القوى السياسية بمصر.. ساعة حساب 19/02/2011
أشرف أصلان-القاهرة
بعد نجاح ثورة 25 يناير/كانون الثاني في الإطاحة بالرئيس حسني مبارك, تطرح
في الشارع المصري تساؤلات متزايدة حول حقيقة الدور الذي لعبته القوى
السياسية على مختلف أشكالها, واعتبر كثيرون أن ساعة الحساب قد حانت.
وكان الحزب الوطني الديمقراطي -الحاكم سابقا- في مقدمة القوى التي بدأ
حسابها مع بزوغ فجر 25 يناير/كانون الثاني، حيث تصاعدت الأحداث وطالت نيران
الغضب معظم مقار الحزب وصولا إلى تنحي رئيسه حسني مبارك.
ولم يكن أحد في مصر ولا خارجها يتوقع المصير الراهن للحزب الذي كان حاكما حتى ما قبل 25 يناير/ كانون الثاني الماضي.
ويشكك مراقبون في أن يكون هناك مستقبل للحزب الوطني بعد سقوط رئيسه، مؤكدين
أن محاولات الترقيع والتجميل تأتي في الوقت الضائع, حيث لم يعد ينفع
الاستعانة ببعض الوجوه "ذات السمعة الطيبة" لتولي القيادة من أمثال حسام
بدراوي أو محمد عبد الله.
وظهر الحزب الحاكم سابقا لأول مرة في موقف ضعف وكأنه يستجدي عطف الجماهير،
فقد قال محمد عبد الله إن الاتهامات الموجهة للحزب تتنافى مع مبادئ وقيم
التعددية والتسامح وقبول الرأي الآخر.
وقال في بيان قبيل سقوط مبارك "إن المروجين لهذه الاتهامات يغلب عليهم
الفكر الإقصائي وسياسة الاستبعاد المنافية لأبسط قيم ومبادئ الديمقراطية".
وقد أصبح لافتا أن هذا الحزب سيفقد الدعم الحكومي الذي كان سندا له في جميع
الانتخابات لدرجة الخلط وذوبان كل منهما في الآخر، فقد ظهرت استقالات
جماعية منه في مرحلة ما بعد مبارك وتبرأ كثيرون من ماضيهم فيه.
وقال "م . س" وهو نائب برلماني عن الحزب بإحدى دوائر محافظة الجيزة للجزيرة
نت إنه لا يعرف شيئا عن مستقبله السياسي, معتبرا أن الثورة استخرجت شهادة
وفاة للحزب.
تغيير اسم
وتوقع هذا البرلماني أن يلجأ الحزب إلى تغيير اسمه في المرحلة المقبلة التي قال إنها يجب أن تبدأ بهدم الماضي ونسفه من الأساس.
وبدوره يشير رمضان السباعي وهو عضو مجلس محلي، إلى أنه سيغير صفته الحزبية
وسيعمل مستقلا, معتبرا أن هذه هي الطريقة الوحيدة للبقاء في عالم السياسة.
وينطبق الأمر على باقي الأحزاب والقوى السياسية المصرية التي تفاجأت بما
جرى ولحقت بقطار الثورة الذي انطلق من ميدان التحرير، لكن هذا اللحاق لم
يسهم كثيرا في تجميل صورتها أمام الجماهير التي تخوفت علنا من محاولات تلك
القوى خطف الثورة.
ولم تستطع الأحزاب تبرير انفصالها عن الجماهير, فليس مقبولا كما يقول خيري
سعد أن تتعلل تلك القوى بقانون الطوارئ, "فكل شخص عليه أن يقدم تضحية
لوطنه".
ويؤكد جمال حسين من شباب ميدان التحرير, أن ساعة الحساب يجب أن تشمل كل
القوى التي "أغلقت على نفسها الأبواب وصمت آذانها عن سماع مطالب الجماهير,
أو راحت تدور في فلك السلطة لتجميل وجهها القبيح الذي سقط عنه القناع بعد
الثورة".
وفي المقابل، يرى الباحث قي قضايا الإصلاح السياسي، الدكتور عبد الخالق
فاروق أن القاعدة الجماهيرية للأحزاب تآكلت في الآونة الأخيرة, لكنه يشير
في حديثه للجزيرة نت إلى أن شباب الثورة "ليسوا نبتا شيطانيا وإنما هم جزء
من تلك القوى".
كما يشير إلى أن من شاركوا من الأحزاب في بداية الثورة ظهروا على مسؤوليتهم
الشخصية بعيدا عن الالتزام الحزبي, معترفا بأن الشباب كانوا هم الشرارة
الأولى وأصحاب المبادرة.
ويقول عبد الخالق فاروق أيضا إن الجبهة الوطنية للتغيير تضم أطيافا مختلفة,
بدأت منذ عام 2004 تطالب بتنحي مبارك على خلفية احتقان سياسي واجتماعي
متزايد.
أما الخبير بالشؤون البرلمانية والحزبية بمركز الأهرام عمرو هاشم ربيع
فيقول للجزيرة نت إن الخوف من القبضة الأمنية دفع بعض القوى إلى عدم الظهور
في بدايات الثورة.
وأشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين مثلا كانت تتخوف من الظهور العلني الجماعي في البداية, لخشيتها ربما من تحمل المواجهة وحدها.
مرآة الحقيقة
كما تحدث عن قوى أخرى قال إن حساباتها مع النظام السابق "كالوفد والتجمع
الوطني التقدمي" جعلت المشاركة رمزية, "لدرجة انخفاض سقف مطالب حزب الوفد
في البداية إلى حد الاكتفاء بالفصل بين رئاسة الحزب الوطني ورئاسة
الجمهورية".
وبعد أن تهدأ الأمور ستقف جميع القوى السياسية القديمة والحديثة أمام مرآة
الحقيقة, لتقيم طبيعة علاقتها بالجماهير التي ستكون لها كلمة الفصل في
الانتخابات المقبلة, إذا سارت الأمور باتجاه ديمقراطية تعددية حقيقية.
ولا يتوقع الدكتور عمرو هاشم حسابا جماهيريا قاسيا للقوى السياسة المختلفة
التي افتقدت المبادرة, قائلا "الشعب المصري ينسى سريعا وربما ساد منطق عفا
الله عما سلف".
ويشير في هذا الصدد إلى أن مصريين تغلب عليهم العاطفة يسيرون مظاهرات تحمل
عنوان "الوفاء لمبارك", في لحظة قد يستمر فيها الالتباس الشديد وغموض الرؤى
حتى تنتهي الفترة الانتقالية ويعيش المصريون الديمقراطية حقيقة على أرض
الواقع.