اشكالات توريث ذوي الارحام
المقدمة:
الحمد لله المتصرف في الملك والملكوت، الباقي الذي لا يفنى ولا يموت،
والصلاة والسلام على السراج المنير، معلم الإنسانية، وهادي البشرية، سيدنا
محمد صلى الله علي وسلم، الذي محا الله به الظلام، وأحيى الأنام، وأخرج به
الناس من الظلمات إلى النور، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى
يوم الدين. وبعد:
إن الإرث نظام فطري نابع من الغريزة البشرية، وهو يعد أحد أسباب انتقال
الملكية من المورث إلى ورثته بطريق الخلافة بحكم الشرع، بعد إلغاء الحقوق
المتعلقة بتركة الميت، وقد عرفته الأمم قديمها وحديثها، وكان يتم عند عرب
الجاهلية عن طريق النسب والحسب، و كان مؤسسا بصورة بعيدة عن الإنصاف
ومجافية للحق والعدل، حيث حصر في أهل القوة والشجاعة من الرجال دون
النساء، بل وقد تصبح هذه الأخيرة تركة تورث عن الميت كما تورث عنه بقية
أمواله، قال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرها
ولا تعضلوهنّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ"، كما وجد عندهم التوارث بالنسب
المبني على التبني والحلف والمعاقدة .
و لما جاء الإسلام أزاح من هذه المجتمعات كل أنواع الحيف و الظلم وتولى
القرآن الكريم تقسيم المواريث في محكم آياته وشرحتها السنة النبوية
بمتضافر الأخبار، ومشهور الآثار، ثم خرج أحكامها و قايس بين أشباهها أعلام
الصحابة وأئمة الفقهاء، و إن الباحث إذا تتبع أحكام هذه الشريعة
الخالدة، لم يجد من بينها ما فصله القرآن الكريم تفصيل الفرائض، ونُظِّم
بكيفية لم تصل إليه أمة من قبل، فألحق الحقوق بأهلها وقطع كل أسباب
الخلاف والنزاع فيما يستحقه كل وارث، فجعل للنساء نصيب والرجال نصيب قال
تعالى: "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك
الوالدان و الأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا".
ثم نزلت الآيتان 11 و 12 من سورة النساء اللتان بيّنتا مقدار الأنصبة لكل
وارث و اكتملت أصول علم المواريث بنزول الآية 176 من نفس السورة. ثم
اجتهد الصحابة في علم الميراث كل الاجتهاد وأجمعوا على بعض أحكام الميراث
التي لم يسبق فيها نص كميراث الجد مع الأخت الشقيقة في الأكدرية، و ميراث
الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في المشتركة.
ثم تتابعت العديد من المؤلفات في هذا الموضوع، وفصلت أصحاب الفروض وأنصبتهم
و العصبات وأنواعها و الحجب و التأصيل والانكسار والتصحيح و التنزيل و
المناسخات، و لكي يكون فيما نكتب فائدة تبتغى و هدف يقصد فإني ارتأيت
التركيز على مسألة توريث ذوي الأرحام التي اختلف فيها الفقهاء بسبب عدم
ورود نص صريح و قطعي يثبت إرثهم أو ينفيه، كما ورد في أصحاب الفروض
و العصبات.
والأرحام جمع رحم، وهو مكان تكوين الجنين في بطن أمه، قال تعالى:"إن الله عنده علم الساعة، و ينزّل الغيث، ويعلم ما في الأرحام".
ثم أطلق على القرابات مطلقا، و قد شاع إطلاق لفظ "الأرحام" على الأقارب
في لسان اللغة و الشرع، قال تعالى:" واتقوا الله الذي تساءلون به
والأرحام"، و قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحبّ أن يبسط له في رزقه و
ينسأ له في أجله, فليصل رحمه".
واصطلاحا، فإن ذوي الأرحام هم الذين ليس لهم فرض مقدر في الكتاب و
السنة و ليسوا بعصبات و بتعبير أوجز، ليسوا أصحاب فروض و لا عصبة.
و في الغالب ذوو الأرحام من الأقارب هم الذين يتوسط بينهم و بين الميت أنثى، و قد لا يكون كذلك كالعمة مثلا.
وهذا البحث بعنوان: "إشكالات توريث ذوي الأرحام"، يظهر الآراء الفقهية
المختلفة بخصوص هذه المسألة، مع ترجيح أقوى الآراء في نظري وموقف قانون
الأسرة منها مع إبراز النقائص.
و نظرا لافتقارنا لاجتهادات المحكمة العليا وعدم تعرض قانون الأسرة لموضوع
توريث ذوي الأرحام إلا في مادة واحدة منفردة و معزولة تحت الفصل
السادس من الكتاب الثالث تحت عنوان: "العول، الرد، والدفع" التي نصت على
توريث الصنف الأول منهم فقط وأسقطت الأصناف الثلاثة الأخرى حارمة بذلك
العديد من ذوي الأرحام من حقهم في الميراث كالعمة،الخالة، والجد لأم،
وهذا خلافا لطريقة أهل القرابة نفسها التي أخذ بها المشرع الجزائري، وعكس
القوانين العربية التي اعتمد عليها المشرع في وضع هذا النص، كما أن المشرع
لم يبين طوائف الصنف الرابع و كيفية توريث ذي القرابتين من ذوي
الأرحام، وكذا توريثهم مع أحد الزوجين.
كما أنه لا يمكن الرجوع لأحكام الشريعة الإسلامية لتوريث ذوي الأرحام الذين
أسقطتهم المادة 168 من قانون الأسرة عملا بالمادة 222 من نفس القانون
لوجود النص.
ولتعلق هذا الموضوع بعملي وحثّ النبي صلى الله عليه و سلم على تعلمه
حتى عُدَّ عند البعض بثلث العلم، لقوله صلى الله عليه و سلم: "العلم
ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضل، آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة"،
وعدّ عند البعض الآخر بنصف العلم لقوله صلى الله عليه و سلم: "تعلموا
الفرائض و علّموها الناس فإنه نصف العلم وهو أوّل شيء يُنسى وأول
شيء يُنتَزع من أمتي".
لذلك ارتأيت أن البحث في موضوع توريث ذوي الأرحام يعتبر عملا منتجا، له
أثره في توضيح الجانب القانوني له، وإبراز العيوب التي تشوبه، و من ثَمّة،
إعادة النظر في المادة الوحيدة المتعلقة به، مقترحا إضافة نصوص جديدة
أُسوَةً بمختلف القوانين العربية، وذلك وفقا للخطة التالية:
الفصل الأول: أحكام توريث ذوي الأرحام في الشريعة الإسلامية.
المبحث الأول: رأي المذاهب الفقهية في توريث ذوي الأرحام.
المطلب الأول: القائلون بتوريث ذوي الأرحام وأدلتهم.
المطلب الثاني: المانعون من توريث ذوي الأرحام وأدلتهم.
المطلب الثالث: مناقشة الأدلة و مرتبة ذوي الأرحام في الإرث.
المبحث الثاني: الطرق الاجتهادية في توريث ذوي الأرحام.
المطلب الأول: كيفية توريث ذوي الأرحام في نظام أهل الرحم.
المطلب الثاني: كيفية توريث ذوي الأرحام في نظام أهل التنزيل.
المطلب الثالث: كيفية توريث ذوي الأرحام في نظام أهل القرابة.
الفصل الثاني: الإطار القانوني لتوريث ذوي الأرحام في التشريع الجزائري.
المبحث الأول: موقف قانون الأسرة من توريث ذوي الأرحام.
المطلب الأول: حكم توريث ذوي الأرحام.
المطلب الثاني:المرتبة القانونية لذوي الأرحام في الإرث.
المبحث الثاني:موقف المشرع الجزائري من الطرق الاجتهادية في توريث ذوي الأرحام.
المطلب الأول: تأثر المشرع الجزائري بطريقة أهل القرابة.
المطلب الثاني: طريقة توريث ذوي الأرحام حسب التشريع المعمول به.
الخاتمة:
الفصل الأول: أحكام توريث ذوي الأرحام في الشريعة الإسلامية.
"نتعرض في هذا الفصل إلى انقسام الفقهاء بخصوص مسألة توريث ذوي الأرحام على مذهبين (مبحث 1)، والطرق الاجتهادية لتوريثهم (مبحث 2). "
المبحث الأول: رأي المذاهب الفقهية في توريث ذوي الأرحام:
لقد اجمع الفقهاء على أن أصحاب الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى
مقدمون على غيرهم في الميراث وأن الباقي من التركة يرجع للعصبات( )، و
اختلفوا في توريث ذوي الأرحام على مذهبين:
مذهب الإمامين أبي حنيفة وأحمد: القائلان بتوريث ذوي الأرحام (مطلب 1)
مذهب الإمامين مالك والشافعي: القائلان بعدم توريثهم ( مطلب 2)
و نستخلص في الأخير الرأي الراجح ومرتبة ذوي الأرحام في الميراث.
المطلب الأول: القائلون بتوريث ذوي الأرحام وأدلتهم
يذهب أصحاب هذا الرأي إلى توريث ذوي الأرحام ما لم يوجد أحد من أصحاب
الفروض، أو من العصبات، ما عدا الزوجين حيث يرثون الفاضل مع وجود أحدهم،
لأن الباقي من فرضها أحدهما لا يرد عليها.
وإلى هذا القول ذهب جمهور الصحابة كعمر وعلي وأبي عباس رضي الله عنهم، وهو
قول الإمام أبي حنيفة، وأحمد واعتمده المتأخرون من المالكية والشافعية
إذا لم ينتظم بيت المال بإمام عادل.
واستند أصحاب هذا الرأي من الكتاب الكريم(فرع1) والسنة النبوية (فرع2) من جهة، كما استدلوا بالمعقول من جهة أخرى (فرع3).
فرع 1: الأدلة من القرآن الكريم:
يمكن القول أن دليل القائلين بتوريث ذوي الأرحام من القرآن الكريم ينحصر في
دلالة واحدة من الآيتين الكريمتين الأولى في سورة الأنفال، والثانية في
سورة الأحزاب:
1- قوله تعالى: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله’إن الله بكل شيء عليم"( ).
2- قوله تعالى:" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين و المهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا"( ).
ووجه الاستدلال في الآيتين الكريمتين أن بعضهم أولى ببعض فيما حكم الله به
وأن الآية نسخت التوارث بالموالاة عند قدوم رسول الله صلى الله عليه و
سلم إلى المدينة، وقد قررت هذه الآيات الميراث للأقارب مطلقا بدون تمييز
ولا فرق بين ذوي الفروض و العصبات و بين ذوي الأرحام، إلا أن آية المواريث
في سورة النساء قد أوضحت ما يستحقه أصحاب الفروض.
و يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: " وأولوا الأرحام...."، إن معنى
الآية عام يشمل كل القرابات سواء الفروض أو العصبات أو غيرها( ).
وعليه، فإن الآيتين بيّنتا بمعناهما العام أن من تحقق فيه وصف القرابة كان
أحق بإرث قريبه بمقتضى الوصف العام، ولا يوجد تعارض بين الاستحقاق بالوصف
العام و الاستحقاق بالوصف الخاص، فحيث ينعدم فيه الوصف الخاص يثبت عند ذلك
الوصف العام و لا يكون زيادة في كتاب الله.
فرع 2: من السنة النبوية المطهرة:
يوجد في السنة النبوية الشريفة عدد من الأحاديث الدالة على توريث ذوي الأرحام، ويمكن لنا أن نجملها في أحاديث:
الفقرة 1: توريث الخال
و المقصود بالخال أخو الأم سواء كان لأبوين أو لأب أو لأم.
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من ترك كلاًّ فإليّ (وربما قال إلى
الله وإلى رسوله)، ومن ترك مالا فلورثته وأنا وارث من لا وارث له ، أعقل
عنه وأرثه، والخال وارث من لا وارث له يعقل ( )عنه و يرثه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الخال وارث من لا وارث له"( ).
الفقرة 2: توريث الخالة:
عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لما خرجنا من مكة
تبعتنا ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم، فتناولها عليّ فأخذها بيدها و قال(
لفاطمة) دونك ابنة عمك، فحملتها فقضى الخبر، قال: و قال جعفر: ابنة عمي
وخالتها تحتي. فقضى النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها و قال: "الخالة
بمنزلة الأم"( ).
الفقرة 3: توريث العمة و الخالة معا:
أخرج البهيقي بإسناده عن الشعبي قال: أتى زياد في رجل توفي وترك عمته
وخالته فقال: هل تدرون كيف قضى عمر رضي الله عنه فيها؟ قالوا : لا. فقال:
"والله إني لأعلم الناس بقضاء عمر فيها، فجعل العمة بمنزلة الأخ والخالة
بمنزلة الأخت، فأعطى العمة الثلثين و الخالة الثلث"( ).
الفقرة 4: توريث ابن الأخت:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم"( ).
ويوضح هذا الحديث ما أخرجه البهيقي بسنده: أن ثابت بن الدحداح كان رجلا
آتيا في بني أنيف أو بني العجلان، مات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل
له وارث؟ فلم يجدوا له وارثا، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه إلى
ابن أخته وهو أبو لبابة بن المشر.
فكل هذه الأحاديث تكون حجة لمن ذهب إلى توريث ذوي الأرحام، فكل من الخال
والخالة، والعمة وابن الأخت ذو رحم مع الميت، فالمال إذًا لا يخرج عن ذوي
الأرحام.
فرع 3: من المعقول
ووجه استدلالهم بالمعقول يكمن في أنه إذا كان ذوو الأرحام لا يرثون
قريبهم عند انعدام أصحاب الفروض والعصبات، لصارت أموال مورثهم إلى بيت مال
المسلمين، لأن سائر المسلمين يدلون للميت بالإسلام، ولما كان ذوو الأرحام
يشاركون المسلمين في وصف الإسلام ويزيد ون عليهم بوصف القرابة، كانوا أولى
من بيت المال لقوة القرابة، لأن المدلي بجهتين أقوى قرابة من الذي يدلي
بجهة واحدة كالأخوات الشقيقات مع الأخوات لأب.
المطلب الثاني: المانعون من توريث ذوي الأرحام وأدلتهم
يرى أصحاب هذا المذهب أن ذوي الأرحام لا يرثون شيئا من التركة، وتوضع
في بيت مال المسلمين عند عدم وجود أصحاب الفروض سواء انتظم بيت مال أو لم
ينتظم، وهذا الرأي مروي عن زيد بن ثابت و من تبعه من الصحابة، وبه قال
الإمام مالك و الشافعي.
و سنتناول الدليل النقلي من أدلة مذهب المانعين من توريث ذوي الأرحام (فرع1)، ثم نتبعه بالدليل العقلي في (الفرع 2).
فرع 1: الدليل النقلي
و نتعرض فيه إلى وجه الاستدلال بالنصوص الشرعية من الكتاب (فقرة 1) ثم من السنة (فقرة 2).
الفقرة 1: من القرآن الكريم:
استدل المانعون من توريث ذوي الأرحام بآية المواريث المبينة لمقدار
الأنصبة في سورة النساء بقوله تعالى:" يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل
حظ الأنثيين ..." إلى قوله تعالى:" والله عليم حليم"( ).
و من قوله تعالى:" يستفتونك قل الله يفتيكم في ..."، إلى قوله تعالى: "والله بكل شيء عليم"( ).
ووجه الاستدلال بالآية أن الفرائض لا تثبت إلا بنص أو إجماع والنصوص الآمرة
بالتوريث في كتاب الله قد بينت نصيب كل وارث و لم يرد فيها ذكر لذوي
الأرحام، فلو كان لهم حق في التركة ما تركه الله تعالى: "و ما كان ربك
نسيا"( ).
الفقرة 2: وجه الاستدلال من السنة المطهرة:
أخرج الترمذي وغيره عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول في خطبة عام الوداع: " إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا
وصية لوارث"( ).
و يدل هذا الحديث على عدم ثبوت الإرث لذوي الأرحام، ومن قال بإرثهم فقد
خالف ظاهر النص القرآني والحديث الشريف لعدم وجود نص بشأن توريثهم.
وعن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار: أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رجل هلك وترك عمته وخالته، فسأل
النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف، ثم رفع يديه وقال : اللهم رجل هلك و
ترك عمته وخالته فيسأله الرجل ويفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث
مرات ثم قال: " لا شيء لهما"( ).
وعن مالك عن محمد بن أبي بكر بن حزم أنه سمع أباه كثيرا يقول: كان عمر بن الخطاب يقول: " عجبا للعمة تُوَرِّثْ و لا تَرِثْ".
ووجه الدلالة مما تقدم، أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون شيء للعمة
والخالة، كما امتنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجعل العمة وارثة
بقوله: " لو رضيك الله أقرَّك"، أي أثبتك في كتابه، كما أقر النساء
الوارثات فيه ولقوله أيضا:"عجبا العمة تورَث - أي يرثها أبناء أخيها - ولا
ترث".
و لما لم يجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم للعمة والخالة ميراثا وهما من ذوي الأرحام، فلا ميراث لغيرهما.
فرع 2: الدليل العقلي
استدل المانعون لتوريث ذوي الأرحام من المعقول بأن المعروف تقوية الأخ
لبنات الابن والأخوات من الأب، فإنهن يأخذن إذا كان معهن، ولا يأخذن
منفردات، إلا أن كل من العمة و بنت الأخ لا ترث بانضمامها لأخيها رغم أن
الأخ يقويها، فإذا كانت لا ترث معه فبانفرادها عنه أولى.
ومثال ذلك إذا ما توفي رجل عن زوجة وبنتين وبنت ابن وابن ابن، فيعتبر (ابن
الابن) أخ مبارك لـ ( بنت البنت )، إذ لولاه لسقطت أخته ولم ترث
شيئا، ذلك أن البنتين يأخذن الثلثين ويستنفذ حظ البنات، وتحجب بنت الابن
حجب حرمان إلا إذا وجد معها ذكر من ولد الابن أخا كان أم ابن عم، فإنه
يعصبها إذا كان في درجتها أو أنزل منها، ولا يعصب من تحته من بنات الابن،
بل تحجبهن لقربه للميت.
فأصل المسألة من أربعة وعشرون، للزوجة الثمن (1/8)، وهو ثلاثة وللبنتين
الثلثان 2/3 وهما ستة عشر، و لبنت الابن و ابن الابن تعصيبا و هو خمسة.
وقياسا على ذلك لما كانت العمة وبنت الأخ لا ترث مع أخيها، فمن باب أولى لا تستحق إرثا بانفرادها عنه( ).
المطلب الثالث: مناقشة الأدلة ومرتبة ذوي الأرحام في الإرث
بعد الاطلاع على أدلة المذهبين المختلفة في توريث ذوي الأرحام، نأتي فيما
يلي إلى ترجيح أقواها (فقرة1) ثم إلى مرتبة ذوي الأرحام في الميراث
(فقرة 2).
فقرة 1: الرد على أدلة المانعين من توريث ذوي الأرحام:
يمكن الرد على أصحاب المذهب الثاني القائل بعدم توريث ذوي الأرحام بما يلي:
1. إن قول المانعين أن الميراث ثبت بالنص ولا نص في ذوي الأرحام قول مردود،
لأنه ثابت في قوله تعالى:" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله"، و في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي فصلت عموم هذه الآية،
فورث عليه الصلاة والسلام ابن أخت الميت وخاله، فلا زيادة إذًا على كتاب
الله وسنة رسوله، كما يدعي أصحاب هذا الرأي.
2. أما الحديث الذي رواه عطاء بن يسار، فهو مرسل لا يحتج به( )، و على فرض
صحته ووصله فإنه يحتمل أن يكون معنى الحديث : أن لا ميراث لهما (العمة و
الخالة )، مع ذوي الفروض والعصبات، لذلك سمي الخال وارث من لا وارث له، كما
أنه يحتمل أن يكون معناه أن لا ميراث لهما، لأن ميراث ذوي الأرحام لا
تقدير فيه، كما أنه يحتمل أن يكون الحديث قبل نزول آية "...وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض ...."، وعلى كلٍّ، فإنّ الحديث المذكور لا يقوى
على معارضة ما جاء من أحاديث موصولة( )، دالة على ميراثهم.
3. أما استدلالهم بالمعقول، فيردّ عليهم: بأن عدم ميراث العمة وابن الأخ مع
أخويهما لأنّهما أقوى منهما، فيستقلاّن بالميراث لأنّ كل من العمة وابنة
الأخ ليست بذات فرض حتى تصير عصبة بأخيها، فترث معه، ولكن عند عدم الفرض
والعصبة، ترث بالوصف العام وهو الرحم، حيث لا يوجد من هو أقوى منها( )،ضف
إلى ذلك أن وجود الذكر العاصب ليس دائما يقوي الأنثى التي يعصب معها،
فيمكن أن لا ترث بسبب هذه العصوبة مثلما هو عليه الحال في الأخ
المشئوم( ).
وبناء على ما سبق، يتبين لنا رجحان المذهب الأوّل القائل بتوريث ذوي
الأرحام، لأن فيه صلة للرحم القربى التي أمر بها الإسلام، وموافقة لروح
العدالة، وبهذا أفتى علماء الشافعية والمالكية المتأخرون، وقد أخذ قانون
الأسرة الجزائري على غرار القانون المصري و السوري والأردني بالمذهب
القائل بتوريثهم، كما سنوضحه لاحقا .
الفقرة 2: مرتبة ذوي الأرحام في الميراث:
لقد رتب الفقه الإسلامي ورثة المتوفى المستحقين لتركته على مراتب ودرجات منها متفق عليه، ومنها مختلف فيه.
أما الدرجات المتفق عليها فهي:
الدرجة الأولى: أصحاب الفروض: وهم الورثة الذين لهم نصيب مقدر في الكتاب
والسنة، ولا يختلف أحد في إثبات هذا الصنف من الوارثين ولا في تقدمه على
غيره.
الدرجة الثانية: العصبة النسبية: وهم من يستحقون باقي الترك بعد أصحاب
الفروض، ويستحقون التركة كلها إذا لم يوجد فرض، ولا خلاف بين العلماء أيضا
في اثبات هذا الصنف من الوارثين، ولا في كون مرتبتهم تلي مرتبة ذوي الفروض.
الدرجة الثالثة: ولاء العتاقة: وهي قرابة حكمية بين المعتق والمعتَق، وهذه
الصلة تجعل للمعتق حق الإرث، ممن أعتقه إذا مات ولا وارث له من قرابته، ولا
خلاف في اثبات هذا الصنف من الوارثين، ولكن الخلاف يوجد في ترتيبهم، وتجدر
الاشارة أن المعتق سواء كان ذكرا أو أنثى، يكون عاصبا، حيث يقول صاحب
الرحبية﴿ ﴾ في باب التعصيب:
والأخ وابن الأخ والأعمـــام والسيد المعتق ذي الأنعام
ثم يضيف:
وليس في النساء طرّا عصبة إلا التي منّت بعتق الرقبة
أما الدرجات المختلف فيها، فهي كالتالي:
الدرجة الرابعة: الرد على ذوي الفروض: المقدر بنسبة فروضهم إلا الزوجين،
وهذا الرأي منسوب إلى عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم من الصحابة
والتابعين، وبه أخذ الأحناف والحنابلة، والمتأخرون من المالكية والشافعية.
أما المتقدمون منهم فقد ذهبوا إلى عدم الرد مطلقا، لكن الباقي يؤول إلى بيت المال.
أما مذهب عثمان بن عفان فإنه يرى جواز الرد على أحد الزوجين.
الدرجة الخامسة: ذوو الأرحام: وقد تم التعرض في المبحث الأول إلى حكم
توريثهم، والخلاف بين المثبتين والمانعين، وذوو الأرحام، إنما يرثون إذا لم
يكن للميت وارث من العصبات، ولا من ذوي الفروض الذين يرد عليهم.
الدرجة السادسة: بيت المال: وإن كان هناك خلاف في كيفية وضع التركة فيه، هل
على أنه وارث نيابة عن جماعة المسلمين؟ أم أنه مال ضائع، فيكون فيئا؟
ونكتفي بهذه الدرجات المتقدمة، وإن كان العلماء في ذكر درجات المستحقين
للتركة وأصنافهم أكثر توسعا﴿ ﴾، وغرضنا من هذا الترتيب معرفة مرتبة ذوي
الأرحام من بين مراتب الورثة المستحقين للتركة، إذ الورثة أصناف ودرجات
مرتبة شرعا، فلا يجوز الانتقال إلى درجة إلا بعد استيفاء المستحقين من
الدرجة التي قبلها.
المبحث الثاني: الطرق الاجتهادية في توريث ذوي الأرحام:
تقدم الكلام في أن ذوي الأرحام لا يرثون إلا في إحدى الحالتين وهما:
1. عدم وجود الورث المطلق سواء من أصحاب الفروض، لأنهم يأخذون فروضهم ويرد
عليهم الفاضل، أو من العصبات، لأن العاصب يأخذ كل التركة إذا انفرد، ويأخذ
الباقي إذا اجتمع مع أصحاب الفروض.
2. وجود أحد الزوجين فيأخذ فرضه الأعلى وما بقي فلذوي الأرحام واحدا كان
أو متعددا، ولم يختلف العلماء في أن ذا الرحم إذا انفرد أخذ وحده التركة،
لكن اختلفت آراء العلماء واجتهاداتهم في طريقة توريث ذوي الأرحام إذا
كانوا أكثر من واحد ويرجع سبب اختلافهم إلى عدم وجود نصوص مفصلة في
توريثهم، الأمر الذي أدى بكل طائفة من أهل العلم إلى اتخاذ فكرة معينة
أساسا تبني عليه توريثهم وسنستعرض الطرق الاجتهادية في توريث ذوي الأرحام
في المطالب الثلاثة التالية:
المطلب الأول: طريقة توريث ذوي الأرحام في نظام أهل الرحم
و تنسب هذه الطريقة لحسن بن ميسر ونوح بن رداح و حبيش بن مبشر، وذهب
هؤلاء إلى القول بأن أساس توريث ذوي الأرحام راجع إلى فكرة "الرحم"
المتحققة في جميع أفرادهم فهم يسوون بين ذوي الأرحام في الاستحقاق،
فلا تفضيل لصنف على آخر ومن دون النظر إلى قوة الدرجة ولا قوة القرابة
ولا إلى من يدلون به للميت وحجة أصحاب هذه الطريقة أن للإرث وصفين :
أحدهما خاص و الآخر عام.
و الوصف الخاص يندرج تحته كل ذوي الفروض و العصبات، وقد بينت آيات المواريث من يستحق الإرث بالوصف الخاص.
أما الوصف العام، فيندرج تحته الأقارب بصفة عامة، فمن لم يتحقق فيه أحد
الأوصاف الخاصة بذوي الفروض، والعصبات ولكن تحقق فيه وصف القرابة يكون
مستحقا للإرث بناءا على الوصف العام المستنبط من قول البارئ عز وجل:"
وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله"( ).
وعليه، فما دام الشرع لم يبين طريقة إرثهم ولم يقدرلهم أنصبة معينة، و لم
يرتب بينهم كما هو الحال في الفروض والعصبات، وجب أن يسري عليهم الإرث
بالتساوي على اعتبار تساويهم في صفة الرحم.
و يعاب على هذه الطريقة رغم كونها من الناحية العملية أسهل الطرق الثلاثة
لأنها بعيدة عن روح التشريع ومخالفة لنظام التوريث في أصحاب الفروض
والعصبات، لذلك فهذا الرأي غير مشهور، بل هو ضعيف ومهجور، لأن القائلين به
لم يبنوه على قواعد علمية سليمة، لذلك لا يعتد به ولم يأخذ به أحد من
الفقهاء والأئمة المجتهدين و هجرت و اندثرت بموت أصحابها و ترك العمل بها.
مثال:
مات رجل وترك: (بنت بنت) و (ابن بنت بنت) و (بنت بنت ابن).
تقسم التركة عليهم جميعا بالتساوي دون النظر
3 الورثة
1 التركة بنت بنت
1 بينهم ابن بنت بنت
1 بالتساوي بنت بنت بنت
إلى قوة الدرجة و لا إلى قوة القرابة و لا إلى
من يدلو به للميت.
فيكون أصل المسألة من 3 وهو عدد الرؤوس
لكل ذي رحم منهم سهم واحد.
المطلب الثاني: طريقة توريث ذوي الأرحام في نظام أهل التنزيل
الفرع 1: الأدلة:
واستدل أصحاب هذا الرأي بما أخرجه البخاري في صحيحه عن البراء رضي الله
عنه قال: "اعتمر النبي - صلى الله عليه و سلم- في ذي القعدة،….، فقضى
النبي صلى الله عليه وسلم بما للخالة و قال" الخالة بمنزلة الأم…"( ).
وبما أخرجه البهيقي عن طريق الشعبي قال: أتى زياد رجل وترك عمته و خالته،
فقال هل تدرون كيف قضى عمر رضي الله عنه فيها؟ قالوا : لا ، فقال: "
والله إني أعلم الناس بقضاء عمر فيها، فجعل العمة بمنزلة الأخ والخالة
منزلة الأخت ، فأعطى العمة الثلثين و الخالة الثلث"( ).
وتدل هذه الأحاديث دلالة واضحة على الطريقة الشرعية واجبة الاتباع في
توريث ذي الأرحام ، وهي طريقة أهل التنزيل، وهي الطريقة التي انتهجها
الصحابة بعد فهمهم لقاعدة التنزيل، فكانوا ينزلون كل ذي رحم منزلة التي
تليه إذا لم يكن الوارث ذا قرابة( ).
فرع 2: كيفية توريث ذوي الأرحام على طريقة أهل التنزيل:
يمكن تلخيص الخطوات الواجب اتباعها في توريث ذوي الأرحام على طريقة أهل
التنزيل في أربع خطوات ، نوردها كما يلي مع إعطاء أمثلة تطبيقية:
الخطوة الأولى: وهي أن ننزل كل واحد من ذوي الأرحام منزلة من أولى به حتى
نصل إلى أقرب وارث، إلا أن العم لأم و العمات مطلقا ينزل كل واحد منهم
منزلة الأب والأخوال والخالات مطلقا منزلة الأم ، وبهذا يتم التنزيل حتى
نصل إلى الوارث، فينزل ذا الرحم منزلته.
أمثلة:
- بنت ابن الأخ الشقيق تنزل منزلة ابن الأخ الشقيق وهو وارث.
- ابن بنت ابن الابن تنزل منزلة بنت ابن الابن و هي ورثة.
- أم أبي الأم تنزل منزلة أبي الأم (الجد الفاسد) وهو غير وارث، ثم ينزل أبو الأم منزلة الأم و هي وارثة.
- بنت ابن الأخ لأم تنزل منزلة ابن الأخ لأم وهو غير وارث، ثم ينزل ابن الأخ لأم منزلة الأخ لأم وهو وارث و هكذا…
ويستثنى من قاعدة التنزيل، مسألة العمومة والخئولة، إذ تنزل العمومة منزلة أقرب وارث وهو الأب، و الخئولة منزلة الأم و معنى ذلك أن:
- الأعمام لأم وهم من ذوي الأرحام ينزلون منزلة الأب أي أب الميت (وهو أخو العم)
- العمات الشقيقات أو لأب أو لأم ينزلون منزلة الأب، أي أبي الميت ( وهو أخ العمة)
- الأخوال الأشقاء أو لأب أو لأم ينزلون منزلة الأم، أي أم الميت ( و هي أخت الخال)
- الخالات الشقيقات أو لأب أو لأم ينزلن منزلة الأم أي أم الميت ( و هي أخت الخالة)( ).
الخطوة الثانية: وهي أن نقارن بين مرات التنزيل لكل منهم - فمن سبق إلى
الوارث فهو وارث، والمتأخر في السبق محجوب، فالسابق( ) إذا يحجب المسبوق(
)، وبالتالي لا يرث جماعة من ذوي الأرحام في مسألة واحدة إلا إذا كانوا
مستوين في مرات التنزيل وإذا كان السابق واحدا استأثر بالتركة كلها.
الخطوة الثالثة: نقدر موت الميت عن الوارث أو الورثة الذين وصلنا إليهم من
ذوي الأرحام، لنعرف من يحجب منهم ومن يرث نصيب فرضا أو تعصيبا، ثم نقدر
موت الوارث وانتقال نصيبه إن ورث إلى رحمه، سواء كان بواسطته أو بصفة
مباشرة، ومن لا يرث من هؤلاء لا شيء لذي رحمه كالأخ الشقيق مع الأخ لأب،
فبنت الأخ لأب لا شيء لها مع بنت الأخ الشقيق، وذلك تبعا لما هو مقرر في
القواعد الأصلية للميراث.
الخطوة الرابعة: ونسلك هذه الخطوة في حالة اجتماع اثنتين فأكثر في تنزيل
منزلة الوارث، فإما أن يكون تنزيلهم من غير واسطة وإما أن يكون تنزيلهم
بواسطة:
أ- فرضية موت الوارث المتوفى عن الجمع المدلين به الذين نزلوا منزلة بلا واسطة:
ونطبق فيما بعد القواعد الأصلية للميراث بعد أن ننسبهم إليه و ذلك لمعرفة من يرث و من لايرث.
مثال: توفي وترك: خال شقيق- خال لأم- و خال لأب.
فننزل الأخوال كلهم منزلة الأم، وبالتالي فيه اجتماع في التنزيل منزلة الوارث (الأم) ثم نفرض موتها عنهم فيصبحون:
أخ شقيق- أخ لأم - أخ لأب، و تحل المسألة وفقا لقواعد الميراث، فلاشيء للأخ
لأب لأنه محجوب بالأخ الشقيق، أما الأخ لأم، فله سدس التركة فرضا ويأخذ
الأخ الشقيق ما تبقى من السدس تعصيبا( ).
ب- فرضية موت الوارث عن الجمع المشترك بواسطة:
والقاعدة في هذه الحالة أن نقدر موت المتوفى عن الجمع المدلين به الذين
نزلوا منزلة بواسطة فأكثر، ونقدر فيما بعد موت الميت عن الواسطة ثم موت
كل واسطة عمن بعدها إلى أن نصل إلى ذوي الأرحام، وبالتالي يتضح لنا
معرفة المحجوب منهم والوارث ونصيبه.
مثال: توفي شخص عن: ابن خال شقيق، بنت خال لأب وأبو أبي أم، فكل واحد من
هؤلاء نزل مرتين ليصل إلى منزلة الأم، وهي واسطة واحدة ومشتركة لهم،
فيصبحون خال شقيق، خال لأب، أب لأم، ثم نفرض موت الأم عنهم ثم ننسبهم
إليها، حيث يصبحون: أخ شقيق، أخ لأب، أب، وبالتالي يأخذ الأب التركة تعصيبا
لانعدام الفرع الوارث مطلقا ويحجب الأخ الشقيق والأخ لأب ( وهما الخالان)
وفقا لما هو معمول به في القواعد العامة للميراث.
الفرع 3: توريث ذوي القرابتين :
من المتفق عليه أنه من يستحق الإرث إما يستحقه من جهة قرابة واحدة، وإما يستحقه من جهتين مختلفتين.
فمن استحق الإرث بجهة واحدة ورث بها ميراثا واحدا، ومن استحق الإرث بجهتين
عصوبة ورثة بأقواها، وحجب من العصوبة الضعيفة كابن، وهو في نفس الوقت ابن
ابن عم( ).
أما إذا كانت الجهة الأولى عصوبة و الأخرى بالفرض، فنكون أمام حالتين:
1. إذا كان التعدد لا يقتضي تعدد الصفة، فيكون الإرث بجهة واحدة، كالجدة
ذات القرابتين، فهي في الحكم كالجدة ذات القرابة الواحدة، مثل أم أم الأم
التي هي أم أب أب، فتعدد الجهة لا يتعدد معه صفتها في الإرث، فهي دائما
جدة.
2. إذا كان التعدد يقتضي تعدد الصفة( )، كزوج هو ابن عم،فوصف الزوجية موجب
للاستحقاق بالفرض، ويأخذ به النصف إذا انعدم الفرع الوارث المطلق، ووصف
العمومة موجب لاستحقاق التعصيب، فيأخذ الباقي.
و كذلك ابن عم هو أخ لأم( )، فإنه يرث بالجهتين معا، فله السدس لأنه أخ لأم
منفرد( ) من جهة ويرث الباقي تعصيبا لأنه ابن عم من جهة أخرى.
وهذا الحكم في توريث ذوي القرابتين ينطبق في توريث ذوي الأرحام، فإذا أدلى
ذو الرحم بجهتي توريث فأكثر، تكون كل منهما موجبة لاستحقاق الإرث وبخلاف
ذوي الفروض والعصبات، فإن اتصال ذي الرحم بالميت من جهتين كثير في ذوي
الأرحام( ).
و مثال ذلك:
- زوجة هي بنت عم: فللزوجة الربع و الباقي لبنت العم بعد تنزيلها منزلة
العم، أي تعامل كشخصين لأنها ذات قرابة من جهتين وتعددت صفة إرثها.
- ابن خال هو ابن عمة( ): فينزل بن الخال مرتين إلى الأم ويرث الثلث، كما ينزل ابن العمة مرتين إلى الأب ويرث الباقي تعصيبا( ).
فرع 4: كيفية توريث ذوي الأرحام مع الزوجين:
يرث ذوو الأرحام مع أحد الزوجين دون سائر ذوي الفروض النسبية لأنه لا يرد على أحد الزوجين( ).
غير أن الزوج لا يحجب من النصف إلى الربع والزوجة لا يحجب من الربع إلى
الثمن، بل يأخذ كل منهما نصيبه الأعلى، وهو النصف بالنسبة للزوج والربع
بالنسبة للزوجة، ونكون بصدد حالتين:
الحالة1): وجود صنف واحد من ذوي الأرحام مع أحد الزوجين: وفيها يأخذ
الموجود من الزوجين فرضه الأعلى والباقي للصنف الموجود من ذوي الأرحام،
علما أن أصل المسألة يكون الفرض الأعلى لأحد الزوجين، فإن وجد الزوج كان
أصل المسألة2، وإن وجدت الزوجة كان أصل المسألة4 .
مثال: مات وترك:
زوج، بنت بنت، يكون أصل المسألة هو مقام نصيب الزوج الأعلى وهو 2 والباقي لبنت البنت بعد تنزيلها.
الحالة 2): وجود عدة أصناف من ذوي الأرحام مع أحد الزوجين:
نورث في هذه الحالة ذو الأرحام ونأصل مسألتهم، ثم إن وجد معهم زوج أخذ
فرضه الأعلى وهو النصف، وهو ما يعادل سهام جميع ذوي الأرحام، بمعنى أن يأخذ
نصيبا يساوي أصل مسألتهم ، ثم نجمع نصيبهم مع نصيب الزوج والناتج هو أصل
المسألة برمتها.
مثال: مات عن زوج، بنت بنت، ابن بنت ابن، خال شقيق، ابن أخت لأب.
نحل أولا: المسألة المتعلقة بذوي الأرحام على النحو التالي:
تنزل بنت البنت منزلة البنت وتأخذ النصف (1/2 ) لانفرادها، وينزل ابن بنت
الابن منزلة بنت الابن، وتأخذ السدس (1/6) تكملة للثلثين حظ البنات وينزل
الخال الشقيق منزلة الأم ويأخذ السدس (1/6) وينزل ابن الأخت لأب منزلة
الأخت لأب وهي عصبة مع الغير( ).
ثم يأخذ الزوج نصيبه الأعلى وهو النصف، وفرضه يعادل ما لذوي الأرحام جميعا،
وهو يماثل مسألتهم الذي هو ستة 06 وبمجموع النصيبين، يكون أصل المسألة
(زوج + ذوي الأرحام)، هو اثني عشر.