر ظاهرة العولمة في المجال التربوي والتعليمي في عدم التعامل مع
الغيبيات وما تؤكد عليه الاديان لان العولمة ترى ان الغيب لا يقوم على
تفكير مادي، وتكرس العولمة الفوارق الكبيرة بين الدول الغنية والدول
الفقيرة والنامية وتؤدي الى زيادة البطالة والحروب والتكتلات الاقتصادية
وسيطرة الاتجاهات النفعية وانتشار الامية وكذلك تؤدي الى ضعف الفلسفة
التربوية والاهداف لكل امة وبلد معين لان له خصوصيته وفلسفته وهكذا فأثار
العولمة في الجانب التربوي والتعليمي هي من اخطر سلبيات العولمة في المجال
العربي الاسلامي.
العولمه والاعلام العربي
ان الغرب عموماً وأمريكا على الخصوص تتطلع إلى احتواء معظم الصحف
والفضائيات والإذاعات المحلية، وذلك من خلال التفرد بمصادر المعلومات وتدفق
المعلومات الهائل وحقها في التحكم في أجهزة البث القوية كيفما تشاء
وبالصورة التي تراها مناسبة، مما يجعل وسائل الإعلام الضعيفة تتهاوى على
أرض نظام العولمة الجديد، وذلك لأن تلك الوسائل تحتضن جمهوراً ضئيلا بسب
ضعف إمكاناتها المادية وقدرتها على تغطية الأحداث الدولية بسرعة، الأمر
الذي يجعل الجمهور العالمي الذهاب إلى التغطية العالمية السريعة وإلى
التكنولوجيا الغربيه والأمريكية المهيمنة على سواه من التكنولوجيا العربية
المتخلفة.
أما التكنولوجيا العربية الإعلامية في مجملها تعتمد على المكالمات الهاتفية
في تغطيتها الإعلامية، الأمر الذي يجعلها لا تستطيع الصمود ومنافسة وسائل
الإعلام الغربيه وميزانيتها الضخمة التي تفوق ميزانية الدول النامية.
أما من حيث الكفاءة والخبرة فأن الإعلامي الغربي يتلقى العديد من المهارات
في مختلف فنون العمل الإعلامي، كصياغة الأخبار بالطريقة التي ترضي الحكومة ،
وكذلك التعامل مع التكنولوجيا المعاصرة والتحدث بأكثر من لغة مما يجعله
يتأقلم بشكل كبير مع ظروف تلك البلاد التي ينقل أخبارها.
أما الإعلامي العربي فخبرته تأتى عن طريق الخبرة والتجربة، لا عن طريق
العمل الأكاديمي الإعلامي التدريبي الذي يتماشى مع متطلبات العصر
الإعلامية، زد على ذلك أن وسائل التكنولوجيا الإعلامية الحديثة لا يستطيع
التعاطي معها بسرعة، الأمر الذي يجعله يتخلف عن الركب التكنولوجي الإعلامي
المتسارع.
أما فيما يتعلق بالرسالة الإعلامية الغربيه فأنها تحاول مخاطبة العالم
جميعه وصهره بالأفكار الغربيه، مما يجعلها تؤثر في اكبر عدد ممكن من سكان
العالم، وذلك بحكم أجهزة البث القوية والحديثة وتعدد اللغات التي تخاطب بها
العالم، الأمر الذي يجعل من هذا النفوذ الإعلامي الغربي يهيمن على معظم
أرجاء المعمورة كما هو الحال مع النظام السياسي الأمريكي الذي يبسط سيطرته
ونفوذه على معظم دول العالم، فالإعلام يأخذ قوته ونفوذه من النظام السياسي،
فكلما زاد النظام السياسي قوة وصلابة زاد الإعلام قوة وصلابة كما هو الحال
مع الولايات الأمريكية. كل ذاك يعتبر تحدي واضح للاعلام العربي حيث
الرسالة الإعلامية العربية ضعيفة ولا تكاد تخرج عن المحيط العربي، وذلك
بحكم اللغة أو لعدم توحيد الجهود الإعلامية العربية لمخاطبة الرأي العام
العالمي بمختلف قضايا الوطن العربي وهمومه.
كيف نواجه العولمه..؟
-البحث عن عولمة بديلة لمواجهة العولمة الرأسمالية من أجل عالم أفضل خال من
وحشية استغلال الرأسمالية العالمية وكذا فضح الظلم العالمي الذي تمارسه
الرأسمالية
-لمقاومة العولمة بالدول العربية يجب إقامة تكتل اقتصادي إقليمي عربي
وتركيز الرأسمال العربي في البلدان العربية وتنويع الشراكة مع الاتحاد
الأوربي وآسيا وتفعيل دور الجامعة العربية.
- توفير الظروف الملائمة للاستثمار .
- إعادة هيكلة الاقتصاد لمواكبة متطلبات السوق الدولية .
- تحسين المستوى الاجتماعي للمواطنين، و تقليص الفوارق الطبقية.
- رد الاعتبار للثقافة و الحضارة المحليتين .
- ترشيد استغلال الموارد الطبيعية ، و المحافظة على التوازن البيئي في إطار التنمية المستدامة .
المراجع
1-منتديات الفكر القومي العربي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]