منتديات جامعة باتنة 2
حـــــــــزب فـــرنــســا 1 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا حـــــــــزب فـــرنــســا 1 829894
ادارة المنتدي حـــــــــزب فـــرنــســا 1 103798
منتديات جامعة باتنة 2
حـــــــــزب فـــرنــســا 1 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا حـــــــــزب فـــرنــســا 1 829894
ادارة المنتدي حـــــــــزب فـــرنــســا 1 103798
منتديات جامعة باتنة 2
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لاندعي أننا الأفضل لكننا نقدم الأفضل
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
<

 

 حـــــــــزب فـــرنــســا 1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
MAZOUZ MOHAMED
...::|رئيس المنتدى|::...
...::|رئيس المنتدى|::...
MAZOUZ MOHAMED


مساهماتي : 5235
تاريخ الميلادي: : 01/07/1991
تاريخ التسجيل : 22/07/2009
عمـــري: : 33
الموقع : www.univ-batna2.alafdal.net

حـــــــــزب فـــرنــســا 1 Empty
مُساهمةموضوع: حـــــــــزب فـــرنــســا 1   حـــــــــزب فـــرنــســا 1 Icon_minitimeالسبت 22 يناير - 16:06



حـــــــــزب فـــرنــســا 1


مدخــــــــــل

إن الوضعية التي تعرفها الجزائر الآن خطيرة جدًا
وعلى جميع الأصعدة، فلم تعرف الجزائر قط مثل هذا العنف منذ استقلالها عام
1962. وتعود أسباب الأزمة السياسية إلى طبيعة النظام نفسه.
لقد أدى غياب الديمقراطية والحريات والشفافية في
تسيير المؤسسات، وغياب فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، زيادة
على المواجهة بين جماعات القوى في دواليب النظام، وهذا خلال العشريات
الأربع الأخيرة، إلى تغذية أزمة الثقة التي قرضت تدريجيا النظام الجزائري
قبل أن تزعزعه زعزعة أدت في الأخير إلى انفجار الوضع السياسي والاجتماعي في
نهاية العشرية 1990.
أخذت الأزمة السياسية وجهًا مأساويا منذ انقلاب
1992، عندما قام بعض الجنرالات «الفارين» من الجيش الفرنسي بمصادرة الحكم.

كان لهذا الاستيلاء على الدولة ومؤسساتها من طرف
مجموعة أقلية تضع نفسها فوق الدستور وقوانين الجمهورية، عواقب وخيمة على
جميع الأصعدة.
فلا الهجوم الإعلامي المتواصل داخليا وخارجيا، ولا
تشويه الوقائع، ولا التصعيد في سياسة التعتيم الإعلامي عن طريق العمل
البسيكولوجي والإشاعات، ولا حجب المشاكل الأساسية من طرف السلطة استطاعت
خنق الحقيقة ولا خداع الشعب خلال هذه المرحلة الطويلة.
فالنظام يقدم الأزمة الجزائرية منذ إلغاء
الانتخابات التشريعية في جانفي 1992 على أنها نتيجة «التهديد الإسلامي»
الذي يضع البلد ومؤسساته في خطر. ويريد النظام إيهام الرأي العام الوطني
والدولي بأن هذا هو الجانب الوحيد الذي يشكل المواجهة بين الجبهة
الإسلامية للإنقاذ والسلطة، ويمثل المعضلة التي لا يمكن حلها إلا بنظرة
أمنية وممارسات بوليسية، لكن هذا الادعاء الساذج بالثنائية القطبية للحياة
السياسية لا يستسيغها أحد في الجزائر. فالواقع السياسي والاجتماعي في
الجزائر أكثر تعقيدًا بكثير من هذا.
لهذا، فإن هناك بعض الحقائق التي يجب التذكير بها
والإشارة إليها حتى نستطيع الإحاطة بصفة صحيحة بالأبعاد الحقيقية للمأساة
الحالية، فضلا عن رهانات الصراع الجاري في الجزائر والذي ستحدد نتيجته
مستقبل البلد.
في الحقيقة، كثيرون هم الذين في الغرب وفي العالم
العربي وفي إفريقيا وفي أوروبا وغيرها، لا يفهمون لماذا تغرق الجزائر في
حرب داخلية شنيعة مدة ثماني سنوات، ولا يفهمون لماذا وصل الجزائريون فيما
بينهم إلى حدّ التقاتل، والتباغض والاحتقار والإقصاء فيما بينهم، بل أن
كثيرًا من المراقبين المتبصرين والخبراء الأجانب المختصين في الشؤون
الجزائرية لم يفهموا شيئا طوال مدة من الزمن.
كانت الجزائر في الماضي، تتباهى بإرثها الذي
أحرزته بفضل مقاومتها للاستعمار الفرنسي، وبفضل حربها الوطنية التحريرية،
وهو إرث أبّده، بعد الاستقلال، دورها الفعال في العالم داخل حركة الدول
غير المنحازة (دعم القضية الفلسطينية والقضية الفيتنامية فضلا عن الحركات
التحررية في إفريقيا، والتنديد بالميز العنصري في إفريقيا الجنوبية
وغيرها...)
أما اليوم، فالجزائر تمزقها الحلقة الجهنمية العنف
مقابل القمع، ومأساة لم يسبق لها نظير. فتصاعد الرعب يتعدى العقل
والمنطق. فكيف وصلت الجزائر إلى هذه الوضعية؟ إن السؤال جد معقد ويقودنا
إلى عدة تساؤلات، يحاول هذا الكتاب الإجابة عليها بالرجوع إلى حرب التحرير
الوطنية مع إلقاء الضوء في نفس الوقت على الفترة التي تلت الاستقلال.
في الواقع، يشكل التداخل المعقد للأسباب الداخلية
والخارجية، البعيدة والقريبة خلفية الأزمة المتعددة الأبعاد التي رمت
بالجزائر في وضعية لا يمكن إخراجها منها في نهاية القرن العشرين.
إن الجزائر بالفعل مستقلة منذ حوالي 38 عامًا،
لكنها كانت مستعمرة فرنسية خلال 132 عامًا. لقد كان احتلال الجزائر، من
1830 حتى 1962، يشبه مسارًا متواصلاً يطبعه الاعتداء العسكري والاستبداد
السياسي والعنف القضائي والقمع الثقافي والاستغلال الاقتصادي الفادح
لفائدة أقلية مرتبطة بسلطة الاحتلال.
لقد ساهــم الجيـــش والشرطـــة والإدارة
والمدرســـة الفرنســية خــلال 132 عامًا في تكــوين نُخَب، مقطوعــة عن
الشعب الجزائري ومرتبطة بسلطة الاحتلال بكل أشكال الامتيازات.
كان اندلاع حرب التحرير في نوفمبر 1954 حاملا
للأمل، وكانت الثورة واعدة، وكان من المفترض أن يدشن الاستقلال عهدًا
جديدًا يضع حدًا للاستبداد وحيث يتحتم على ترقية الإنسان والحريات
والعدالة السماح ببروز قادة وإطارات تنظر إلى المستقبل لإخراج الجزائر من
الجهل والأمراض والفقر بفضل سياسة تنموية واقتصادية واجتماعية لصالح
الشعب.
لكن، وفي عز حرب التحرير وفي الوقت الذي كان يبدو
فيه استقلال الجزائر أمرًا حتميًا، كانت فرنسا تتطلع إلى سياسة تهدف إلى
تأبيد وجودها السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الجزائر.
قامت فرنسا لهذا الغرض بالمناورة على عدة أصعدة
في الوقت نفسه بغية ضمان رقابتها للتطور السياسي والاقتصادي والثقافي
المستقبلي للجزائر بعد الاستقلال، قامت فرنسا لهذا الغرض بتشجيع بروز قوة
ثالثة، تتكون من متعاونين مدنيين وعسكريين موالين لها.
لقد عمدت كذلك إلى تنظيم اختراق جيش التحرير
الوطني من طرف دفعات متتالية من «الفارين» من الجيش الفرنسي في سنوات 1958
و1959 و1961 ليتمكنوا من اكتساب الشرعية الثورية وصفة المجاهدين عندما
تحصل الجزائر على استقلالها، من أجل التحكم على أعلى مستوى في الجيش
الجزائري المستقبلي الذي سيكون مشكلا مدنيا من «القوة المحلية» كما سنرى
في الفصول 1 و2 و3.
إن كتابنا لا يعني كل «الفارين» من الجيش الفرنسي،
بل يعني فئة خاصة من العسكريين الجزائريين الذين عملوا في الجيش الفرنسي
والذين يكونون قد أرسلوا في مهمة لدى جبهة التحرير الوطني في تونس في
دفعات متتالية سنوات 1958 و1959 و1961. لقد بينت لنا، بالفعل، تجربة الحرب
التحريرية أنه كان هناك «فارون» وطنيون ومخلصون، مارسوا مسؤوليات هامة
داخل صفوف جيش التحرير الوطني مثل محمود شريف (الذي أصبح عضوًا في الحكومة
المؤقتة للجمهورية الجزائرية)، أو عبد الرحمان بن سالم (قائد منطقة
العمليات للشمال بالحدود الشرقية بين 1960 و1962) أو عبد الله بلهوشات
(قائد الناحية العسكرية الخامسة ثم الناحية العسكرية الأولى بين 1964 و1978
والقائد العام للقوات المسلحة بين 1987 و1989). كان هناك أيضًا عدد كبير
من «الفارين» الذين التحقوا بجيش التحرير الوطني في الداخل والذي اندمجوا
فيه بصفة كاملة، والذين برهنوا على تفانيهم وتضحياتهم في الميدان والذين
سقط منهم الكثير في ميدان الشرف. وكان هناك، أخيرا، «فارون» وطنيون ونزهاء
مازالوا على قيد الحياة مثل مختار كركب (قائد فيلق بين 1960 و1962) أو عبد
الحميد لطرش (الأمين العام لوزارة الدفاع بين 1971 و1978) أو السعيد آيت
مسعودان (وزير لعدة مرات في عهد بومدين والشاذلي) أو عبد النور بقة (قائد
فيلق بين 1960 و1962 ووزيرًا للشباب والرياضة في عهد الشاذلي)، كل هؤلاء
لا يدخلون ضمن دراستنا.
في الوقت نفسه، ومن بين «الفارين» من الجيش
الفرنسي الذين لم يلتحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني أو بالجبال بل بجبهة
التحرير الوطني في تونس، كانت هناك فئة كانت تستطيع العمل تحت الأوامر لكن
كان عددها محدودًا جدًا. كان هؤلاء «الفارون» يريدون دخول الثورة من
الباب الواسع وكسب ثقة قادة الثورة والحصول بذلك على الشرعية اللازمة
للقيام «بمهمتهم» على أكمل وجه. لقد استُعمر هؤلاء في فكرهم، فبقوا
مرتبطين ثقافيًا بفرنسا بعد الاستقلال وكانوا يشكلون (ومازال الأمر قائمًا
بالنسبة للذين هم دائمًا على قيد الحياة) مجموعة ضغط متآزرة على شكل
عصابة.
إن هذه الأقلية النشطة التي يلهب جوانحها طموح
مفرط والتي تتحرك لتحقيق سياسة المسخ الثقافي والحضاري للجزائر هي التي
أصفها في هذا الكتاب. هذه الفئة المحدودة جدًا في العدد هي المقصودة
بتسمية «الفارين» في هذا الكتاب.
وفي الأخير، تمَّ اتخاذ إجراءات من أجل «تسهيل»
الدخول للإدارة أمام عمال وإطارات منفذين جزائريين تكونوا في قالب
استعماري، في إطار الترقية الاجتماعية التي شرع فيها لهذا الغرض منذ 1956.
وتشكل الإدارة الفرنسية التي ورثتها الجزائر المستقلة فخّـًا سينهك للأبد
عاتق المواطنين. لقد سَهَّلَ مجموع هذه العوامل بروز بيروقراطية مافياوية
تتشكل نواتها القوية من «الفارين» من الجيش الفرنسي.
إن هذا الكتاب يراد منه أن يكون شهادة حول
المراحل المتواصلة التي تركت بصماتها على تطور الجزائر بين 1958 و1999.
سأحاول أن أبين كيف استفادت مجموعة «الفارين» من
الجيش الفرنسي، خلال هذه الفترة، من الصراعات التي هزت جبهة وجيش التحرير
الوطني خلال حرب التحرير، ومن الأزمات المختلفة التي عاشتها الجزائر بعد
الاستقلال والتي جرّت معها كل مرة إبعاد مسؤولين وطنيين سياسيين وعسكريين
ليُسْتَبْدَلَ بهم أناسٌ أكثر انقيادًا.
إنه لمن المثير للفضول أن أشير في هذا الصدد إلى
أن الجزائر تمثل، في تاريخ نزع الاستعمار، حالة وحيدة من نوعها. فقد تم
إحراز الاستقلال بفضل الكفاح المسلح والتضحيات الجسام التي بذلها الشعب
الجزائري. لكن القضاء على الاستعمار طُبع في نفس الوقت بانفجار الحركة
الوطنية في 1962 وبالسطو على الثورة وتحويلها من طرف الاستعمار
الجديدولصالحه.
إن هذه الملاحظة المؤلمة لا تقلل في شيء من الدور
الحاسم الذي لعبه مسؤولو الثورة من أجل تحقيق المثل الوطني الأعلى، ألا
وهو استقلال الجزائر بالكفاح المسلح. وسيحفظ التاريخ في كل الأحوال بكون
قادة مثل زيغوت يوسف وكريم بلقاسم ولخضر بن طوبال وعبد الحفيظ بوصوف وعبان
رمضان، وأكتفي بذكر بعض ممن عرفتهم، يعدون، رغم اختلافاتهم وآرائهم
المتعارضة في المجال التاكتيكي من حين إلى آخر، ورغم الحوادث العارضة،
رجالاً عظماء ووطنيين كبـــارًا متفانــين عملــوا كل شـيء بضـراوة وصبـر،
وبمثــابرة ووعـي لتحـريـر الجزائر من نير الاحتلال.
في هذا الوقت، سمحت وضعية الجزائر التي أحرزت
استقلالها في مناخ الأزمة الخطيرة التي تواجه فيها الحكومة المؤقتة
للجمهورية الجزائرية والقيادة العامة للجيش، ببروز «الفارين» من الجيش
الفرنسي في قمة الهيئة العسكرية، لاسيما داخل وزارة الدفاع والدرك الوطني
(التي سيطروا عليها كلية منذ 1962) ليمتد إلى القطاعات الاستراتيجية مع
مرور الوقت.
لقد استعارت مجموعة «الفارين» من الحركة الوطنية لغتها ومناهجها لتعزيز مواقعهم وللوصول إلى أهدافهم.
إن المناداة الدائمة والثابتة بضرورة بناء دولة
قوية وقادرة والحفاظ على الوحدة الوطنية تعد في الواقع حجة واهية لإخفاء
رغبتهم في الوصول إلى السلطة ثم البقاء فيها، ولإخفاء ارتيابهم من مواجهة
الشعب والتيارات السياسية الموجودة، فضلاً عن احتقارهم التام للحريات
الأساسية والممارسة الديمقراطية. وسينكب «الفارون» وحلفاؤهم داخل مختلف
الأجهزة على التنظيم التدريجي، ابتداءً من انقلاب 1965 بالضبط، لاستخلاف
الإطارات الوطنية والنزيهة بإطارات من الفئة الفرانكوفونية عبر الأيام
وحسب الأحداث والظروف، هدفهم من ذلك دفن، وذلك بكل ما أوتوا من قوة، رموز
وثوابت الأمة الثورة والجزائر العميقة، منتظرين اللحظة الملائمة للرمي
بالبلاد تحت الهيمنة الثقافية والسياسة الفرنسية. وكان عليهم انتظار جانفي
1992 لتحقيق هدفهم عن طريق الانقلاب. لقد أصبح التسلــط والإقصــاء
واستعمــال قوة السلاح ضد القناعات السياسية المختلفة والقمع في جميع
أشكاله سياستهم من أجل الاحتفاظ بالسلطة. إن الأحداث المستعرضة بجرأة في
هذا الكتاب قد عشتها كفاعل وشاهد وملاحظ طوال هذه الفترة الكبيرة.
كانت الثورة بالنسبة إليّ أكبر ممارسة. لقد انتسبت
إليها بكل عزيمة منذ 1955 في سن 19، وبقيت وفيًا دائما لمبادئ أول نوفمبر
1954 وللقيم الأصيلة التي يتعلق بها الشعب ويتمسك بها بكل وجدانه، وهي
الحرية والتقدم والوفاء والعدالة الاجتماعية التي تمارس في إطار متفتح
وشفاف وخالية من كل وصاية ومن كل تسلط ومن كل بيروقراطية. لقد رفضت دومًا
العمل بذهنية التفرقة مهما تكن الوظائف التي مارستها خلال حرب التحرير أو
بعد الاستقلال. كنت أضع دائمًا الصالح العام والهدف الأسمى للعدالة
الاجتماعية فوق كل اعتبار آخر، رغم المحاولات المتكررة والعراقيل المتعددة،
بل حتى التهديدات الصادرة عن الأجهزة بغية شل عمل الإطارات الوطنية
المتفانية والمعروفة باستقامتها وروحها الاستقلالية. إنّه، بالفعل، لمن
الصعب على مسؤول سياسي شريف ممارسة وظائف حكومية بصفة صحيحة، نظرًا
للصعوبات والعراقيل التي يضعها في طريقه أبناء النظام، بعيدًا عن الوطنية
التي ترعرعت وتربت فيها. لقد حاربت بضراوة خلال العشر سنوات التي كنت فيها
مسؤولا حكوميًا.
ولم أوفق دائمًا في الحصول على الموافقة على
الإصلاحات التي كانت البلاد في أمس الحاجة إليها. فقد كانت المعارضة
والتردد سلعة رائجة بل وحتى العداء. وكانت تتخذ أشكالا متعددة. فمنذ دخولي
الحكومة في 1979، وبعد عرض الملفات الأولى في مجلس الوزراء، عمد أبناء
النظام إلى نعتي بجميع النعوت حسب الظروف والأحداث عن طريق الإشاعة بغية
ضرب مصداقيتي. ففي 1979 و1980 أطلقوا عليّ نعت «الوردي»، أي القريب من
الشيوعيين، ثم بين 1980 و1981 أثناء الإعداد لتطبيق الإصلاحات الأولى
المتعلقة بإعادة هيكلة المؤسسات العمومية، والمتعلقة بتشجيع الاستثمارات
الخاصة الوطنية والأجنبية وبإنشاء مؤسسات اقتصادية مختلطة مع شركاء أجانب،
كانت الإشاعة تظهرني كممثل للشركات المتعددة الجنسيات، وبين 1982 و1986
نعتوني «بالإخواني» لأنني كنت أتردد على المسجد. ولأن ذلك تزامن خاصة مع
صعود الحركة الإسلامية، في حين أني كنت أتردد دائمًا على المسجد قبل 1982
وبعد 1986. وبين 1986 و1988، عندما دافعت عن مصالح الجزائر لمعارضتي لبعض
الصفقات الكبيرة والتي كانت غير متوازنة إلى حد لا يمكن وصفه، وهي الصفقات
التي كان يدافع عنها ويرعاها العربي بلخير وحاشيته، الذين كانوا يشيعون
أني مُوالٍ لأمريكا وأني أملك فنادق في الولايات المتحدة، في حين أن الكل
يعلم أني لم أملك قط أي مدخول خارج مرتبي.
إن أبناء النظام لا يصدهم شيء من أجل ضمان ديمومة
النظام. وهكذا، كانت أحداث أكتوبر، على سبيل المثال، مخططة من طرف أبناء
النظام لإنقاذ نظامهم وتحسين مواقعهم، كل في مجال اختصاصه، في هرم السلطة.
هذه الأحداث المدبرة والمنظمة بطريقة ميكيافيلية تمثل مرحلة حاسمة نحو
انقلاب جانفي 1992 التي كرست مجموعة «الفارين» من الجيش الفرنسي، هذا
الانقلاب الذي افتتح مرحلة طويلة من العنف والرداءة وعدم الاستقرار.


لـــقـــد حان الوقـــت للعـــودة إلى المســــار
الديمقراطــــي والســيادة الشعبية، وهمـــا الضامنــــان الوحيـــدان
لإعــــادة الثقـــة بين الحاكــم والمحـكـوم، واستعادة السلم والاستقرار.

القســــــم الأول

المرحلة التحضيرية للانتقال من الاستعمار
إلى الاستعمار الجديد
إن التوجه السياسي لفرنسا في تعاملها مع الجزائر
بعد وصول الجنرال ديغول إلى الحكم قد تُرجم بتطبيق استراتيجية شاملة تهدف
إلى استبدال نظام استعماري جديد بنظام استعماري، لمنع الجزائر من استعادة
مكانتها الطبيعية في العالم العربي الإسلامي بعد حصولها على الاستقلال.
وتهدف أيضا إلى تفادي ابتعاد الجزائر المستقلة عن فرنسا على الصعيد السياسي
والاقتصادي والثقافي، ومنعها من إعادة بناء نفسها على أسس مستقلة لتلبية
تطلعات الشعب الجزائري الذي بقي متشبثا بكل جوارحه بالإسلام وقيمه التي
تدعو بصفة خاصة إلى الحرية والوحدة والأخوة والتضامن والعدالة الاجتماعية.
فمنذ البداية، كان الجنرال ديغول، على ما يبدو،
مقتنعًا بالمجيء الحتمي للاستقلال السياسي للجزائر. لكنه لم يدخّر أي جهد
لتحطيم الحركة المسلحة للتحرير الوطني وذلك بتعزيز الطاقة العسكرية
الفرنسية بصفة معتبرة. فعمليات الجيش الفرنسي الأكثر حدة والأكثر ضراوة
التي خاضها منذ نوفمبر 1954 ضد جيش التحرير الوطني وضد الشعب الجزائري
لاسيما في المناطق الجبلية والريفية كانت في ظل حكومة ديغول. وكان الهدف
استنزاف دم الجزائر العميقة وذلك بضربها في الصميم.
لكن، وبالموازاة مع التعزيزات التي لم يسبق لها
مثيل للجيش الفرنسي في عملياته القمعية والوحشية اليومية ضد الشعب
الجزائري، سواء في الأرياف أو في المدن، كان شارل ديغول يتطلع إلى
استراتيجية تهدف إلى تحويل الثورة الجزائرية عن مسارها الذي كان قد حدده
بيان أول نوفمبر 1954.
كانت هذه الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز الوجود الفرنسي في الجزائر المستقلة في جميع الميادين.
وفي هذا الإطار، تم اتخاذ عدة تدابير خاصة
بالجزائر منذ سنة 1958 على الصعيد السياسي والعسكري والإداري والاقتصادي
والثقافي حتى تبقى الجزائر مرتبطة تماما وإلى الأبد بفرنسا بعد استعادة
استقلالها الشكلي، الذي كان ينظر إليه كحتمية. لقد جاءت هذه الإجراءات
لتضاف إلى إجراءات أخرى اتخذتها مختلف الحكومات الفرنسية منذ اندلاع حرب
التحرير، وذلك في إطار استراتيجية محددة.
لقد تم تقديم هذه الاستراتيجية تحت التسمية
الجذابة «الجزائر الجزائرية» للتجديد وإزالة تسمية «الجزائر الفرنسية»،
التي كانت الحكومة الفرنسية تدافع عنها رسميا قبل ذلك. وتهدف هذه
الاستراتيجية خاصة إلى استدراج الجزائريين في هذا الاتجاه لإضعاف جبهة
التحرير الوطني، بل حتى تهميشها.
فالجزائريون، سواءٌ كانوا مدنيين أو عسكريين،
الذين قيدوا في هذا الطريق ليشكلوا «القوة الثالثة»، لا يمكن اعتبارهم
جميعا عملاء في خدمة فرنسا الاستعمارية. لقد كان بالتأكيد بينهم الكثيرون
من ذوي النية الحسنة، كما كان هناك انتهازيون وأناس سلكوا ذلك المسلك خوفا
أو تحت تأثير غريزة البقاء.
إن دراستنا لن تطول بالنسبة لمختلف هذه الفئات
التي التحقت، في وقت أوفي آخر، بقضية «الجزائر الجزائرية» لأسباب تاكتيكية
أو عارضة. وتخص دراستنا فئة معينة من العسكريين الجزائريين الذين عملوا
في الجيش الفرنسي والذين يكونون قد أرسلوا في مهمة لدى جبهة التحرير
الوطني بتونس في دفعات متتالية بين 1958 و1961، والذين كان يطلق عليهم إذن
اسم «الفارين» من الجيش الفرنسي. لا نهدف هنا إلى الحديث عن جميع
«الفارين» على قدم المساواة. لقد علمتنا تجربة حرب التحرير في الواقع، أنه
كان هناك «فارون» وطنيون ونزهاء، الذين مارسوا، على كل حال، مسؤوليات
هامة في صفوف جيش التحرير الوطني مثل محمد شريف (قائد الولاية الأولى في
1957 وعضو في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 1958) أو عبد
الرحمان بن سالم (قائد فيلق، ثم مسؤول منطقة العمليات للشمال بين 1960
و1962) أو عبد الله بلهوشات (قائد الناحية العسكرية الخامسة، ثم الناحية
العسكرية الأولى بين 1964 و1978، والقائد العام للقوات المسلحة بين 1987
و1989). وكان هناك أيضا عدد كبير من «الفارين» الذين التحقوا بصفوف جيش
التحرير الوطني في الداخل وبرهنوا على شجاعتهم وتفانيهم في الميدان، وقد
سقط منهم كثيرون في ميدان الشرف. وكان هناك أخيرا «فارون» وطنيون نزهاء
مثل مختار كركب (قائد فيلق بين 1960 و1962)، أو عبد الحميد الأطرش (الأمين
العام لوزارة الدفاع بين 1971 و1978) أو سعيد آيت مسعودان (عدة مرات وزير
في عهد بومدين وفي عهد الشاذلي) أو عبد النور بقة (قائد فيلق بين 1960
و1962 ووزير للشباب والرياضة في عهد الشاذلي).
يعيــــدنا الفصـــــل الأول إلى الظـــروف
التاريخية التي تكونت فيها هذه الطغمة زيادة على مجيء البنية التقنية ذات
التوجه الفرنسي التي ربطت معها هذه الطغمة تحالفات صلبة. ويفيدنا هذا
الفصل بعناصر موجهة لإلقاء الضوء على مناطق الظل حتى نلم أكثر بأسباب
المأساة الجزائرية التي تعقدت مع الأيام بعد الاستقلال.


الفصل الأول

«الجزائر الجزائرية» المؤسّسة على «القوة الثالثة»:

الطريق المباشر إلى الاستعمار الجديد
1 - «الجزائر الجزائرية»
إن مصطلح «الجزائر الجزائرية»(1) الذي استعمله
ديغول بالمناسبة يمثل الخلفية والتوجه والإيديولوجية، نوعا ما، والغطاء
السياسي، حتى لا نقول الغلاف، لهذه الإستراتيجية الشاملة. فهذا المصطلح
ليس وسطيا ولا متبذلا، ويظهر مغريا للشعب الجزائري، لكنه لا يعدو أن يكون
غير عدائي. فالمقصود منه حقيقة هي سياســة تهــدف أساسًا إلى قطـع صلة
الجزائر بعروبتها وانتمائها للإسلام الذي طبعها مدة 14 قرنا.
يجدر في هذا الصدد أن نوضح أولا مصطلحي «القوة
الثالثة» و«الجزائر الجزائرية» مع التذكير بمحتوى استيراتيجية فرنسا في هذا
الشأن.
لقد فعل ديغول بكل ما بوسعه للإبقاء على الوضع
الاستعماري للجزائر وإن كان قد تقبل مبدأ الاستقلال منذ وقت طويل كما أشار
إلى ذلك عدة مؤرخين فرنسيين. لكن الأحداث تبين جليا أنه لم يكن ينظر إلى
استقلال الجزائر إلا كإجراء أخير، بعد أن استنفذ جميع الوسائل. لهذا كان
تعزيز القدرة العسكرية الفرنسية كخيار حتمي قد فرض نفسه، لاسيما منذ 1958.
وقد ترجم هذا أيضا بالرفع من المجندين من تعداد
«الفرنسيين المسلمين» الذين يعملون كإضافيين لتدعيم الجيش الفرنسي في
مجهوده الحربي. حيث يقدر عدد المتعاونين الجزائريين المسجلين مع فرنسا في
مارس 1962 بمائتين وخمسين ألف رجل من بينهم 160000 احتياطي. هناك ارقام
مختلفة تتحدث عنها مصادر كثيرة. لكن يبدو أن رقم 250000(الذي يؤكده محند
حمومو) هو المعقول(1).
ويشمل هذا الرقم العسكريين المهنييين وجنود الخدمة العسكرية «المسلمين».
والإضافيين والمتعاونيين المدنيين الذين يمارسون
وظائف إدارية أو يمثلون النخب التي تعمل كواسطة بين سلطة الاحتلال والشعب
الجزائري الذي تتولى تسيير شؤونه.
إن توظيف الجزائريين «المسلمين» والإعتناء بعمالة
مدنية وعسكرية بهذه الأهمية يهدف إلى ربط الجزائر بفرنسا تحت أشكال جديدة.

الهدف الأول من استعمال هذه القوة الهائلة من
الأهالي هو تحطيم جيش وجبهة التحرير الوطني، ولتظهر فرنسا بهذا للشعب
الجزائري أن هناك بدائل أخرى غير الاستقلال «كالاندماج» مثلا أو
«الاستقلالية والإتحاد مع فرنسا» كما يقترحه ديغول في خطابه حول تقرير
المصير في سبتمبر 1959.
فمن الطبيعي أن يشكِّل المتعاونيين العسكريين
والمدنيين دعامة لنظام سياسي متجدد، وهياكل لجزائر جديدة تكون قد اختارت
«الاندماج» أو «الاتحاد» مع فرنسا. ويتعلق الأمر بتشجيع بروز «قوة ثالثة»
تكون وسطية بين من يريدون جزائر فرنسية والمدافعين عن استقلال الجزائر.
سيكون لهذه القوة «الثالثة» (المكونة من النخبة السياسية والجيش والشرطة
والادارة) المعارضة لجبهة التحرير الوطني والمتميزة عن المعمرين مهمة إدامة
الهيمنة الفرنسية ووجودها في الجزائر في جميع المجالات. بعبارة أخرى، لن
يبقى تسيير شؤون الجزائريين تتحكم فيه مباشرة فرنسا، مثلما كان عليه الأمر
في ظل نظام الاحتلال، لكن بواسطة جزائريين ذوي توجه فرنسي أُعِدُّوا
للمناسبة في «قوة ثالثة».
على كــل حــــال، فمـــنـــذ 1830 وطـــوال 130
عامـــا، كان احتــــلال الجـــزائر عبارة عن مسار متواصل يطبعه العدوان
العسكري والقمع السياسي والعنف القضائي والإضطهاد الثقافي والاستغلال
الاقتصادي الفادح لفائدة المعمرين وأقلية من «الفرنسيين المسلمين» المقطوعة
عن الشعب الجزائري والمرتبطة بقوى الاحتلال بامتيازات من كل نوع. إذن
«فحزب فرنسا» كان موجودًا دائما منذ القرن التاسع عشر. ويضم في صفوفه عدة
فئات من الموظفين المهنيين والاجتماعيين (عسكريين وموظفين وأصحاب مهن حرة
وأصحاب أملاك ومقاولين). لقد قامت المدرسة والجيش الفرنسي نوعا ما باستلاب
هذه النخب لصالح الدولة الاستعمارية التي كانت تكفل لهم وضعية متميزة عن
الشعب الجزائري(1). إن تيار « حزب فرنسا» هذا الذي أطلق عليه بالمناسبة إسم
«القوة الثالثة» والذي حاولت فرنسا تأسيسه قبل 1962 على شكل مؤسسات بغية
التحكم في مصير الدولة الجديدة، نابع من المخطط الاستعماري الجديد. هؤلاء
الجزائريون الموالون لفرنسا المشكلون في «قوة ثالثة» (أطلق عليهم فيما بعد
اسم «حزب فرنسا» الذي سيقع على عاتقه إقامة هذه المؤسسات بحصولهم على
الحكم بتزكية فرنسا.
وتتوفر فرنسا لهذا الغرض على وسائل بشرية ومادية
ومالية معتبرة لتجسيد مشروعها المتمثل في «القوة الثالثة» لكن خارج الشعب
الجزائري، بل حتى ضده. يتمثل الهدف النهائي طبعًا في الإبقاء على الهيمنة
الفرنسية في الجزائر لاسيما على الصعيدين الاقتصادي والثقافي. ولإخفاء
النوايا الاستعمارية الجديدة لهذا المشروع تم إضفاء اسم غامض عليه وهو
«الجزائر الجزائرية».
هذا المصطلح يبدو ظاهره عاديًا ولا يدعو لأية
معارضة، لكن باطنه يحوي الكثير، وقد استعمله ديغول ورجال السياسة
الفرنسيون ووسائل الإعلام خلال السنتين الأخيرتين من حرب التحرير.
يفهم من هذا المفهوم أن فرنسا مستعدة إلى أقصى حد
لقبول استقلال الجزائر السياسي لكن بإفراغ محتواه. يعني هذا على الخصوص
أن فرنسا لن تقبل أن تسترجع الجزائر شخصيتها الأصلية المبنية على العروبة
والإسلام. لم تكن الفكرة في هذا السياق إلاّ لأن تُعجِب فرنسا، وهو أن ترى
الجزائر مستقلة شكليًا لكن ضعيفة واهنة منبطحة ومرتبطة بفرنسا في
المجالات الاستراتيجية.
إن تصور فرنسا «للجزائر الجزائرية» يفترض بكل وضوح
الحفاظ على «الإشعاع الثقافي الفرنسي» وذلك بالإبقاء على الفرنسية كلغة
رسمية للجزائر المستقلة على حساب اللغة العربية. وهذا يؤدي في الوقت نفسه
إلى الحفاظ على المصالح الاقتصادية لفرنسا بعد الاستقلال، بل أن اللغة
العربية تم التضحية بها في مذبح إيفيان، كما سنرى لاحقًا.
لقد ترجمت فكرة «الجزائر الجزائرية» بإعداد
وتطبيق استراتيجية حقيقية اُستُكملت في عهد ديغول وتهدف إلى إبقاء الجزائر
«المستقلة» في أحضان فرنسا.
وهكذا كان إنشاء «قوة (مسلحة) محلية» وتنظيم
الإدارة والاقتصاد يتفق مع هذا الانشغال الأعظم وذلك بتزويد الجزائر
بأجهزة مناسبة موالية لفرنسا وبخلق نظام سياسي واجتماعي يعارض أهداف جبهة
التحرير الوطني وتطلعات الشعب الجزائري، قبل حصوله على الاستقلال بوقت
طويل. وهكذا تم تلغيم الجزائر عند نهاية فترة الاحتلال.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.univ-batna2.alafdal.net
MAZOUZ MOHAMED
...::|رئيس المنتدى|::...
...::|رئيس المنتدى|::...
MAZOUZ MOHAMED


مساهماتي : 5235
تاريخ الميلادي: : 01/07/1991
تاريخ التسجيل : 22/07/2009
عمـــري: : 33
الموقع : www.univ-batna2.alafdal.net

حـــــــــزب فـــرنــســا 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: حـــــــــزب فـــرنــســا 1   حـــــــــزب فـــرنــســا 1 Icon_minitimeالسبت 22 يناير - 16:08


سنعود إلى هذه المسائل بإيجاز لندعم بها أقوالنا
ونكشف عن تعقد الأزمة التي تتخبط فيها الجزائر منذ الاستقلال، لاسيما خلال
العشرية الحمراء لسنوات 1990.

2 - ««القوة المحلية»» أو جيش ««الجزائر الجزائرية»»:
لقد سمح خطاب الجنرال ديغول حول تقرير مصير
الجزائر في سبتمبر 1959 للحكومة الفرنسية بالتخطيط، ابتداءً من 1960،
لإنشاء «قوة محلية» انطلاقًا من الاحتياطيين لتشكيل «نواة الجيش»، أي
النواة القوية «للجزائر الجزائرية»(1) المستقبلية.
ففي سنة 1961 قام الجنرال «آيري» القائد الأعلى
للقوات المسلحة في الجزائر، بتوجيه مشروع «القوة المحلية» إلى وزير الجيوش.
يتعين على «القوة المحلية» أن تشمل جزءًا من الحركى والمخازنية
والمجموعات المتنقلة للحماية الريفية، التي أصبحت تسمى الفرق المتنقلة
للأمن.
إن الفحص السريع لمختلف الأطراف التي تشكل «القوة
الثالثة» يسمح لنا بتحديد خلفيات الحكومة الفرنسية جيدًا.
- الحركــة:
أنشئت الحركة، وهي عبارة عن وحدات قتال تتكون من
جزائريين من «الفرنسيين المسلمين» ابتداءً من 1954. فقد أدرك الجيش الفرنسي
بسرعة أنه بحاجة إلى الأهالي، وذلك لمعرفتهم الجيدة بالميدان، للقتال
بنجاعة ضد جبهة وجيش التحرير الوطني.
يعرّف الأمر رقم 7/412 للقيادة العليا للجيش
الفرنسي في الجزائر المؤرخ في 8 فيفري 1956 «الحركة» على أنها «وحدات
إضافية... مشكلة في كل فيلق... وتعتمد على وحدات قاعدية (فرق، سريات
مدفعية، كتائب)، وتتكفل بتكملة الأمن الإقليمي والمساهمة في العمليات
المحلية على مستوى القطاعات» (1).
لقد قفز عدد الحركة من 20000 عام 1959 إلى 60000
عام 1961. في الواقع، فإن العدد الإجمالي للحركة العاملين كإضافيين بين
1954 و1962 يقدر بحوالي 200000 حسب الوزارة الفرنسية للجيوش (2).
ويفسر التعاقب السّريع للحركة بعدة أسباب منها
على الخصوص إلغاء، وذلك دون إشعار، العقد الذي يربطهم بإدارة الاحتلال عن
طريق إجراءات تأديبية أو بإشعار مسبق لمدة ثمانية أيام لعدم القدرة
البدنية، وأيضًا في حالة إصابة خطيرة(3). لكن عددًا منهم غادر الحركة قبل
عام 1962. إن دور الحركة هجومي أكثر منه شيء آخر. تتمثل مهمتهم في جمع
المعلومات حول نشاطات جبهة التحرير الوطني وحول تحركات جيش التحرير الوطني
لمعرفة مواقع أهداف معينة بمناطق تعتبر خطيرة بالنسبة للجيش الفرنسي، ثم
مهاجمتها بعد ذلك. وهكذا قدم الحركة خدمة عظيمة للجيش الفرنسي في حربه ضد
جيش التحرير الوطني. لكن لابد من الإشارة إلى أنهم كانوا يتلقون راتبًا
زهيدًا مقابل ذلك العمل. أولا لأن الأجر الشهري للحركي حُدّّد بسبعمائة
وخمسين (750) فرنكا، وهو مستوى ضعيف إلى حد اعتباره مهزلة مقابل المخاطر
التي تترصدهم، ومقارنة بمرتبات الجنود الفرنسيين أو الأجانب. ثم لأنهم
تُركوا بعد وقف إطلاق النار في مارس 1962، يواجهون مصيرهم لوحدهم بعد حل
الحركة من طرف الجيش الفرنسي ولرفض الحكومة الفرنسية إدماجهم في الجيش
الفرنسي أو «ترحيلهم» جماعيًا إلى فرنسا. لقد سُمح لنسبة 5% من الحركة
بالذهاب نهائيًا إلى فرنسا(4) بينما طُلب من الآخرين «تنظيم إعادة دمجهم
اجتماعيًا» في الجزائر حيث يبقون تحت حماية الجيش (الفرنسي) لمدة 6 أشهر
برتبة أعوان مدنيين متعاقدين»(1)، ليلتحقوا «بالقوة المحلية». قليل منهم
انخرط في الجيش الفرنسي الذي لا يقبل في هذه الحالة إلا العزاب في إطار
نسبة محدودة جدًا.
هذه الخيارات المختلفة المترتبة عن حل القوى
الإضافية لا تخص الحركة فحسب، لكن تخص أيضًا المخازنية والإضافيين
الآخرين.
- المخازنية:
ابتداءً من 1955، قرر الجيش الفرنسي بدء وتطوير
نشاطات «بسيكولوجية» في صفوف الشعب الجزائري لاستمالته أمام تأثير جبهة
التحرير الوطني.
وقد قام الجنرال بارلانج العامل بالأوراس بإنشاء
أول الأقسام الإدارية المتخصصة (sas)، لإقامة رابطة مباشرة متعددة الأبعاد
بين الجيش الفرنسي والسكان(2).
وتتدخل هذه الأقسام الإدارية المتخصصة في أربعة
مجالات: - سياسيا: يتمثل الهدف في استعادة التحكم في السكان وجعلهم في
موضع ثقة... حتى يتم ضمان دعمهم الفعلي المتزايد(3)، وتشجيع البحث
التلقائي والفعال عن المعلومات حول جيش وجبهة التحرير الوطني.
- اجتماعيا: تنظيم وتطوير العمل الاجتماعي لفتح المدارس والعيادات وبعث أعمال التجهيز المحلي.
- إداريا: سد الفراغ الإداري الناجم عن استقالة المنتخبين المحليين التي
أمرت بها جبهة التحرير الوطني. وفي هذا الإطار، يمارس ضابط القسم الإداري
المتخصص وظائف ضابط الحالة المدنية ويمثل السلطات الولائية في بلديته.
- عسكريا: مساعدة الجيش الفرنسي في حربه ضد جيش التحرير الوطني. ويتوفر
القطاع الإداري المتخصص لهذا الغرض على إضافيين مسلمين مسلحين ومنظمين في
مخزن.

تم في 1956 إصــــدار قــرار بإنشـاء 680 قسمًا
إداريا متخصصا موزعين على 13 عمالة بمعدل قسم واحد في الدائرة، يتوفر قائد
القسم الإداري المتخصص (sas) على مخزن محدد بخمسة وعشرين رجلاً. في ماي
1961 كان عدد الأقسام الإدارية المتخصصة (sas) 661 و27 قسما إداريا حضريًا
(sau) تشغّل 20000 مخزني(1).
الفرق المتنقلة للحماية الريفية (gmpr):
تتمثل مهام هذه الفرق التي أصبحت تسمى الفرق
المتنقلة للأمن (gms) في الحراسة والتدخّل و»الحفاظ على الأمن» في الأماكن
التي لا تخضع لتغطية كافية من طرف الجيش الفرنسي أو رجال الدرك. ويقع على
عاتقها أيضًا حماية بعض البناءات العمومية كمقر الولايات والدوائر
والبلديات أو ضمان حماية بعض الشخصيات المدنية. ويقدر تعداد الفرق
المتنقلة للأمن بمائة ألف رجل في 1962 حسب محند حمومو.
فرق الدفاع الذاتي (gad):
أنشئت فرق الدفاع الذاتي (gad) لحماية القرى
والمشاتي والمزارع ضد الهجومات المحتملة لجيش التحرير الوطني. وهم مكلفون
أيضًا بمنع عناصر جيش وجبهة التحرير الوطني من الدخول إليها للتموين أو
جمع المعلومات. إن الجيش هو الذي يقوم بتسليح هذه الفرق التي تعد امتدادا
له، والتي تستعمل في الواقع «كسلاح بسيكولوجي وسياسي ضد أطروحات جبهة
التحرير الوطني.»(2)
لقد كانت فرق الدفاع الذاتي جد متسلطة بما أن
نشاطها قد تجاوز مهامها الدفاعية الأصلية. في عام 1962 وصل تعدادها إلى
60000 رجل.
يوجز لنا الجدول التلخيصي التالي وضعية تعدادات
مجموع العسكريين والإضافيين «الفرنسيين المسلمين» العاملين في الجيش
الفرنسي إلى غاية 1962، حسب أربعة مصادر مختلفة.
الجدول 1: عسكريون وإضافيون «فرنسيون مسلمون» في الخدمة (مارس 1962).

المرجع: عن محند حمومو نفس المرجع ص. 122.
في المجموع، نشير إلى أن عدد العسكريين
والإضافيين «الفرنسيين المسلمين» العامليــن مع سلطــة الاحتــــلال
يتراوح بين 180.000 و225.000 حسب المصادر في 1962.
لقد تم تجسيد هذا المشروع، المنصوص عليه في
اتفاقيات إيفيان، أخيرا بتعيين قرابة 60.000 رجل من بين الأشخاص
«المخلصين» والأوفياء لفرنسا، في «القوة المحلية». ويتم توزيعهم كما يأتي:


الجدول 2
مكونات «القوة المحلية»
- عسكريون........................................... .............................26000
- الفرق المتنقلة للأمن............................................. .............10000
- رجال الدرك............................................. ........................6500
- فرق صحراوية........................................... .......................3500
- آخرون (حركة، فرق الدفاع الذاتي، قدماء العسكريين،..إلخ).. 12000
المجموع........................................... ...................................58000

المرجع: سي عثمان، «الجزائر، أصل الأزمة» نفس المصدر ص. 153.
وهكذا وبعد الفشل في تكسير جيش وجبهة التحرير
الوطني كما كان مخططًا له وبعد الفشل في إبقاء الوضع الاحتلالي للجزائر،
كان الثمن لها حربا من أكثر الحروب ضراوة، توجهت فرنسا ببرودة إلى تبنّي
استراتيجيتها وفق شروط جديدة تؤدي بالجزائر إلى الاستقلال.
لقد نجحت فرنسا في هذا الغرض بـإنشاء «قوة محلية»
من 58000 رجل من بين معاونيها الذين استنفرتهم من قبل ضد شعبهم والذين
أُسندت إليهم مهمة مراقبة المؤسسة الأكثر استراتيجية في البلاد والتي
تتحكم في مستقبلها(1).
قامت فرنسا لتجسيد هذه السياسة، بالانطلاق في
عمليات محددة في جميع الاتجاهات. وتهدف هذه السياسة في المجال العسكري إلى
تشجيع عمليات «الفرار» وعمليات «انضمام» لضباط شباب جزائريين (تمت
ترقيتهم بسرعة لهذا الغرض) وعناصر أقل شبابًا يعملون في الجيش الفرنسي
لاختراق صفوف جيش التحرير الوطني من جهة، لتهيئتهم للحصول في اللحظة
المناسبة على قيادة الجيش الجزائري بعد الاستقلال من جهة أخرى. لننظُر
بتروٍ ودقة في الفصل التالي.

الفصل الثاني:
غزو جيش التحرير الوطني
1 - اختراق جيش التحرير الوطني (1958-1962)
إن انضمام ضباط وضباط صف وجنود جزائريين يعملون في
الجيش الفرنسي إلى جيش التحرير الوطني، قد تمّ بطرق متعددة بين 1956
و1962.
ففي البداية، لم يكن الانضمام الفردي والمنعزل
تحركه نفس الدواعي ولم يكن يمثل استجابة لتعليمات السلطات الفرنسية. ويبدو
من الواضح أن أول العناصر العاملة في الجيش الفرنسي والتي التحقت بجيش
التحرير الوطني في مختلف الولايات بصفة فردية(1) أو جماعية(2) مهما كانت
رتبتهم قد دفعهم إلى ذلك إما دافع وطني أو كرد فعل على قمع الشعب من طرف
جيش الاحتلال أو بدوافع أخرى. فكل حالة فرار من الجيش الفرنسي كانت تمثل
حالة خاصة لوحدها. إن التعميم انطلاقا من حالات معزولة ملاحظة في 1955
و1956 من شأنها أن تقود إلى استنتاجات مغرضة وخاطئة. ويجدر بنا أن نشير
إلى أن الفارين من الجيش الفرنسي بين 1955 و1956 كانوا يلتحقون مباشرة
بجيش التحرير الوطني في الجبال وكانوا قد حاربوا إلى جانب إخوانهم
المجاهدين.
وعلى العكس من ذلك، فإن عمليات الالتحاق الفردية
أو الجماعية لعناصر جزائرية من الجيش الفرنسي التي تمّت في 1957 لا سيما
ابتداءً من 1958، قد تمت ليس باتجاه جيش التحرير الوطني بل في اتجاه جبهة
التحرير الوطني بتونس للدخول من الباب الواسع. ويستجيب هذا لاستراتيجية
فرنسية دقيقة لتجسيد مخططها «الجزائر الجزائرية» بغية إبقاء الجزائر بعد
حصولها على الاستقلال السياسي، تحت الهيمنة الفرنسية غير المباشرة.
1-1- أهداف «»««الفارين»» الجزائريين من الجيش الفرنسي:
لن نتطرق هنا إلى مسألة كل»الفارين» الجزائريين من
الجيش الفرنسي، لاسيما وأن كثيرًا منهم ممن التحقوا مباشرة بصفوف جيش
التحرير الوطني قد برهنوا على تمسكهم بالقضية الوطنية وحاربوا بكل تفان من
أجل استقلال الجزائر. فمن شأن ذلك أن يكون طويلا وأن يغلب عليه الإسهاب
الممل، ولن يغير شيئًا من طبيعة إشكاليتنا، ألا وهي اختراق صفوف جيش
التحرير الوطني الذي قررته وخططت له السلطات الفرنسية بغية إدامة الهيمنة
الفرنسية في الجزائر. وعلى العكس من ذلك، فإن تسليط الضوء على الدور، فضلا
عن الترقية والارتقاء السريع، لحوالي أربعين «فارّاً» جزائريًا من الجيش
الفرنسي التحقوا بجبهة التحرير الوطني في الخارج ولعبوا بعد ذلك دورًا
حاسمًا داخل وزارة الدفاع بعد الاستقلال، سيسمح لنا بالإحاطة الجيدة بجسامة
المخطط والأهداف التي تتوخاها فرنسا لهذا الغرض.
كان الهدف تحضير «الفارين» من الجيش الفرنسي لمراقبة وقيادة الجيش الجزائري المستقبلي بعد الاستقلال.
من المجدي الإشارة في هذا الإطار إلى التشابه بين
رؤية الحكومة البلجيكية بالنسبة للكونغو، الذي أصبح فيما بعد يسمى
الزائير، ورؤية الحكومة الفرنسية في تعاملها مع الثورة الجزائرية. الفرق
الوحيد بين هاتين الحالتين هو أن بلجيكا نجحت منذ البداية في وضع موبوتو
في منصب جيد، وقد كان حينها رقيبًا. لقد تمت ترقيته في أقل من سنتين إلى
رتبة جنرال، ثم قائدا للقوات المسلحة للجيش الكونغولي الشاب، وهو المنصب
الذي سمح له أولا بإزاحة الوزير الأول باتريس لومومبا، ثم الإطاحة
بكاسافوبو الذي كان حينها رئيسا للجمهورية. كان يكفي للرقيب موبوتو أربع
أو خمس سنوات ليصبح رئيسًا للدولة بمباركة القوة الاستعمارية السابقة.
أما فيما يخص الجزائر، فقد كان على «الفارين» من
الجيش الفرنسي انتظار شهر جانفي 1992 لتنفيذ انقلابهم. لقد كان الطريق
طويلا أمام الانقلابيين الجزائريين، لكن في النهاية كانت النتيجة نفسها.
نذكّر في هذا الصدد أن أول الضباط «الفارين» من
الجيش الفرنسي كان الملازم عباس غزيل والملازم الأول أحمد بن شريف اللذان
التحقا، الأول بالولاية الأولى والثاني بالولاية الرابعة في 1957، متبوعين
في سبتمبر من نفس السنة بالنقباء عبد المومن ومولود إيدير وزرقيني
بالإضافة إلى الملازمين الأولين بوعنان ومحمد بوتلة وعبد القادر شابو
وسليمان هوفمان الذين التحقوا بجبهة التحرير الوطني في تونس. وقد لحق
بهؤلاء في 1958 و1959 على الخصوص الملازمون الأولون عبد المجيد علاهم وعبد
النور بقة والعربي بلخير ومحمد بن محمد وحمو بوزادة ومصطفى شلوفي وعبد
المالك ڤنايزية ومختار كركب والحبيب خليلي وعبد الحميد لطرش ومداوي ورشيد
مديوني وخالد نزار وسليم سعدي.
في 1961، وقبل أشهر من الاستقلال قامت مجموعة من
«الفارين» مكونة من بعض العسكريين الذين تمت ترقيتهم حديثا إلى رتبة ملازم
من طرف فرنسا، بالالتحاق بجبهة التحرير الوطني في المغرب وتونس. كان من
بينهم محمد العماري ومحمد تواتي اللذان أصبحا الرجلين الأولين في الجيش
الوطني الشعبي منذ انقلاب 1992.
أما بالنسبة للطيارين، الملازمين الأولين سعيد آيت
مسعودان ومحي الدين لخضاري، فقد التحقا بتونس في 1958 والقاهرة في 1957
على التوالي.
في شهر ماي 1959، قامت مجموعة من «الفارين»(1) من
الجيش الفرنسي الذين كانوا مقيمين بڤرن الحلفاية حيث كانوا ينتظرون
تعيينهم، بدعوة مجموعة من الضباط الشباب المجاهدين الذين تكونوا في
الأكاديميات العسكرية العربية، وذلك ليناقشوا معهم مستقبل الجيش
الجزائري.(2) وكان سليمان هوفمان أول من تناول الكلمة لبدء جدول الأعمال.
كان الموضوع يتعلق بالدور الذي سيقوم به الضباط الحاضرون في ذلك الاجتماع
من أجل تأطير وقيادة الجيش الجزائري بعد الاستقلال. كانت رسالته واضحة:
«نحن الضباط السابقون في الجيش الفرنسي وأنتم الضباط المتخرجون من
الأكاديميات العسكرية العربية، نشغل أحسن المواقع ومحضرون أحسن من غيرنا،
وهو الشيء الذي يسمح لنا بفرض أنفسنا وأخذ قيادة الجيش الجزائري بعد
الاستقلال نظرًا لمهنيتنا وخبرتنا وكفاءتنا. علينا التفاهم من الآن حول
توزيع الأدوار والمهام للوصول إلى قيادة الجيش الجزائري المستقبلي». كانت
مداخلته تدور كلها حول هذه الفكرة المحورية. وكنت أول من ردّ على هذا العرض
التمهيدي، بقولي: «لا يوجد هناك شيء مشترك بيننا، فنحن قد التحقنا بجيش
وجبهة التحرير الوطني عن قناعة سياسية وبدافع الروح الوطنية للمساهمة بجانب
شعبنا في الكفاح المسلح من أجل تحرير بلادنا من نير الاستعمار، ونظرا
لمهمتنا في جيش التحرير الوطني، ونحن غير متأكدين من بقائنا على قيد الحياة
عند الاستقلال، فنحن لسنا من أنصار التسلط العسكري أما أنتم فقد جئتم من
الجيش الفرنسي متأخرين بعد أن حاربتم في الهند الصينية، ثم في الجزائر ضد
مناضلي الحرية والاستقلال. إن الكلام الذي قلته يبين أنكم في مأمورية،
فبمجرد وصولكم وقبل الحصول على أي تعيين أو مسؤولية في هياكل جيش التحرير
الوطني، هاأنتم تفكرون مسبقًا في السيطرة على الجيش الجزائري بعد
الاستقلال. يبدو جليًا أن خطوتك تندرج في سياق مخطط معد مسبقًا وحددت
معالمه في باريس.»
سارع سليمان هوفمان الذي لم يكن يتوقع رد فعل من
هذا القبيل، إلى تبرير «فراره» وفرار زملائه من الجيش الفرنسي قائلا: «لقد
كان عليّ التخلي عن مرتبي وشقتي وسيارتي «فودات» فضلاً عن وضع مريح في
الجيش الفرنسي حتى آتي إلى هنا لأجد نفسي محرومًا من كل شيء، إنه ضميرنا
هو الذي أملى علينا هذه التضحية.» فأجبته بأن: «استيقاظ ضميركم جاء
متأخرًا... زد على ذلك فهناك خلل فادح بين تخليكم اليوم عن بعض الامتيازات
المادية والنعم الطائلة والامتيازات التي قد توفرها لكم المنصاب
الاستراتيجية في هرم المؤسسة العسكرية بعد الاستقلال.» لأخلص إلى القول:
«لا نستطيع قبول أيّ تحالف من هذا النوع على حساب المصالح العليا لثورة
الشعب الجزائري.» وهكذا تحددت لهجة النقاش منذ البداية في كلا الصفين. كان
النقاش صاخبًا وحادًا، وقد تدخل بعض الإخوان من الجانبين بعذ ذلك وبلهجة
أقل حدة نوعًا ما قبل أن نفترق، تفرقنا قناعات سياسية متضادة.
لقـــد فوجئـــت بعــد أيــام بمقال نُشر في
اليوميــة الفرنسيـــة «لو فيڤـــارو» مغاليـــا في وصـــف لقاء قــرن
الحلفايـــة ومراهنا على «الانقسام داخل صفوف جيش التحرير الوطني بالحدود
الشرقية بين الضباط السابقين للجيش الفرنسي والضباط المعربين.»
إن هذا المقال يؤكد، إذا أردنا، الاتصالات
السّرية للضباط «الفارين» بالدوائر الفرنسية الخاصة ويدعم موقفنا، ومن
جهتنا لم نتوقف عند هذا الحد. فقد قمنا بتحذير كل من كريم بلقاسم ولخضر بن
طوبال وعبد الحفيظ بوصوف والعقيد محمدي السعيد، الذي كان حينها قائدًا
للقوات المسلحة بالشرق، ثم العقيد بومدين عند تعيينه على رأس القيادة
العامة لجيش التحرير الوطني، فضلاً عن عدد كبير من الجنود والضباط
المجاهدين المعينين والعاملين بالحدود الشرقية. حذرناهم كلهم من أخطار خطة
الضباط «الفارين» من الجيش الفرنسي، ومن مخاطر العواقب الوخيمة لعمليتهم
الرهيبة، على مستقبل حركة التحرير الوطني وعلى الجيش الجزائري. لكن نظرًا
للصراعات الداخلية في القمة والانشغالات العارضة للقيادة، فإن الثلاثي
الذي يُعد النواة القوية للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وهم كريم
بلقاسم، الذي كان حينها وزيرًا للقوات المسلحة، ولخضر بن طوبال وزير
الداخلية وعبد الحفيظ بوصوف وزير التسليح والاتصالات العامة، لم يدركوا
الخطر الذي قد يلحق بالجزائر من عمليات الالتحاق تلك، بل على العكس من
ذلك، فقد استقبلوا عمليات الفرار تلك بكثير من الترحاب آملين الاستفادة
منها أحسن استفادة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.univ-batna2.alafdal.net
 
حـــــــــزب فـــرنــســا 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات جامعة باتنة 2 :: كلية الحقوق :: قسم العلوم السياسية-
انتقل الى: