بالطبع لا يمكن لأي منا أن يصطنع السعادة.. وإذا كان له ذلك فهي
وقتية لا تدم أكثر من إبتسامة وحالما يرتد إليك صدى الفرح المصطنع تجلس
لتغرق في هموم يومك التي لا يجاريك فيها أحد.. متلاطمة ومتواصلة مستمرة
وبدون انقطاع ما الفرحة فيها إلا كفاصل.. ونواصل!
كيف نحقق في إمكانية قفز العراق لدرجات في سلم الدول الأكثر سعادة
في العالم بعدما تفوق بلدان عربية كثيرة على ذلك ومنها الأردن الشقيق
حينما أصبح ثاني اسعد الشعوب العربية بعدما تفوق بمؤشراته على دول
كثيرة وتفوق على العديد من الدول العربية.. والمعروف أن الأردن ليس
بالبلد الغني بالثروات الطبيعية وليس لديه سوى السياحة ولديه أمور
كثيرة أخرى أعطته هذا التفوق وهذا مؤشر مهم فليس بالضرورة أن يكون
البلد غنياً بالثروات ليكون شعبه سعيداً.
ففي دراسة أعدتها جامعة ايراسموس بمدينة روتردام الهولندية خلصت
فيها الى أن الشعب الأردني قد أعطى مؤشراً كبيراً على سعادته عندما
أختار البقاء في وطنه عندما وُجه السؤال الى أردنيين عن الفترة التي
تنوون البقاء فيها في وطنكم.. ناهيك عن مؤشرات أخرى تم إعتمادها كقاعدة
بيانات مهمة اعتمدت على معدلات تقييم الحياة ومعدلات العمر المتوقع,
وسؤال السكان عن مدى سعادتهم وعن الفترة التي ينوون البقاء فيها ببلدهم
الحالي, كما استخدمت قاعدة البيانات في تقرير مؤشر السعادة لكل من دول
العالم بناء على 22 معياراً منها: الاستهلاك والمناخ الثقافي, والمناخ
الاجتماعي, والتماسك الاجتماعي, والثروة, والحرب والقيم والتعليم
والحكومة والصحة والجودة والجريمة والديموغرافيا والجغرافيا والسياسات
العامة والمخاطر ومعدلات العمر المتوقع.
كثيرة هي المؤشرات التي تعتمد لتحديد مدى سعادة الشعوب ولكن الفوز
في النهاية يكون للترابط الأسري الذي يجمع الوحدة الأساسية المكونة
للمجتمع.. فكلما كانت الأسرة سعيدة فهذا معناه أن مؤشر السعادة يرتفع
لمستوى عالي ومتى ما كانت تفضل البقاء في وطنك فذلك أيضاً له تأثير
كبير على مستوى مؤشرات السعادة.
ترى ما عدد العراقيين الذين يرغبون البقاء في وطنهم ؟ اليوم لو تم
توجيه هذا السؤال للكثير من العراقيين على اختلاف مستوياتهم ودرجاتهم
العلمية وطوائفهم.. ولماذا ؟ ففي كل يوم كل اسمع حديثاً للشباب
العراقيين عن الهجرة.. والكثير يركضون اليوم وراء الكارت الأخضر الذي
تمنحه أمريكا بسهولة، بعض الشيء، والكثير ممن هاجروا في أقسى وقت من
أوقات الطائفية يرفضون العودة مهما كانت الأسباب ومهما كانت الأعمال
التي سيمارسونها هناك وحتى لو كانت منافية للأخلاق!!!
فلماذا نهرب من وطننا اليوم بعد أن أمضينا عقوداً فيه ؟ أتراه الفقر..
بالطبع لا..ليس الفقر هو من يدفع الناس للهرب على الرغم من أنه قد يكون
سببا ولكنه ليس بالسبب الأول فالشعب الأردني فقير ولكنه سعيد وغيرها
كثيرة هي الشعوب الفقيرة السعيد ولكننا في العراق نختلف فنحن دولة غنية
وشعب فقير والسبب الأهم من كل ذلك هو أنك لا تجد نفسك في الوطن وإيجاد
النفس والتقدير والاحترام هو أهم من كل أموال الدنيا بل هو ما يمنحك
الثقة في أن تعيش مطمئناً على نفسك وعلى من تعيلهم وتجارب المهاجرين
الأوائل من قبل عشرة سنوات وأكثر كشفت عن القيمة الحقيقية للإنسان الذي
استوطن بلدان العالم التي لم تعد تحكمها عصور الظلام بل استنارت وأنارت
على مواطنيها بالخير وفتح الله لهم على صدقهم مع أنفسهم جنان حولهم
تحكمها الخضرة والاطمئنان..
أما نحن فالغاية اليوم نحارب وسنظل نحارب.. ونموت ونترك سيوفنا
ودروعنا لأبنائنا كأجمل أرث لتستمر معهم المعركة ولكي " لا ننسى"..
أوربا لم تحارب بعد ما روعتها مآس الحرب العالمية الأولى.. ونحن منذ
الخليقة نحارب.. ثورات وانتفاضات وحرب وقتال وتفجير وقنابل ولواصق
وكواتم وكل شيء ناهيك عن الذبح ونقاتل بالسلاح على كل شيء على الطعام
وعلى الشارع وعلى الكراسي وعلى المناصب.. حرباً ضروساً آذنت بحرق
الأخضر واليابس.
أما هناك في بقية بلدان العالم التي قفز قادتها بها الى قمة هرم
السعادة فترى أنهم أدمنوا السعادة واحترام الذات وكثيرة، كما أسلفنا،
تلك القصص التي يرويها المهاجرون التي تتمثل بالاحترام والتقدير العالي
للإنسان.. فاذا تم استبيان عينة عشوائية من العراقيين ولنفترض 1000
مواطن من مختلف الأعمار والتوجهات وتم توجيه هذا السؤال.. هل ترغب أن
تهاجر إذا ما أتيحت لك الظروف ؟..أرى أن النسبة الأكبر، قد تصل الى
85%، ستجيبك بنعم ومن الآن لو سمحت!! أما النسبة الباقية فهم من لم يعد
في عمره بقية ليبدأ ومن أوغل في أموال الشعب اختلاسا ومن ينام ذليلاً
تحت كراسي القادة العظام ومن أحسن انتهاز الفرصة وأصبحت له مصلحة
اقتصادية كبيرة تمكنه من الذهاب الى الخارج متى يشاء وكيفما يشاء
محفوفاً بحمايته وأملاكه.
فهناك في وطن الغربة تمنح بيتاً وتمنح ضماناً صحياً وتعامل باحترام
كبير وتقدير.. وليس في وطننا الذي يحتاج الى مليوني وحدة سكنية.. أي
مليوني أسرة لا تمتلك مأوى.. يقرض في جسدك التضخم.. يعيش السرطان بين
أزقة محلتك وعند باب بيتك.. الوطن الذي يحتاج الى مستشفيات تحتوي على
مئآت الآلاف من الأسّرة.. ويعيش فيه الكفوء منزوياً خلف جدران المحاصصة
والطائفية.. محتقر لا يجد له مكاناً بين صفوف الشرفاء لخدمة
وطنه..حينما زاحمه على مكانه معدومي الذكاء والخبرة ومن آلت لهم أمور
مؤسساتنا خير دليل على خلوها من ذوي الخبرة وإنما جاء بأفراخ المحاصصة
اللعينة ليبيضوا فيها بيض فسادهم وجهلهم.. أو حتى أن يموت برصاصة لا
يتجاوز سعرها عُشر الدولار لتنهي تأريخ حافل بالمجد ولتُبقي على ذريته
الشريفة في مهب الريح.
إذن فنحن سوف لن نتجاوز خطوط بؤسنا بالدعاء والتمني.. بل هو العمل
المبرمج العلمي الساعي بجد لإخراج الوطن من مشروع المحاصصة والطائفية
الى الفضاء الأوسع الشامل لكل المكونات حسب الكفاءة والوطنية ولا
غيرهما لتكون الفيصل بيننا وننسى تلك "القوانه" الفارغة التي تسمى
الطائفية وننسى من فينا السني والشيعي ومن فينا المسلم او المسيحي.
إن تعايشنا سيكون الطريق الوحيد للخروج من كل المآزق التي أدخلنا
فيها أنفسنا أو حشرنا الأخرون بالقوة بين طياتها اللزجة التي تحتاج
وقتاً وجهداً كبيراً لتجاوزها وبعد أن نتمكن من حلحلة العقد التي تلطخت
بدماء شهدائنا سنكون قد أدخرنا جهدنا في النزاع فيما بيننا للوقوف وجهة
مؤامرات مطابخ السياسة العالمية التي تطبخ وتطبخ ولحمها من أجسادنا من
أجل أن نبقى راكعون ولن تطل قاماتنا ابداً من خلف الجبال.. يتجاوز
علينا كل من حولنا ونحن غير قادرون إلا أن نكتب الرسائل في زمن مات فيه
حتى الحمام الزاجل.