MAZOUZ MOHAMED ...::|رئيس المنتدى|::...
مساهماتي : 5235 تاريخ الميلادي: : 01/07/1991 تاريخ التسجيل : 22/07/2009 عمـــري: : 33 الموقع : www.univ-batna2.alafdal.net
| موضوع: ماكس فيبر واهم اعماله السبت 12 فبراير - 14:50 | |
|
خلفية تاريخية عن ماكس فيبر
ينظر البعض إلى ماكس فيبر عالم الاجتماع الألماني على أنه أعظم عالم ومفكر اجتماعي ليس فقط في علم الاجتماع ولكن أيضاً في علم الاقتصاد والمجالات الاجتماعية الأخرى.
ولقد ولد ماكس فيبر في إبريل 1864 في إيرفرت Erfert بألمانيا من أسرة بروتستانتية موسرة وعرف أجداده لأبيه بأنهم ( لوثر يون) نسبة إلى المصلح الديني المعروف مارتن لوثر ( 1483-1546) ولقد طردوا من النمسا بسبب معتقداتهم وعندما وصلوا إلى بيلفيلد Bielefield اشتغلوا بالتجارة حتى أصبحوا من أشهر تجارها، وكان والده محامياً عمل بالسياسة في عهد بسمارك وظل لعدة سنوات عضواً في الريشناخ ( البرلمان) ولقد أثار ذلك عند فيبر الوعي بأهمية العمل السياسي، ولقد بدأ في دراسة الاقتصاد منذ عام 1882 حيث التقى بأفكار آدم سميث وغيره ولقد حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد وكان موضوع الرسالة " الشركات التجارية في العصور الوسطى" وتوضح الرسالة تحوله من التاريخ القانوني إلى التاريخ الاقتصادي.
وبعد حصوله على الدكتوراه قام بتدريس القانون في جامعة برلين عام 1892 وعمل أستاذاً للسياسة عام 1894 وأستاذاً للاقتصاد عام 1897 ، ولقد أصيب بانهيار عصبي حاد أقعده عن نشاطه الأكاديمي في سنة 1900 ولم يستطع العودة إلى التدريس إلى عام 1918 خلال الحرب العالية الأولى. ويلاحظ أن فيبر لم يحترف علم الاجتماع إلا قبل وفاته بعامين ، ولقد توفي عام 1920 قبل أن يتم مؤلفة الأساسي الذي يدخل في ميدان النظرية الاجتماعية وهو الاقتصاد والمجتمع Economics and Society لذلك كانت إحدى المهام الصعبة في سنة 1922 هي جمع شتات هذا المؤلف بعد أن تركها فيبر في صورتها المبدئية.
الفعل الاجتماعي عند ماكس فيبر : الفعل الاجتماعي هو الموضوع الأساسي لعلم الاجتماع عند ماكس فيبر ولقد عرفه بأنه " صورة للسلوك الإنساني الذي يشتمل على الاتجاه الداخلي أو الخارجي الذي يكون معبراً عنه بواسطة الفعل أو الإحجام عن الفعل ، إنه يكون الفعل عندما يخصص الفرد معنى ذاتياً معيناً لسلوكه، والفعل يصبح اجتماعيا عندما يرتبط المعنى الذاتي المعطي لهذا الفعل بواسطة الفرد بسلوك الأفراد الآخرين ويكون موجهاً نحو سلوكهم "
ووفقاً لمنظور فيبر وتعريفه للفعل الاجتماعي لابد من فهم السلوك الاجتماعي أو الظواهر الاجتماعية على مستويين ، المستوى الأول أن نفهم الفعل الاجتماعي على مستوى المعنى للأفراد أنفسهم، أما المستوى الثاني فهو أن نفهم هذا الفعل الاجتماعي على المستوى الجمعي بين جماعات الأفراد.
ولكي نفهم عمل الفرد وأفعاله أو سلوكه الاجتماعي على مستوى المعنى لابد من النظر إلى دوافع الفرد ونواياه واهتماماته والمعاني الذاتية التي يعطيها لأفعاله والتي لم تكمن خلف سلوكه ، أي أنه لابد من فهم معنى الفعل أو السلوك على المستوى الفردي ومن وجهة نظر الفرد نفسه صاحب هذا السلوك وبنفس الطريقة لابد من النظر إلى النوايا والدوافع والأسباب والاهتمامات التي تكمن وراء سلوك الجماعة التي يعتبر الفرد عضواً فيها . أي أنه لابد من فهم الفعل الاجتماعي على المستوى الجمعي ومن وجهة نظر الفرد كعضو في جماعة.
إذن لابد لنا من أخذ هذين المستويين في الاعتبار عند دراستنا وتحليلنا لفهم وتفسير الفعل الاجتماعي الإنساني للفرد سواء من خلال مواجهته للظواهر الاجتماعية بنفسه أو من خلال مشاركته للجماعات الاجتماعية التي ينتمي إليها.
من هذا يتضح أن فيبر أعطى لمفهوم الفعل الاجتماعي معنى واسعاً كل السعة بوصفه الموضوع الأساسي للبحث السوسيولوجي من وجهة نظره ن فلقد ضمنه كافة أنواع السلوك ما دام الفاعل يخلع عليه معنى.
وهناك خاصيتين في مفهوم فيبر حول الفعل الاجتماعي ففيبر يسلم أولاً وصراحة بمدخل ذاتي لنظرية علم الاجتماع وذلك بتركيزه على أن المفهومات النظرية في علم الاجتماع يتعين صوغها في ضوء نموذج محدد للدافعية التي تحرك ( الفاعل الفرضي) والذي يمثل بدوره تصوراً مفترضاً ، أما الخاصية الثانية فتتعلق بمدلول مصطلح " فيبر" عن " المعنى" وهو مصطلح أعتبر من المصطلحات التي لعبت دوراً في الجدل الذي ثار في ألمانيا حول مسألة التاريخ ومناهج العلوم الاجتماعية عشية ظهور أعمال " ماكس فيبر" المهم أنه عندما أستخدم هذا المصطلح كان يعني به الإشارة إلى السلوك في ضوء الفرض والمرمى الذي يسعى إلى تحقيقه الفاعل.
ونظراً لتحديده لعلم الاجتماع بوصفه علماً عاماً وشاملاً للفعل الاجتماعي فإن هذا اقتضاه أن يبذل جهداً في تصنيف الأفعال وتنميطها ويقصد بالعام والشامل من وجهة نظره وكما أوضح " ريمون آرون" من تحليله لأعمال فيبر فهم المعنى الذي يخلعه الإنسان على سلوكه وهذا المعنى الذاتي بالطبع هو المعيار الذي على أساسه يمكن تصنيف الأفعال الإنسانية توطئة لفهم بناء السلوك، إن محاولته لتصنيف الأفعال هذه حكمت تفكيره لدرجة كبيرة عندما هم بتفسير خصائص وأغراض المجتمع المعاصر ووفقاً لما أتى به يعد الرشد والعقلانية خاصة أساسية للعالم الذي نعيش فيه، وتفصح هذه العقلانية عن نفسها من خلال علاقاتها بالأهداف المحددة .المشروع الاقتصادي مثلاً يكون رشيداً عندما تضبط الدولة بواسطة البيروقراطية ، بل إن المجتمع بكامله يتجه نحو التنظيم البيروقراطي ، وحتى العلم نفسه يعد من وجهة نظر فيبر مظهر العملية العقلية التي تميز المجتمع الحديث.
ولقد وضع فيبر تصنيفاً لأنماط الفعل الاجتماعي والتي يمكن الاستعانة بها في بناء النماذج المثالية للسلوك حيث حدد أربعة أنماط للفعل الاجتماعي وفقاً لمساره واتجاهه على النحو التالي :
1- الفعل العقلي الذي غايات محددة ووسائل واضحة ، إذ أن الفاعل يضع في اعتباره الغاية والوسيلة التي يقوم بتقويمها تقويماً عقلياً فالمهندس الذي يصمم مشروعاً معمارياً والمضارب الذي يحسب ما يعود عليه بسبب مضاربته والقائد الذي يختار أفضل الخطط التي تحقق له النصر كلها أمثلة للفعل الاجتماعي الفعلي.
2- الفعل العقلي الذي توجه قيمة مطلقة : وفي هذا النموذج يكون الفرد واعياً بالقيم المطلقة التي تحكم الفعل وهي قيم يمكن أن تكون أخلاقية أو جمالية أو دينية ويوصف الفعل بأنه موجه نحو قيمة مطلقة في الحالات التي يكون فيها مدفوعاً لتحقيق مطالب غير مشروطة ومعنى ذلك أن الاعتقاد في القيمة المطلقة واعياً ومتجهاً نحوها من أجل ذاتها خالياً من أية مطامح خاصة ، ولهذا فهو يختار الوسائل التي تدعم إيمانه بالقيمة.
3- الفعل العاطفي : وهو سلوك صادر عن حالات شعورية خاصة يعيشها الفاعل والأمثلة على هذا النمط من السلوك عديدة حينما يختار المرء الوسائل على أساس صلتها بالغايات أو القيم وإنما باعتبارها تنبع من تيار العاطفة.
4- الفعل التقليدي: وهو سلوك تمليه العادات والتقاليد والمعتقدات السائدة ومن ثم يعبر عن استجابات آلية أعتاد عليها الفاعل ، ولا شك أن ضرباً من السلوك هذا شأنه سوف يظل دائماً على هامش الفعل الذي توجهه المعاني.
وتحتل أنماط الفعل الاجتماعي هذه أهمية خاصة في النسق السوسيولوجي الذي صاغه ماكس فيبر ويرجع ذلك إلى عوامل منها :
1- أن فيبر تصور علم الاجتماع باعتباره دراسة شاملة للفعل الاجتماعي ومن ثم أصبح تصنيف أنماط الفعل يمثل أعلى مستويات التصور التي تستخدم في دراسة المجال الاجتماعي والمثال على ذلك أن تصنيفه لنماذج السلطة مشتق مباشرة من تحديده لأنماط الفعل الاجتماعي.
2- أن علم الاجتماع عند فيبر يستهدف فهم معاني السلوك البشري ومن هنا يجئ أهمية هذا التصنيف كمدخل ضروري لتحليل بناء السلوك.
3- وأخيراً فإن تصنيفه لنماذج الفعل يعد إلى حدٍ ما أساس تفسيره للحقبة التاريخية المعاصرة إذ يعتقد فيبر أن الخاصية الأساسية المميزة للعالم الذي يعيش فيه هي العقلانية.
العلاقات الاجتماعية في مفهوم ماكس فيبر:
كانت الخطة الثانية ذات الأهمية عند فيبر هي دراسته لمفهوم العلاقات الاجتماعية إذ ساعده دراسة هذا المفهوم على التحول من دراسة الأفعال الفردية إلى أنماط السلوك . ففيبر في تصوره للعلاقات الاجتماعية يقصد بها سلوك جمع من العاملين تتحدد بمضمونات معنى هذا السلوك وبالقدر الذي يضع كل الآخر في حسبانه ويوجه سلوكه في ضوء هذا .
فالعلاقة الاجتماعية عند فيبر تعني تبادل الأفعال بين الأفراد على أساس فهم كل منهم للمعاني التي يضيفها كل فرد على سلوكه ، إذا أن هناك مجرى للفعل لكن ذلك لا يعني بالطبع أن يكون المعنى الذاتي هو نفسه بالنسبة لكل الجماعات التي تتجه اتجاها متبادلاً في علاقة اجتماعية معينة ، ولقد قدم فيبر تلخيصاً لفئات العلاقات الاجتماعية والتي يمكن ملاحظتها واقعياً في خمسة فئات هي :
أ- العرف أو الإصلاح أي التماثل الفعلي للعلاقات الاجتماعية .
ب- العادة وهي العرف الذي يستمد وجوده من الألفة والتعود.
جـ- الأسلوب أو العرف الذي يتسم بالتجديد والحداثة.
د- العادة التقليدية وهي العرف الذي ينبثق عن الرغبة في الهيبة الاجتماعية أو العرف الذي يتحدد على أساس أنماط معيارية.
هـ- القانون وهو مجموعة القواعد التي تنطوي على إلزام أو عقاب لمن يخرج عليها ، ومع أن القانون يستند إلى العادة والعرف لكن الفارق بينه وبينهما هو عنصر الإلزام المتضمن في القاعدة القانونية.
ففيبر لا يجعل الفعل معتمداً فقط على العلاقة بين الوسائل والغايات وإنما يربطه باستمرار بنسق اجتماعي معين وبالظروف التي يتم في ضوئها تحقيق الغايات ومن ثم يذكرنا فيبر باستمرار أن كل المفاهيم التي يقدمها لا تكفي في ذاتها وإنما لابد وأن يستخدمها علماء الاجتماع في تشييد النماذج المثالية لتفسير مشكلات ملموسة بل والأكثر من ذلك أن هذه النماذج بدورها ليست غاية مطلقة ولكنها وسيلة التفسير والتعليل الصحيح.
النماذج المثالية : تستند دعائم التصور النظري لفيبر على مسألتي النموذج المثالي ونظرية التنظيم وبالنسبة للنموذج المثالي فلقد أشار إلى أن أفضل طريقة في دراسة المعاني الذاتية للظواهر الاجتماعية تتمثل في استخدام النموذج المثالي وهو ليس فرضاً بل إنه يوجه الباحثين لوضع الفروض وليس وصفاً للواقع بل يستهدف توفير الوسائل للتعبير عن الواقع والنموذج المثالي من وجهة نظر فيبر عبارة عن بناء عقلي من المفاهيم المجردة والذي لا يوجد له نظير في الواقع التجريبي. هذا النمط المثالي لأي ظاهرة اجتماعية يكون مصمماً ليساعد في فهم الواقع التجريبي لتلك الظاهرة أو عدة ظواهر وهكذا يمكن استخدام النمط المثالي كأداة من أجل المقارنة بين ظاهرتين أو أكثر أو لقياس مدى تقارب الظاهرة المعطاة من النمط المثالي، فالنموذج أو النمط المثالي عبارة عن " المجموع الكلي للمفاهيم التي ينشاها أو يبينها المتخصص في العلوم الإنسانية بصورة نقية وبعيدة عن أي تحيز لتحقيق أهداف البحث.
وعلى نحو ما يقول ( تيماشيف، 1972) إن النموذج المثالي ليس فرضاً ، إنه أداة أو وسيلة لتحليل الأحداث التاريخية الملموسة والمواقف ، وهذا التحليل يتطلب بدوره أن تكون المفاهيم محددة بدقة وواضحة إلى أبعد الحدود لكي تستطيع مواجهة النماذج المثالية ، فالنموذج المثالي إذن مفهوم محدود نقارن به المواقف الواقعية في الحياة والأفعال التي ندرسها ويذهب فيبر إلى أن دراسة الواقع الملموس على هذا النحو تمكننا من الحصول على علاقات سبية بين عناصر النموذج المثالي .
وتواجه النماذج المثالية لفيبر بعض الصعوبات فمثلاً بالنسبة لتصنيف فيبر الرباعي للفعل الاجتماعي وحيث تستند كل فئة من فئات الأفعال الأربعة إلى شكل معين من التوجيه السلوكي فهناك فئتان من الأفعال تتميزان بالعقلية إحداهما تستخدم الوسائل الملائمة لتحقيق الأهداف العقلية المختارة، والثانية تستعين بوسائل مشابهة لإشباع قيم مطلقة وأهداف أخلاقية أما الفئتان الأخريان من الأفعال فهما فئة الفعل التقليدي وفئة الفعل الوجداني وهو هنا يطرح سؤال هو إذا كان النموذج المثالي يرتكز على أساس الفعل العقلي فكيف يمكن بعد ذلك إقامة نماذج مثالية للأفعال غير العقلية.
تصور فيبر للبيروقراطية Bureaucratization : كثير من الناس يحملون كلمة بيروقراطية عكس معناها حيث أن الناس تربط مفهوم البيروقراطية بمفهوم الروتين وإن كان الأمر في الأساس عكس ذلك تماماً حيث أن البيروقراطية إنما تستهدف إلغاء الطابع الشخصي من حيث توزيع الأعمال أو طرق أدائها أو تقييم الأداء. وبمعنى آخر فإن البيروقراطية هي مجموعة النظم واللوائح التي تحدد السلوك التنظيمي كما يجب أن يكون اعتقادا بأن هذا السلوك يمثل أفضل سلوك يمكن التنظيم من تحقيق أهدافه واعتقادا بأن هذه اللوائح هي ضمان لحماية التنظيم من الفساد والتسيب والانحراف.
وبمعنى آخر فإن كلمة بيروقراطية تعني وببساطة البناء الاجتماعي المتسلسل لإدارة التنظيمات الضخمة بطريقة سليمة وبكفاءة وفعالية وبطريقة غير شخصية. وهو يشير إلى التغيرات التي تحدث في المنظمات الرسمية أو الأهلية بطريقة صحيحة لصنع القرارات لتحقيق الكفاءة والفعالية وتحقيق الأهداف. ونظراً للزيادة الكبيرة والتعقيدات في حجم المنظمات فإنها تكون في حاجة إلى تنسيق لتحقيق مزيد من الفاعلية والتي تصل إلى أقصى درجاتها عندما يكون هناك سيطرة تامة للإدارة والأدوار محددة وواضحة وكذا الحقوق والواجبات .
ويرى أن العالم القديم قد عرف البيروقراطية ويظهر ذلك بصورة جلية في مصر القديمة وبابل والصين والهند ومع تقدم المجتمعات وازدياد حاجات البشر ظهرت الحاجة إلى وجود منظمات متخصصة ومع ازدياد التقدم ظهرت المنظمات كبيرة الحجم ومنها ظهر مفهوم البيروقراطية بمعناه العلمي والذي وضعه عالم الاجتماع المشهور ماكس فيبر .
فالبيروقراطية ترتبط بالمنظمات كبيرة الحجم وهذا المنظمات تتميز بتعقد المشاكل التنظيمية والإدارية التي تواجهها فمن ناحية نجد أن العمل مقسم إلى أجزاء صغيرة وأن العمل الواحد يقوم به مجموعة من الأفراد ومن ناحية أخرى يضم التنظيم مستويات إدارية متعددة تجعل عملية الاتصال رأسياً وأفقياً في منتهى الصعوبة.
ومن ناحية ثالثة فإن العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين لا تصبح علاقة شخصية ومباشرة بحيث تصعب عملية تقييم كفاءة المرؤوسين . وفي ظل هذا المناخ التنظيمي المعقد يصبح من الضروري وجود لوائح ونظم وقواعد تحكم عملية تحديد الخطوط الفاصلة بين مختلف التخصصات ضماناً لعدم حدوث التضارب والاحتكاك بين الوحدات التنظيمية ويصبح من الضروري أيضاً وجود مسالك محددة للاتصال الرسمي تحددها الإدارة العليا وبهذه الوسيلة تتجرد الوظائف من شتى المؤشرات الشخصية التي قد تؤثر في أداء شاغلها لها.
والبيروقراطية طبقاً للمعنى السابق ضرورة حيوية لجميع المنظمات كبيرة الحجم وإذا أمكن تحويل المثالية إلى واقع فإنه تصبح أفضل شكل تنظيمي ممكن ولكن الذي يحدث عادة هو التمادي في تطبيق اللوائح والتماسك الحرفي بها .ومع طول تعدد العاملين في هذا المناخ ومع صعوبة تعديل اللوائح بما يتمشى مع التغيرات والمؤشرات التي سيتعرض لها التنظيم يزحف مرض الجمود إلى السلوك التنظيمي وتصبح المبادرات الشخصية شيئاً نادراً أو مخالفاً للتعليمات واللوائح. ومن ثم تبدأ الآثار السلبية للبيروقراطية في الظهور .
ولو حاولنا تتبع النظريات الكبرى للبيروقراطية لوجدنا أن مفهوم البيروقراطية لم يكن يشغل مكاناً بارزاً في فكر ماركس . وإن كان هذا لا ينكر أن ماركس قد درس مفهوم البيروقراطية واستخدمه في نطاق محدد تمثل في دراسة لجهاز الدولة وإدارتها كما طور أفكاره عنها حينما كان بصدد نقد فلسفة هيجل في الدولة فالجهاز الإداري في رأي هيجل يحقق الصلة الدائمة بين الدولة والمجتمع حيث يعتبر التنظيم البيروقراطي هو القنطرة التي تربط بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ويعتبر موقف ماركس من البيروقراطية وثيق الصلة بمعالجته لفكرة الاغتراب ذلك المفهوم الذي يشير إلى كافة الظروف والأوضاع التي تجعل البشر يبتعدون عن حياة البساطة الأولية بحيث ينفصل الإنسان عن بيئته الطبيعية التي تعد جزءاً منها وتنطبق فكرة الاغتراب تماماً على البيروقراطية من وجهة نظر ماركس حيث حققت البيروقراطية كياناً مستقلاً بعيداً عن سيطرة الإنسان ومحاولة فرض سيادتها عليه.
حيث يؤكد ماركس أن البيروقراطية كتنظيم تحطم كفاءة الفرد وتعوق قدرته على المبادأة والإبداع والتخيل وتحمل المسؤولية فماركس أعتبر البيروقراطية أداة الطبقة الرأسمالية لتدعيم مصالحها ولذلك فإن قيام ثورة البروليتاريا وظهور المجتمع اللاطبقي سوف يحكم جهاز الدولة البيروقراطية .
ويعتبر موقف لينين من البيروقراطية مشابهاً لموقف ماركس حيث أعتقد أن البيروقراطية ستشهد انهيارا تدريجياً عندما تتأسس ديكتاتورية البروليتاريا لأن الصراع ضد البيروقراطية سيكون من المهام الرئيسية للثورة.
وتعتبر إسهامات ماكس فيبر في هذا المجال كبيرة حيث أنه أستطاع أن يصوغ نظرية محددة للبيروقراطية تعتبر من النظريات الكبرى حيث كان فيبر مهتماً في دراسته للبيروقراطية بتحليل التغير الذي طرأ على التنظيم الاجتماعي في المجتمع الحديث فضلاً عن توضيح الخصائص أو المقومات النموذجية للتنظيمات الرسمية التي أصبحت تمثل أكثر أشكال التنظيم شيوعاً في هذا المجتمع ولذا فإنه كتاباته تعتبر قاعدة لنوعين من الدراسات هي الدراسات التاريخية التي تتبع التحول الواضح نحو البيروقراطية والبحوث الإمبيريقية التي تناولت أبعاد التنظيمات وخصائصها البنائية.
وترتكز تحليلات فيبر للبيروقراطية على تصوره لطبيعة علاقات القوة في المجتمع كما أهتم بنموذج لعلاقة القوة وهو ما أطلق عليه مصطلح السلطة وهو علاقة القوة بين الحاكم والأفراد حيث أن ممارسة السلطة على أعداد من الأفراد تقتضي وجود هيئة إدارية قادرة على تنفيذ الأوامر وتحقيق الصلة الدائمة بين الرؤساء والمرؤوسين وهكذا حاول فيبر أن يضح نماذج السلطة وفقاً لمعيارين هما : الاعتقاد في شرعية السلطة ووجود الجهاز الإداري الملائم.
ولقد ميز فيبر بين ثلاثة نماذج مثالية للسلطة تعتمد على تصورات مختلفة للشرعية هي :
1- السلطة الملهمة
2- السلطة التقليدية
3- السلطة القانونية
كما إهتم فيبر باستخدام مصطلح " التحول نحو البيروقراطية " استخداما واسعاً حيث أن هذا التحول مرتبط بظهور أنماط للسلوك والتفكير تشيع في كافة مجالات الحياة الاجتماعية نتيجة انتشار النزعة العقلية ، تلك التي تشير إلى الإحاطة النظرية بأبعاد الواقع من خلال مفاهيم محددة ومجردة والتوجيه المنظم نحو تحقيق هدف أو غاية معينة بعد دراسة كافة الوسائل الممكنة والمفاضلة بينها .
ومن نتائج هذا التصور للعقلانية ازدهار العلم وازدياد الاعتماد عليه كنسق فكري يوجه السلوك والعمل بدلاً من الاعتماد على التفسيرات والقيم والأفكار الغيبية والميتافيزيقية . فالفكرة المحورية وراء تحليله التاريخي تتمثل في الصراع بين الإلهام الذي يشير إلى ابتكار أو تجديد نتيجة قوى تلقائية تظهر في المجتمع وتتحكم في مساره وبين الروتين أو النظام الدقيق القائم على أسس معروفة وخطة محددة من قبل فليس من شك أن القيادة الملهمة قوة ثورية في العملية التاريخية.
علم اجتماع الديني عند فيبر : قد ماكس فيبر مجموعة من الدراسات يمكن أن تدخل تحت علم الاجتماع الديني لعل من أهمها تلك الدراسة التي حاول فيها أن يناهض الفكر الماركسي في أساسه وجوهره والتي تقع تحت عنوان الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية ، ثم قام فيبر بعد ذلك بدراسات مقارنة تناولت الأديان الكبرى والعلاقة بين الظروف الاجتماعية والاقتصادية من جهة والاتجاهات الدينية من جهة أخرى.
وعن الدور الذي الذي يلعبه الدين من خلال دراسات فيبر فإن ريمون آرون يقول " إن نقطة الانطلاق في دراسات فيبر عن علم الاجتماع الديني هما فيب اعتقاده بأن فهم أي اتجاه يحتاج من الباحث إلى إدراك تصور الفاعل للوجود بأكمله" إذ في ضوء هذا الاعتقاد حدد فيبر التساؤل الآتي لكي يجيب عليه دراساته .
إلى أي مدى تؤثر التصورات الدينية عن العالم والوجود في السلوك الاقتصادي لكافة المجتمعات : ويقول ( Aron, 1970) إن ماكس فيبر في دراسته لتأثير الأخلاق البروتستانتينية على الرأسمالية كان يريد أن يؤكد قضيتين هما :
1- أن سلوك الأفراد في مختلف المجتمعات يفهم في إطار تصورهم العام للوجود وتعتبر المعتقدات الدينية وتفسيرها إحدى هذا التصورات للعالم والتي تؤثر في سلوك الأفراد والجماعات بما في ذلك السلوك الاقتصادي.
2- إن التصورات الدينية هي بالفعل إحدى محددات السلوك الاقتصادي ومن ثم فهي تعد من أسباب تغير هذا السلوك .
على أن فيبر لم يعالج الجوانب المختلفة للدين بوصفه ظاهرة اجتماعية بل اكتفى بدراسة الأخلاقيات الاقتصادية للدين ويقصد منها ما يؤكد عليه الدين من قيم اقتصادية .
ويرى فيبر أن الرأسمالية الحديثة تمثل في حقيقة الأمر ظاهرة فريدة تنحصر خصائصها الأساسية فيما يلي: المشروع الاقتصادي القائم على التنظيم العقلي والذي تتم إدارته وفقاً لمبادئ علمية والثروات الخاصة والإنتاج من أجل السوق، والإنتاج للجماهير وعن طريقهم والإنتاج من أجل المال والحماس المتزايد والروح المعنوية العالية والكفاءة في العمل تلك التي تتطلب تفرغاً كاملاً من الفرد ليزاول مهنته أو عمله وهذا التفرغ يجعل من العمل المهني هدفاً ومطلباً رئيسياً في حياة الفرد وهذه الأخلاق المهنية تعتبر من السمات الواضحة لروح الرأسمالية الحديثة.
بيد أن الرأسمالية تتطلب كذلك وجود أفراد يتميزون بخصائص سيكولوجية معينة وظروف اجتماعية معينة فالتنظيم الرأسمالي لا يتحقق في مجتمع يتسم أفراده بالكسل ويتمسكون بمعتقدات خرافية ويتميزن بعدم الكفاءة كذلك فلابد من توافر مجموعة من الظروف إلى جانب الخصائص السيكولوجية التي ذكرها وهذه الظروف هي رأس مال عقلي وإدارة للعمل وامتلاك كل وسائل الإنتاج وتوفر وسيلة للإنتاج وشيوع قانون عقلي وازدياد العمل الحر وتسويق لمنتجات العمل.
ويذهب فيبر إلى أن ينيامين فرانكلين قد عبر بصدق عن السمات السيكولوجية اللازمة لوجود النظام الرأسمالي مثل أن الأمانة هي أفضل سياسة ، والحساب الدقيق ضرورة لأي عمل ، السلوك المنظم ، المثابرة ، الكفاية ، الصدق والإخلاص.
| |
|