[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]شاءت حكمته تعالى أن يجعَل في الأرض مفاتيح الخير مغاليق الشرّ، قنوات
النّفع توصل المددَ من ربّ السّماوات والأرض، الرزاق ذي القوّة المتين، إلى
كلّ مضطر وإلى كلّ المحرومين بلا استثناء، أولئك الّذين يحبّهم ربّهم
ويحبّونه وقد رضي عنهم، حيث جعلهم أهلاً للخلافة، وتفضّل عليهم بتسخير
الكون لهم، وعلّمهم الغوص فيه والاستفادة منه بمنهجه القويم، وألاَنَ لهم
كلّ صعاب الحياة، ورضوا عنه حين وجدوا أنسَته في نفوسهم وتأييده لهم
ورعايته إيّاهم في سائر معاملاتهم. وإذن لا يكون حافز المؤمن للعمل وبذل
الجهد في الخلافة هو الحرص على تحصيل الرّزق، بل يكون الحافز هو تحقيق معنى
العبادة، الّذي يتحقّق ببذل أقصى الجهد والطّاقة، ومن ثمّ يصبح قلب
الإنسان معلّقًا بتحقيق معنى العبادة في الجهد، طليقًا من التّعلُّق بنتائج
الجهد، وهي مشاعر كريمة تجعل المؤمن عزيزًا وذليلاً في الوقت ذاته
{أذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ،
يُجَاهِدٌونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ}
المائدة:45، الّذين يسيرون، دومًا، في حركاتهم وسكناتهم خلف أولئك الّذين
مدحهم سبحانه بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} الفتح:29.
فبهذه
المعيّة المحمّدية النّورانية، وهذه الصّحبة الصّادقة اليقينية، استطاع جيل
المسلمين الأوّل أن يعيش حياته في ظلال القرآن، وأن ينشر حضارته في أمد
قصير عبر المعمورة، حضارة الحبّ والوئام، حضارة المساواة والعدل بين
النّاس، حضارة الحرية والحقوق، حضارة القيم والواجبات، حضارة وصل الأرض
بالسّماء..