من الطريف جدا إن تعلن جبهة الحوار، التي يشغل رئيسها الدكتور صالح
المطلك منصب نائب " ثالث " لرئيس الوزراء، أنها " تعمل لجمع تواقيع
النواب لسحب الثقة عن خضير الخزاعي" الذي حصل على منصب النائب " الثالث
أيضاً " لرئيس الجمهورية في نطاق صفقة سياسية متكاملة شملت طارق
الهاشمي من القائمة العراقية وعادل عبد المهدي عن المجلس الإسلامي
الأعلى.
هذا ما كشفه المتحدث باسم العراقية وعضو في جبهة الحوار النائب حيدر
الملا لـ صحيفة الحياة، الخميس، 19 مايو 2011، اذ أوضح أن هنالك " مساع
من الجبهة لجمع تواقيع غالبية مريحة من النواب، لسحب الثقة من خضير
الخزاعي".
الأسباب الذي ساقتها جبهة الحوار في حملتها ضد الخزاعي تقوم على
وجود اتهامات بفساد إداري ومالي في وزارة التربية أبان فترة تولي
الخزاعي كرسيها، فضلاً عما قالته من أن محاولة سحب الثقة جاء استجابة
لـ" مطالب الشعب العراقي والمرجعيات الدينية العليا المتمثلة بالسيد
علي السيستاني في القضاء على الفساد المالي والإداري والترهل في السلطة
التنفيذية " على حد تعبير بيانها الصحفي.
هذا التوجه أكدته أيضا النائبة عن القائمة العراقية وحدة الجميلي،
حيث قالت ان" هناك رؤية وتوجها برلمانيا لسحب الثقة عن خضير الخزاعي
عبر استجوابه داخل البرلمان بشأن ملفات فساد خلال توليه وزارة التربية
السابقة" مستندة في ذلك الى وجود ملفات ووثائق عن قضايا فساد في وزارة
التربية ابان عهد الوزير السابق خضير الخزاعي، تزعم أنها بحوزة القائمة
العراقية.
رد فعل دولة القانون جاء سريعا فاعتبر هذه التحرك" محاولة للضغط
السياسي بغية الحصول على مكاسب حكومية"، ولا تعدو أن تكون، بحسب ندى
السوداني، جزءا من التصفيات السياسية، وفوق كل هذا، لن تستطع جبهة
الحوار سحب الثقة عن الخزاعي لان " جبهة الحوار أو العراقية لا تملك
الأصوات التي تمكنها من سحب الثقة من الخزاعي، وهي مجرد تصريحات "
للضغط على الكتلة للحصول على مكاسب حكومية"، بل أن عضو كتلة الأحرار
النائب أسماء الموسوي قالت بكل وضوح" إننا سندافع عن مرشح التحالف
الوطني خضير الخزاعي حتى أخر لحظة ولا نقبل برفع الثقة عنه".
أما صاحب الشأن الذي يدور حوله الجدل فقد رد على من هاجم سعيه
للحصول على منصب، وفق منطق وقواعد واقع العمل السياسي الجاري في العراق،
فقال، كما نقلت عنه الوكالات، 27-4-2011، بان " رئيس الجمهورية ورئيس
الوزراء والبرلمان لم يأتوا إلى هذه المناصب بأصوات كتلهم وإنما
بالتوافقات السياسية".
وبين الخزاعي في معرض رد على الانتقادات التي توجه ضده بــ" إن حزب
الدعوة تنظيم العراق لم تكن لديه أية رغبة بمنصب نائب رئيس الجمهورية
وإنما التحالف فرضه عليه، ولدينا (14 ) مقعدا واستحقاقنا فيها وفق
النقاط أربع وزارات ". وطالب، قبل انتخابه طبعاً لمنصب نائب الرئيس،"
التحالف الوطني بإعادة التشكيلة الحكومية من أجل أخذ حصته من الوزارات
البالغة ثلاثة بالإضافة إلى الوزارة التي لديهم وهي حقوق الإنسان".
إذن نحن إزاء مشكلة تتعلق بالخزاعي لم تنته بالتصويت عليه في
البرلمان كنائب ثالث للرئيس بل استمرت حتى بعد ذلك، وهي مشكلة تتجاذب
أطرافها تصريحات سياسية مختلفة، تخضع كل منها، في الحقيقة، لأجندات
سياسية وبرامج حزبية وتوجهات فئوية بل وطائفية ايضاً.
من وجهة نظر شخصية بحتة اعتقد أن محاولة وضع حل لهذه المشكلة يجب أن
يأتي متساوقا مع المنطق التي جرت وتجري عليه عملية تشكيل الحكومة
العراقية، وليس وفقاً لقواعد ومبادئ أخرى يقوم السياسي باللجوء لها
والتذرع بها في سياق لا يمكن ابداً أن تنطبق عليه هذه الشروط في هذه
المرحلة.
فبالنسبة لمن أثار هذه القضية بعد انتخاب الخزاعي وهو جبهة الحوار
التي يرأسها صالح المطلق، نجد أن هذه الجبهة، وهذه مفارقة مثيرة
للاستغراب، قد حصلت على منصب نائب ثالث لرئيس الوزراء، حيث تم تعيين
المطلك، ضمن صفقة تشكيل الحكومة، نائبا ثالثاً لرئيس الوزراء السيد
نوري المالكي، وهم منصب تم استحداثه للمطلك من اجل استيفاء استحقاقه
الانتخابي لان جبهة الحوار حصلت على 25 مقعد في البرلمان العراقي.
فجبهة الحوار التي تنتقد الخزاعي وتحاول جمع تواقيع النواب لسحب
الثقة عن الخزاعي تتناسى أن رئيس جبهتها قد تم استحداث منصب له وهو
منصب النائب الثالث لرئيس الوزراء وهو منصب بلا صلاحيات كما قال صالح
المطلك أكثر من مرة، أي انه، بعبارة أكثر صراحة، منصب شرفي فقط.
فإذا كانت جبهة الحوار تحاول تخليص الحكومة العراقية من الترهل في
المناصب فلماذا لا تبدأ بنفسها وتطالب بإلغاء المنصب الثالث لرئيس
الوزراء؟ وهو منصب رئيس جبهتها صالح المطلك الذي جاء لهذا المنصب وفقا
لمنطوق المشاركة السياسية في الحكومة واستحداث مناصب جديدة لإرضاء
الأطراف السياسية فيه، وهي حالة لم تشهدها دول العالم في العصر الحديث.
وحتى قضية الاستجابة لنداء المرجعية الدينية في النجف الاشرف، كما
بدا ذلك واضحا من تصريحات ممثل المرجعية الدينية العليا في النجف
الأشرف الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة
التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف في 15-4-2011، لا ينبغي أن تُطبق
على حزب أو كيان سياسي دون أخر.
فهذا هو الكيل بمكيالين، والتعامل بمبدأ المعايير المزدوجة، بل
ينبغي، لأن أردنا فعلا الاستجابة لما أوصت بهد المرجعية، أن نقوم
بإلغاء العديد من المناصب الوزارية التي استحدثت لإرضاء إطراف سياسية
معينة، وليس من اجل أن تودي وظيفة ما تعود بالفائدة على المواطن
العراقي المسكين.
أما اذا كانت جبهة الحوار تتحدث عن وجود ملفات فساد أداري ومالي
تقول أنها بحوزة القائمة العراقية ضد الخزاعي.. فأي شيء تنتظر جبهة
الحوار لكي تُكشفها للعلن ؟ لم لا تقدمها وتفضح الفاسدين الذي يسرقون
أموال الشعب ؟ لماذا لم تقدم تلك الوثائق طيلة الفترة السابقة التي
سبقت انتخاب الخزاعي؟ من أي شيء تخاف الجبهة وتقلق ؟ أي مساومة "لا
أخلاقية " تقف وراء ما يجري في العراق ؟
ثم...أخيراً... إلا يعد ما تقوم به الجبهة ضد الخزاعي تشهيرا به إذا
لم يستند على دليل وأوراق ووثائق رسمية تدين الأخير؟.
ولو أردنا استفتاء الدستور العراقي فيما يجري حول هذه القضية نرى
انه لم يتطرق إلى مسألة استجواب وسحب الثقة عن نواب رئيس الجمهورية،
فالمادة 61 منه تحدثت عن آلية استجواب وإعفاء يتعلق برئيس الجمهورية،
أما نواب الرئيس فيتم تنظيم عملهم بقانون يشرعه مجلس النواب فيما بعد.
اما القانون رقم 1 لسنة 2011 الخاص بنواب رئيس الجمهورية الذي قُدم
إلى البرلمان فلم يذكر قضية إعفائهم وسحب الثقة عنهم، لكن المادة 5 من
القانون نصت على أنه" يحق للبرلمان استجواب أحد نواب رئيس الجمهورية
بعد أن تتقدم الغالبية المطلقة بطلب الاستجواب ". أما إعفاء احد النواب
رئيس الجمهورية فالأمر يرجع مجمله إلى الأخير الذي يحق له " طلب إعفاء
أحد نوابه، وسيعد النائب مقالاً بعد موافقة الغالبية المطلقة من أعضاء
البرلمان".
القضية كلها بساطة تكمن في أن من ينتقدون الخزاعي على هذا المنصب
يتحدثون على أساس لا يؤمنون به أصلا ولم ينفذوه، فكل الكتل السياسية
ابتداءاً من دولة القانون وانتهاءاً بتيار الوسط تقع في وباء الترهل
والمناصب الحكومية الفائضة التي لا تحتاجها الدولة وهي تُثقل ميزانيتها.
فمن غير الصحيح أن تُثار المسألة من قبل كتلة سياسية تجاه أخرى في
حين أنها غارقة في مناصب مترهلة لا فائدة ولا طائل ورائها.
فالرجل لديه 14 مقعداً في البرلمان ولم يٌمنح حصة كافية من الوزارات
تساوي استحقاقه الانتخابي، وعليه يبقى له، بعد أن توزعت الوزارات على
الكتل السياسية، منصب نائب ثالث لرئيس الجمهورية وهو أمر جائز دستوريا،
ولذا لا يوجد سبب يمنع الخزاعي من تولي هذا المنصب في أطار حكومة
المحاصصة والشراكة الوطنية التي بُنيت عليها أسس الحكومة العراقية
الجديدة، وهو أمر انطبق على السيد طارق الهاشمي الذي حصل في بغداد على
ربع مليون صوت والسيد عادل عبد المهدي ايضا.
وإذا افترضنا أن الخزاعي وكتلته لم تحصل على هذا المنصب فيجب على
المالكي أن يمنحهم وزارات أخرى تساوي استحقاقهم الانتخابي، الذي لم
يتنازل عنه احد من الكتل واخذ كل منهم حقه، المفترض، في وزارات الحكومة
وإلا لن يبق معنى لعدم إعطائه ما يستحقه من مناصب في وقت تُمنح كتل
أخرى حصلت على مقاعد اقل من كتلته على مناصب أكثر منه.
بقيت هنالك ثلاث نقاط مهم لا أود أن أختم المقال من غيرها:
النقطة الأولى: اعتقد أن مشكلة المنصب الثالث لرئيس الجمهورية
والخلاف حوله يرجع إلى الخلاف حول الخزاعي نفسه إذ أن هنالك كثير من
الكتل لديها تحفظ شخصي عليه سواء لكونهم يروه فشل في إدارة وزارة
التربية او لكونه قريب للمالكي او لكونه من تيار سياسي إسلامي شيعي
يتحسس الكثير منه ويحمله مسؤولية الفشل في الحكومة العراقية ولا
يتمنونهم أن يحصلوا على مناصب في الحكومة، وإذا كانت هذا استنتاجنا هذا
غير صحيح فلم صوّت البرلمان على جواز أن يكون لرئيس الجمهورية ثلاثة
نواب ؟ حيث كان المفروض أصلا من البرلمان ان يرفض فكرة وجود ثلاثة نواب
من أساسها، لا ان يقبل ذلك البرلمان ثم يتحدث عن ترهل حكومي يجب
استئصاله.
النقطة الثانية: أن اغلب منتقدي الخزاعي هم من كتل قد حصلت على
مناصب واستوفت استحقاقاتها الانتخابية، وغرقت في ما يسمى ترهل المناصب
الحكومية والبطالة المقنعة، ولذا عليها، اذا أرادت أن تكون منسجمة
ومعتدلة ومتزنة، الا تتحدث عن الترهل الحكومي والمناصب الفائضة عن
الحاجة.
النقطة الثالثة: أن تحليلنا لمشكلة منصب الخزاعي أعلاه ووقوفنا معه
لتوليه المنصب.. كل هذا الأمر لا يعني أننا موافقون على حكومة توزع
المناصب بل وتصنعها على هذا النحو المجاني، بل أن رؤيتنا تحكمت بها
المنطق الداخلي لقواعد حكومة الشراكة الوطنية التي نتمنى أن تنهار في
نهاية المطاف ويأتي بديلاً عنها حكومة أغلبية سياسية يكون رئيس وزرائها
حراً في اختيار وزرائه وبالتالي مسؤولاً عن نجاحهم أو فشلهم.