إن كسب حياة فاضلة لأطول فترة هو طموح كل إنسان سوي يطمح أن يكون ذا قيمة بين أفراد مجتمعه. وتعمل الدول المخلصة لمجتمعاتها (كما يفترض ذلك) على ما من شأنه زيادة متوسط أعمار مواطنيها، لكن المفارقة في هذا الوضع هي أن هناك عادات يعرف أصحابها أن الإدمان عليها سوف يؤدي بحياتهم إلى الفناء، لذلك يلاحظ أنهم يشاكسون قناعاتهم الخفيّة حتى يكاد متعاطو المخدرات والكحوليات والمدخنون أن يشكلوا ظاهرة اجتماعية عادية جداً إن لم تكن قد أضحت كذلك رغم الإجماع على أضرارها.
في نطاق العلاقات الاجتماعية المتداخلة تتفاعل علاقات الناس لدرجة الارتباط المعنوي في الكثير من الأمور، لكن حالات (العادة) اللامحبذة عند البعض تجعل التحفظ منها يصل لحد النفور، كما هو الواقع بين أفراد لا يمارسون عادة التدخين على سبيل المثال مع أخوة وأصدقاء وأحبّة لهم مدمنين على تدخين السجائر بصورة مفرطة إذ يعتقد غير المدخنين أنهم في غنىً عن قبول استنشاق دخان يضر بصحتهم، وقد أصبح من المتعذر عليهم مجاملة أولئك المدخنين الذين يولعون سجائرهم في أي وقت وأي مكان يتواجدون فيه، دون مراعاة لمشاعر من يبدي لهم عدم الرغبة للمفاجأة بمشهد سيجارة تُسلت من علبتها، لتدلع بها النار الرقيقة التي تدفع إلى استقرار السيجارة بين أصابع المدخن تارة وفم المدخن أخرى، حتى إذا ما وصل الدخان إلى رئات اللامدخنين، وخصوصاً في الأماكن المغلقة، يبدأ الضيق يظهر على عموم الجالسين، أما إذا ازداد عدد المدخنين في جلسة واحدة فيمكن أن يتسبب ذلك بشعور ضرورة تنبيه اللامدخنين للمدخنين بعبارة صريحة أو منوهة إلى أن جوّ اللقاء أو التواجد في المكان قد أصبح مؤثراً على راحتهم.
إن المخاوف والقلق على المدخنين والمدمنين على الكحوليات والمخدرات وما شابهها، هي محط اهتمام الجهات الصحية في العديد من البلدان، ويمكن تفسير ذلك بالنسبة لأولئك المدمنين على كونه صورة من السلوك العدواني نحو الذات، وقد يكون ذلك وراثياً! فقد جاء في نتائج تجربة قام بها علماء من جامعة (كيس وسترن وزيرف) الأمريكية، حيث توصلوا مؤخراً إلى أن (المورث ذو العلاقة يشكل عاملاً مهماً في نمو خلايا دماغية معينة تنتج مكوناً كيمياوياً.. يعرف باسم (سيروتونين) وهي مادة مهمة في السيطرة على تقلبات المزاج عند الإنسان).
إلا أن البروفسور بيتر ماكغوفن من معهد البحوث النفسية في لندن لديه رأي آخر إذ صرّح: (إنه من الصعب هضم فكرة أن اختباراً جينومياً يمكن أن يكون أفضل وأكثر فعالية من مهارات التشخيص التقليدية التي يتمتع بها الطبيب النفسي).
إن عدم سيطرة المدمن (تدخيناً أو كحولياً أو مخدراتياً) الراغب في الإقلاع عن عادته المضرة فيه شيء من تأجيل عدم الأخذ بإرادته كإنسان إذا ما قرر يوماً تسخيرها لصالح الإقلاع عن عادته المعينة، فإنه يكون قد وضع إرادته الشخصية في موضعها الطبيعي فممارسة الإدمان على أي من العادات الآنفة، يكلف المرء كثيراً من صحته وراحته النفسية إضافة لصرف المال اللامبرر لإشباع رغبة الإدمان الكلي أو الجزئي في نفسه التي تكون أحياناً أموال مسحوبة من حقوق أفراد عائلة المدمن.
وتشير معطيات ومعلومات حديثة أن جميع المواد المستعملة في الإدمان لها تأثير سلبي على الوظائف العقلية جراء تعاطيها بنسب لا يتحمل الجسم مداها في أحيان كثيرة، وهذا يقود إلى أن يفكر بعض المدمنين على عادات تضر بصحتهم وتقصر من أعمارهم، أن يعيدوا النظر للاندماج أكثر في المجتمع كبديل محتمل عن ممارسة عادة الإدمان الآنفة، ففي الهرب من الواقع مسألة لا تدع المرء إلا أن يكون مراوحاً في مكانه، وتقبل انتقاله إلى الآخرة بأسرع وقت مضحياً بنفسه على لا شيء.
وحتى لا تكون مشكلة العلاج من الإدمان المذكور وبكل أنواعه أكبر من عادة الإدمان، فيفضل أن يكون ذلك العلاج بالإرادة الشخصية، الكفيلة بإعطاء شعور بالأمان بعيداً عن وطأة الإدمان.. فبذاك يمكن ضمان عيش أفضل يسترجع فيها المدمنون قواهم الجسدية والنفسية دون منغصات صحية أو مالية.
|