أورخان الأول.. والاتجاه نحو أوربا
(في ذكرى مولده: الأول من المحرم 687 هـ)
نشأ
أورخان في كنف أبيه السلطان "عثمان الغازي" مؤسس الدولة العثمانية التي
إليه تنسب. وحرص أبوه على إعداده لتولي المسئولية ومهام الحكام؛ فعهد إليه
بقيادة الجيوش التي كان يرسلها إلى حدود الدولة البيزنطية. وكان أورخان
عسكريا من الطراز الأول.
لم يكد أورخان ينجح في فتح مدينة بورصة
-مدينة في آسيا الوسطى- حتى استدعاه والده الذي كان في مرض الموت وأوصى له
بالحكم من بعده في (21 من رمضان 726 هـ= 21 من أغسطس 1325م) وترك له وصية
سجلها المؤرخ العثماني عاشق الحلبي جاء فيها:
"يا بني، أحط من أطاعك
بالإعزاز، وأنعم على الجنود، لا يغرنّك الشيطان بجهدك وبمالك، وإياك أن
تبتعد عن أهل الشريعة. يا بني، لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة
حكم، أو سيطرة أفراد؛ فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت، وهذا يا ولدي ما
أنت أهل له. يا بني، إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء رب العالمين، وأنه
بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق فتحدث مرضاة الله جل جلاله".
وعلى
الرغم من أورخان لم يكن أكبر أبناء عثمان الغازي فإن أخاه الأكبر "علاء
الدين" لم يعلن العصيان أو يعارض وصية أبيه، بل قدم الصالح العام للدولة
على الصالح الخاص والذاتية الشخصية، وجعل نفسه في خدمة أهداف الدولة
العليا. وقد عين أورخان أخاه علاء الدين في الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء)
فقام بتدبير الأمور الداخلية، على حين تفرغ أورخان للفتوحات العثمانية.
كان
أول عمل قام به أورخان هو أن نقل عاصمة دولته إلى مدينة بورصة؛ نظرا لحسن
موقعها. وأرسل أورخان قواد جيوشه لفتح ما تبقى من بلاد آسيا الصغرى الخاضعة
لنفوذ البيزنطيين؛ ففتحوا أهم مدنها، وفتح السلطان بنفسه مدينة "أزميد"
وهى مدينة يونانية قديمة بآسيا الصغرى. ولم يبق من المدن المهمة بتلك
المنطقة سوى مدينة "أزنيك" فحاصرها وضيق عليها الحصار حتى دخلها بعد سنتين،
وانتهى بذلك نفوذ البيزنطيين في بلاد آسيا الصغرى.
اتبع أورخان في
البلاد المفتوحة سياسة اللين والرفق؛ وهو ما جذب إليه قلوب الأهالي، حيث لم
يعارضهم في إقامة شعائر دينهم، وسمح لهم بحرية الحركة والتنقل ونحو ذلك.
وقد
أدت هذه السياسية السمحة إلى أن الغالبية العظمى من الروم البيزنطيين
الذين كانوا يسكنون هذه المناطق دخلوا الإسلام طوعا. وأفتى الفقهاء -الذين
كان السلاطين يستشيرونهم في كل ما يتصل بتشريعات الدولة ونظمها- بأن كل من
أسلم بأهله من السكان صار من أهل الدولة.
وهذه الفتوى سهلت على
العثمانيين فتح إمارة "قرة سي" الواقعة على البحر سنة (736هـ= 1336م) وبهذا
سيطر الأتراك العثمانيون على الركن الشمالي الغربي لآسيا الصغرى.
تسامع
الأتراك في شرقي آسيا بانتصارات بني عمومتهم فتوافدوا عليهم ألوفا وانضموا
إلى جيوشهم فتضاعف أعداد الأتراك العثمانيين مرات كثيرة.
أعمال نظامية حضارية
وبعد
أن فتح أورخان إمارة "قرة سي" أمضى 20 سنة دون أن يخوض معارك كبيرة؛ ولذا
شغل نفسه في وضع النظم المدنية والعسكرية التي تقوي من شأن الدولة وتعزز من
الأمن الداخلي، وعني ببناء المساجد والمدارس ورصد الأوقاف عليها وإقامة
المنشآت العامة.
ولعل من أهم الأعمال التي قام بها أورخان في تنظيم
الجيوش أنه أنشأ فرق الإنكشارية بناء على اقتراح من أحد قادة الجيش يدعى
"قرة خليل". ويقوم بناء فرق الإنكشارية على عزل الأولاد الصغار من أسرى
الحرب وتربيتهم تربية إسلامية خالصة تقطعهم عن ماضيهم السابق فلا يعرفون
أبا إلا السلطان ولا حرفة إلا الجهاد في سبيل الله.
وقد ارتقت فرق
الإنكشارية في النظم وزاد عددها فيما بعد وصارت الدولة العثمانية تعول
عليها في حروبها، وكانت من أكبر وأهم عوامل امتداد سلطة الدولة العثمانية
وزيادة رقعتها واتساع فتوحاتها.
عبور الشاطئ الأوربي
وفي سنة
(756 هـ= 1355م) استنجد الإمبراطور البيزنطي "جان باليولوج" بالسلطان
أورخان طالبا الدعم والمساعدة لصد غارات ملك الصرب "إستفان دوشان" الذي
أصبح يهدد القسطنطينية نفسها، وكانت مملكة الصرب التي تقع جنوبي شبه جزيرة
"غاليبولي" وتعرف بمملكة "ولاشيا" الصربية قد شهدت نهضة قصيرة في أيام
ملكها إستفان دوشان.
أجاب أورخان طلب الإمبراطور البيزنطي وأرسلا
لدوشان جيشا كبيرا، لكن دوشان عاجلته المنية قبل وصوله بجيوشه إلى
القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية فتوقفت حملته، وتخلص البيزنطيون من
تهديده، وفي الوقت نفسه عاد الجيش العثماني من حيث أتى دون قتال.
غير
أن العثمانيين بعد عبورهم للشاطئ الأوروبي تيقنوا من حالة الضعف التي حلت
بالإمبراطورية البيزنطية؛ وبدأ أورخان يجهز الكتائب لاجتياز الحرب واحتلال
بعض النقاط على الشاطئ الأوروبي لتكون مركزا لأعمال العثمانيين في أوربا؛
فاجتاز سليمان باشا أكبر أبناء السلطان أورخان مضيق الدرنديل سنة (758هـ=
1357م) وتمكن هو وجنوده من فتح مدينة غاليبولي التي تبعد عن القسطنطينية
بحوالي 86.5 ميلا، واحتلوا عدة مدن أخرى منها "أبسالا" وهي تقع في شمال
مضيق الدرنديل في الجانب الأوروبي، و"رودزستو" التي تقع على بحر مرمرة من
الجانب الغربي؛ ولذا يعد أورخان أول سلطان عثماني يمتد ملكه إلى داخل
أوربا، ويعد دخول الأتراك العثمانيين إلى البلقان والقارة الأوروبية من
الوقائع التاريخية المهمة؛ حيث غيرت وجه التاريخ الأوربي ومصير الدول
الأوربية، وكان ذلك بداية لتقدم تركي سريع في البلقان.
توفي السلطان
أورخان سنة (762هـ= 1362م) بعد حكم دام 38 سنة، وقد بلغت مساحة الأراضي
العثمانية في هذا التاريخ 95000 كم2، وهي تمثل 6 أضعاف ما كانت عليه عند
جلوس السلطان أورخان على كرسي الحكم.
ملاحظة:
تم توليف هذه المادة وغيرها مما سيتبعها من مواقع (إسلام أون لاين و الوراق)