[right][b]
ظاهرة العنف السياسي في الجزائر:
دراسة تحليلية مقارنة 1976ـ 1998م
مقدمة:
يقدم هذا البحث دراسة تحليلية لظاهرة العنف السياسي في الجزائر خلال الفترة
الواقعة بين 1976 و 1998م ، وذلك من خلال مقارنة النظام السياسي الجزائري
في عهد الرئيس هواري بومدين وعهد الرئيس الشاذلي بن جديد وعهد الرئيس
الأمين زروال. وذلك بهدف تحديد الفترات الزمنية التي تزايدت فيها عمليات
العنف السياسي، وأشكال العنف السياسي الأكثر انتشارا في الجزائر، مع إلقاء
الضوء على القوى السياسية في المجتمع الجزائري التي مارست العنف السياسي في
كل عهد من العهود الثلاثة وأسباب ظاهرة العنف السياسي في تلك المراحل
الزمنية. كذلك تستعرض هذه الدراسة عهدي محمد بوضياف وعلي كافي استعراضاً
عابراً لأسباب منها: [1] الحيز الزمني القصير لسلطة كل منهما. [2] أن كل
منهما لم يتول السلطة كرئيس للجمهورية، بل تولى رئاسة المجلس الأعلى
للدولة، وهو مجلس يتكون من مجموعة من الأعضاء تسيطر عليه المؤسسة العسكرية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة تشمل العنف بشقيه: العنف الرسمي (وهو
العنف الذي تمارسه الدولة ضد العناصر التي تعتقد أنها خارجة على القانون)
والعنف الشعبي (وهو العنف الذي تمارسه الجماعات والأفراد ضد الدولة
ومنسوبيها ومؤيديها).
إن منطلق التعريف الإجرائي (Operational Definition) لظاهرة العنف أنه "ذلك
العنف الموظف لفرض وضع سياسي معين، أو للحصول على مكاسب سياسية بما في ذلك
تغيير أو قلب حكم قائم. وبهذا المعنى فإن العنف السياسي يشير إلى نوعين من
النشاط من حيث المصدر. فهناك عنف السلطة أو الدولة والذي يشتمل على عدد
كبير من الأفعال التي تلجأ إليها السلطة الرسمية لفرض نظام معين، والمحافظة
على النظام. وقد تفننت السلطة الرسمية في توظيف أساليب العنف لإخماد جميع
أنواع الرأي المخالف خصوصا في المجتمعات التي تعاني الديموقراطية فيها أزمة
خانقة، ثم هناك أفعال العنف التي توظفها الجماعات التي تعارض السلطة
الرسمية" (التير، 1993: 44-45)
إن ظاهرة العنف السياسي بهذا المعنى تبقى ليست ظاهرة عرضية أو وليدة
الصدفة، وليست كذلك حادثة غريبة ودخيلة على المجتمعات البشرية. إنها أكثر
تعقيداً وابعد عمقاً من المفاهيم السطحية التي يتداولها الناس، وهي لا تختص
بأمة دون أخرى إنها ظاهرة عالمية، متعددة الخصائص، متباينة الأشكال، بل
وتعتبر من أهم مظاهر السلوك البشري التي عرفها الإنسان خلال مسيرة تطوره
الزمني. ومع أن ظاهرة العنف السياسي هي ظاهرة غير مقبولة وممقوتة بل
ومرفوضة على كافة المستويات منذ ظهورها في التاريخ البشري، إلا أنها ليست
على الدوام سلبية. فقد يكون لها إيجابيات، بل وقد تكون ضرورة تاريخية في
حياة الأمم والجماعات البشرية. فقد تكون ظاهرة العنف السياسي ضرورة في حالة
رفض الهيمنة الخارجية والحفاظ ومن ثم الدفاع عن الحقوق المشروعة.
وقد تزامن ظهور العنف السياسي في بعض الدول العربية منذ بداية الثمانينات
مع المتغيرات الكبرى في هيكل الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فقد بدأت ظاهرة
العنف بأشكاله المختلف (الرسمي والشعبي) تنتشر في بعض الدول وعلى وجه
التحديد في جمهورية مصر العربية والجزائر. ويعزو المسؤولون في تلك الدول
إنتشار ظاهرة العنف إلى الجماعات الإسلامية التي ظهرت في كلا الدولتين.
وحيث أن المتابع لما يجري في الجزائر قد ينظر للأوضاع هناك من منظور
أكاديمي ويقدم على هذا الأساس تصوراً علمياً يختلف عن جميع الأطروحات التي
لا تمت إلى المنهج العلمي بأية صلة. ولذلك فالغاية العلمية والتفسير العلمي
لما يحدث هناك هو أهم الحوافز وراء القيام بهذه الدراسة.
طبيعة المشكلة:
انتشرت ظاهرة العنف السياسي في الجزائر بأشكاله المختلفة. سواء ما يطلق
عليه العنف السياسي الشعبي (الذي يمارسه المواطنون أفراداً أو جماعات ضد
الأنظمة السياسية المتعاقبة)، أو ما يطلق عليه العنف السياسي المؤسـسي
(الرسمي) والذي تمارسه الدولة من خلال أجهزتها المختلفة ضد المواطنين
أفراداً أو جماعات، أو عناصر معينة منهم. وحيث أن هذه الظاهرة يكتنفها
الكثير من الغموض في جوانبها المختلفة، فإن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من
البحث والتحليل في جذور ومسببات العنف السياسي في الجزائر.
وعليه يمكن صياغة المشكلة على النحو التالي:
هل العنف السياسي في الجزائر هو نتيجة لتناقضات في مواقف وتصورات القوى
السياسية الموجودة على المسرح السياسي، أم أن هناك عدد من المتغيرات
المختلفة التي أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في انتشار ظاهرة العنف
السياسي في الجزائر. من هنا تركز هذه الدراسة على إبراز العوامل المختلفة
التي أدت إلى إنتشار العنف السياسي ظاهرة وسلوكاً في الجزائر وكذلك البحث
في أساسيات المشكلة والتي وصلت إلى مرحلة أصبحت تهدد ليس المجتمع العربي في
الجزائر بل جميع الدول العربية نظراً للترابط الكبير بين المجتمعات
العربية.
أهداف البحث:
تهدف هذه الدراسة إلى إبراز معالم ظاهرة العنف السياسي في الجزائر وبيان
أسبابه المختلفة، ولكن ينبغي أولاً تحديد موضوع العنف السياسي من حيث
المضمون النظري والعلمي من خلال الملاحظات التالية:
أولاً: يجب أن نستثني بعض مجالات العنف من دراستنا هذه، وهي المجالات
المتعلقة باللصوصية والإجرام على الرغم من أن استعمال كلمة (عنف Violence )
عند العامة بل وفي مختلف وسائل الإعلام تشمل جميع أشكال العنف. فلو
افترضنا أن العنف هو (الاستخدام الفعلي للقوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق
الأذى والضرر بالأشخاص، والإتلاف للممتلكات)، لأصبح حتماً علينا أن نقيس
بمقياس واحد أعمال العنف التي تمارسها الحكومات والجماعات والأفراد
والمجرمون. لكن يجب أن نميز بين العنف السياسي (الذي تمارسه الدول
والجماعات والأفراد، والذي يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية تتعلق بمصالح
الجماعة والمجتمع)، والعنف الفردي (اللاسياسي) والذي يمارسه الأفراد
إنطلاقاً من دوافع فردية ذاتية للكسب الشخصي أو للانتقام، والذي يعتبر
عنفاً إجرامياً ليس له علاقة بالعنف السياسي.
ثانياً: إن هذا البحث هو بحث نظري يقوم على التحليل السياسي للوقائع
التاريخية المتعلقة بالعنف السياسي في الجزائر ومحاولة تفسير أسبابها
ومبرراتها ودوافعها والبحث في العلاقة بين تلك الوقائع والأوضاع السياسية
والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الجزائري الذي ظهرت فيه تلك الأحداث.
وانطلاقاً من المقدمة السابقة فإن الأهداف الأساسية لهذه الدراسة تنحصر في:
[1] معرفة المسببات التي أدت إلى انتشار العنف السياسي في الجزائر.
[2] تحديد دور العوامل الخارجية في خلق وتصعيد العنف السياسي.
[3] العلاقة بين الجماعات الإسلامية وانتشار العنف السياسي في الجزائر.
[4] مقارنة أعمال العنف في الفترات الزمنية في الجزائر
فرضيات الدراسة:
على ضوء تحديد طبيعة المشكلة التي ذكرناها آنفاً هناك مجموعة من الفروض وهي:
[1] أن ظاهرة العنف السياسي هي ظاهرة عالمية لا تختص بها جماعة معينة ولا دولة بعينها.
[2] أن ظاهرة العنف السياسي في الجزائر هي إفراز لمجموعة من التناقضات والاختلافات داخل المجتمع الجزائري.
[3] أن ظاهرة العنف السياسي في الجزائر تعود إلى مجموعة من العوامل
الداخلية والخارجية والتي وجدت بيئة مناسبة لنمو العنف الشعبي والرسمي.
[4] أن ربط ظاهرة العنف السياسي بالجماعات الإسلامية هو وسيلة لابعاد تلك الجماعات عن السلطة السياسية.
الإطار النظري:
حظيت ظاهرة العنف السياسي باهتمام العديد من علماء السياسة والباحثين وهناك
العديد من المفكرين الذين تناولوا هذا الموضوع بهدف فهم ودراسة كيفية ظهور
وانتشار العنف السياسي في الدول. ومن هذا المنطلق تستأنس هذه الدراسة
بنظريات العنف التي يؤكد أصحابها على أن العنف السياسي هو نتاج تفاعلات
داخلية وخارجية، الأمر الذي قد ينتج عنه خلخلة وتحول في البناء الاجتماعي
والاقتصادي والسياسي للدول. يتجاذب مفهوم العنف السياسي أربعة إتجاهات
رئيسـة، تتمثل فيما يلي (الفالح، 1991)
(1) العوامل السيكولوجية والنفسية Psychological Factors ويرجع أصحاب هذا
الاتجاه إلى أن العنف السياسي مرتبط بالحالات الانفعالية الساخطة والملازمة
للغضب والقلق والمتمثلة في توقعات واحباطات الناس. في محاولته لتحديد
أسباب العنف السياسي(1) طور T ed Gurr (1970) مفهوم الحرمان النسبي
(Relative Deprivation) وربط بينه وبين ظاهرة العنف السياسي. فالحرمان
النسبي كما يؤكد Gurr يتركز حول التفاوت المدرك بين توقعات الناس القيمية
التي يعتقدون بأنهم يستحقونها على نحو مشروع وبين قدراتهم القيمية التي
يعتقدون بأنهم قادرون على تحصيلها أو الاحتفاظ بها. وهذا التفاوت يؤدي إلى
فجوة بين التوقعات والواقع [بين ما يتوقع المرء أن يحصل عليه وبين ما يحصل
عليه فعلاً] الأمر الذي يؤدي بلا شك إلى حالة إحباط لدى أعداد كبيرة من
الناس نتيجة لفشلها من تحقيق أهدافها وطموحاتها.
وفي نفس الاتجاه السيكولوجي يضيف James C. Davis(1962:6) أن العنف السياسي
مرتبط ببعض المتغيرات الاقتصادية التي تحدث في المجتمعات. فالعنف السياسي،
كما يقول ، يقع بعد حدوث فترة طويلة من الازدهار الاقتصادي ثم يعقبها فترة
قصيرة من الانتكاس الحاد. وقد استخدم نظرية الإحباط ـ العنف والتي تنتج عن
التناقض بين التوقعات والآمال من ناحية وبين ما يحصلون عليه فعلياً من
ناحية ثانية. فإذا شعر الناس بأن هناك فجوة بين هذين المفهومين زادت
احتمالات ظهور العنف السياسي
في نفس الاتجاه طور كل من Ivo K. and Rosalind L. Feierabend (1972) مفهوم
[الإحباط النسقي] كعامل أساسي لبروز العنف السياسي، وذلك اعتماداً على
نظرية (الإحباط ـ العدوان Frustration-Aggression) والتي تتضمن أن هناك
متطلبات وحاجات اجتماعية متعددة تحتاج إلى إشباع. بمعنى أنه كلما كانت
الحاجات الاجتماعية تفوق ما يتوفر لإشباعها كلما أدى ذلك إلى إحباط نسقي
والذي تصل حدته إلى ظهور العنف السياسي. إذن يركز هذا الاتجاه على مفهوم
الإحباط النسقي لتفسير العلاقة بين إشباع الحاجة الاجتماعية وتشكل الحاجة
الاجتماعية، وهذا يتبين من شكل المعادلة التالية:
إشباع الحاجات الاجتماعية
ــــــــــــــ = الإحباط النسقي
تشكل الحاجات الاجتماعية
(2) العوامل السيسيولوجية (الاجتماعية) Sociological factors
ويركز هذا الاتجاه على حالة اختلال في النسق الاجتماعي والسياسي الأمر الذي
يحد من قدرة النظام السياسي على الاستجابة للضغوط والمطالب التي تفرضها
عليه بيئته الداخلية والخارجية. حيث أن حالة (عدم توازن النسق) تؤدي
بالضرورة إلى فشل النظام السياسي في مواجهة التغير وعدم قدرته في إعادة
التوازن الأمر الذي يؤدي إلى حدوث العنف السياسي نتيجة لاختلال هذا
التوازن. إذن طبقاً لهذا الاتجاه، فإن عدم التناسق بين القيم والبيئة في
المجتمع تكون النتيجة هي فشل النسق الاجتماعي مما يؤدي إلى ظهور أزمات
اجتماعية، وهنا يصبح النظام السياسي فاقداً للسلطة وغير قادر على امتلاك
القوة في إعادة التوازن الاجتماعي إلى وضعه الطبيعي الأمر الذي يؤدي إلى
ظهور مؤشرات العنف السياسي في المجتمع.(Johnson, 1976 )
(3) عوامل الصراع السياسي: Political Struggle Factors
يرى هذا الاتجاه أن العنف السياسي هو نتاج للصراع الذي يحدث بين السلطة
السياسية والجماعات المنظمة التي تنافس السلطة السياسية المحتكرة لوسائل
الإكراه (القوة) في المجتمع. ففي هذا الإطار يؤكد (Charles Tilly, 1976) أن
ظهور الصراع السياسي في المجتمع يؤدي بالضرورة إلى ظهور مفهوم [السلطة
متعددة السيادة]، ويقصد بذلك توافر قوى متنافسة في المجتمع مما يؤدي إلى
إضعاف دور الحكومة وبروز تكتلات القوى والتي تخلق تحدياً للسلطة القائمة
والذي بدوره يؤدي إلى تفكك السلطة السياسية المحتكرة للقوة. باختصار يرى
هذا الاتجاه أن طبيعة التنظيم الجماعي والتفاعل القائم بين الأنظمة
السياسية والقوى المنافسة لها يحدد مدى العنف السياسي في المجتمع.
(4) عوامل الصراع الطبقي: Class Struggle Factors
ينطلق هذا الاتجاه في تفسير ظاهرة العنف السياسي من منطلقات ماركسية، حيث
يركز على أنماط الإنتاج وعلاقات الإنتاج والصراع بين الطبقات. يؤكد كارل
ماركس (117-116 :1978) هذه الحالة من الصراع، فيقول: "… إن نمط الإنتاج
للحياة المادية يحدد بشكل عام عملية الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية.
… إن قوى المجتمع الإنتاجية المادية، عند مرحلة محددة من تطورها، تصبح في
حالة صراع مع علاقات الإنتاج القائمة"، والتي بدورها تتحول إلى قيود للقوى
الإنتاجية، وعند هذه الحالة تبدأ مرحلة العنف في المجتمع والذي يأخذ شكل
صراع بين الطبقات في المجتمع. حيث يقول كوهان (1979:67-68) "… البناء
الاقتصادي يسبب نمو علاقات اجتماعية معينة، عن هذه الأسباب تنبع تنظيمات
طبقية خاصة، وفي كل مجتمع ثمة طبقتان رئيسيتان: طبقة حاكمة مستغِلة وأخرى
محكومة مستغَلة، وأفراد هذه الطبقة الأخيرة يغتربون عن القيم السائدة
وطريقة إنتاج الأشياء، وهم يشكلون أخيراً جماعة ضخمة، يجمعهم معاً الوعي
الطبقي المشترك، … وإذا قويت هذه الطبقة المستغَلة بما يكفي أطاحت بالطبقة
الحاكمة."
العنف السياسي وأسبابه في عهد بومدين
إن ما تشهده الجزائر من عنف سياسي لم يكن وليد الساعة، بل ترجع جذوره إلى
بداية السبعينات من هذا القرن إن لم يكن قبل ذلك. فالشعب الجزائري كان يرزح
تحت الاستعمار الفرنسي أكثر من 132 عاما، ولم يحصل على استقلاله إلا بعد
تضحيات كبيرة، وبعد استخدام كافة الوسائل المتعددة من الطرق السلمية إلى
استخدام القوة والعنف بشتى صوره. ولذلك فشعب كان يعاني من التقتيل والتشريد
والحصار والهيمنة الخارجية أصبحت لديه المناعة الكافية لاستيعاب وتحمل أية
أزمة كانت. وباستطاعته أن يضحي في سبيل استقلاله وتحقيق أهدافه الدينية
والسياسية والاقتصادية. ولم تحجم قدرته وتطلعاته أي محاولات سواء من الداخل
أو الخارج. إلا أنه ومن منطلق أهداف هذه الدراسة فإننا سوف نتحدث عن حالة
ظهور العنف المنظم في عهد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين. لم تكن
مرحلة الرئيس هواري بومدين مرحلة بناء واستقرار وتنمية فحسب بل كانت تشوبها
بعض الصراعات السياسية والفكرية، إلا أنها لم تصل في حدتها وقوتها وخروجها
على القانون مثل ما حدث في المراحل اللاحقة.
إن المتتبع لجذور العنف السياسي في الجزائر ليجد جذوره الأولى في الأساس
البنائي والهيكلي لدولة الجزائر الحديثة والذي نتج عن التغيير السياسي في
شكل السلطة الجزائرية بعد الاستقلال والمتمثل في الحركة الانقلابية التي
قادها الرئيس هواري بومدين في 19 من شهر يوليو لعام 1965م والتي أطاحت
بالرئيس أحمد بن بيلا وانتهت بتعديل هيكلية النظام السياسي والتركيز على
إعادة بناء الحزب الحاكم ومن ثم إنفراده المطلق بالسلطة مع استيعابه لبعض
عناصر المعارضة من خلال طرح برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي
أجلت المواجهة بين النظام السياسي وعناصر المعارضة. ولذلك نجد أنه في بداية
مرحلة الرئيس هواري بومدين أكد النظام السياسي على سياسة تأكيد الهوية
العربية والإسلامية للدولة وكان هناك شبه إجماع على تجذير أيديولوجية
الدولة الجديدة. الأيديولوجية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية،
وكان النظام السياسي في تلك المرحلة يجيد التعامل مع مختلف القوى في
الدولة، بل أن مرجعية هذه القوى قد تم تحديدها في جبهة التحرير الوطني
والتي بدورها استخدمت الإسلام كأداة لتمرير سياساتها وأيديولوجيتها ولذلك
نجد أنه "في كل مرة يؤكد ساسة الجزائر انتماءهم إلى الحضارة العربية
الإسلامية، وبقي الإسلام الملاذ الثقافي للمشروع الاشتراكي." (. قواص،
1998:24) وقد لعب الإسلام دوراً صاهراً لوحدة وهوية وشخصية الجزائر استمر
في إسباغ شرعية على الجزائر المستقلة.
فقد ساهمت الهوية الإسلامية للدولة في منح وتأكيد الشرعية للنظام السياسي،
بل وحشدت كافة الكتل الشعبية خلف مشروع بناء الوحدة الوطنية، الأمر الذي
أبعد -ولو مؤقتاً- شبح المواجهة بين النظام السياسي وقوى المعارضة. وفي
مقابل ذلك حرص النظام السياسي على عدم إثارة الجماهير الشعبية، بل وقام
بقبول بعض المطالب الشعبية التي تتعارض مع برامجه المختلفة. من ذلك عدلت
الدولة عن "تطبيق سياسة تحديد النسل التي كانت تنادي بها، وذلك رغبة في
اجتناب المعارضة الشديدة التي لقيتها هذه السياسة في أغلبية الأوساط
الشعبية، وعدلت أيضاً عن التحويرات (التعديلات) الأساسية التي كانت تعتزم
إدخالها في قانون الأحوال الشخصية خاصة فيما يهم حقوق المرأة." (بلعيد،
1998:79)
لقد استطاع النظام السياسي في عهد بومدين أن يضع توازناً سياسياً هشاً بين
جميع أطراف المعارضة في الجزائر، حيث نجده، أولاً: يؤكد على سياسة التعريب
الأمر الذي أدى إلى كسب تأييد ودعم التيار الإسلامي والعروبي في الجزائر
وخارجها. وثانياً: بدأ في عام 1972م بإطلاق ما يعرف بـ (الثورة الزراعية)
والتي أحدثت نقلة نوعية في الجزائر من حيث أنها بدأت تروج للنظام الاشتراكي
في الجزائر، خاصة بعد الاستعانة بخبراء من الاتحاد السوفييتي السابق
لترسيخ هذا البرامج الزراعي، الذي لم يؤت بنتائج كما كان يتوقع النظام
السياسي. ثالثاً: بدأ النظام السياسي يطرح برامج اقتصادية وثقافية متعددة
لرفاهية المجتمع، إلا أن هذه الإجراءات كان يقصد بها توفير سند اجتماعي
واقتصادي للنظام السياسي، كعوامل ضرورية لاستقراره والحفاظ على شرعيته، غير
أن فشل هذه البرامج أدى إلى كشف عدم قدرة النظام وعجزه عن تطبيق برامجه
المتعددة، بل إن هذا العجز عكس عقماً داخلياً في عدم قدرة النظام على إنتاج
بدائل تطرح رؤية اقتصادية وسياسية عصرية تعبر عن رغبات ومتطلبات كافة
شرائح وفئات المجتمع الجزائري. ولهذا أوجد النظام السياسي عداوة جميع أطراف
المعارضة، مما أدى إلى بداية المواجهة الفعلية في عام 1975م والذي تمحور
حول إقرار (الميثاق الوطني الجديد) والذي تم إقراره في عام 1976م بعد
تنازلات وتحالفات بين مختلف أطراف الصراع في الدولة. ومع أن الميثاق الجديد
قد "أفرز معادلات جديدة في السياسة الجزائرية، لكن الشرخ كان قد بدأ
بالاتساع بين دعاة التعريب، ودعاة الإصلاح الزراعي" (مركز الدراسات
والأبحاث، 1992:141). ولذلك بدأ النظام السياسي محاولاته بضبط وإضعاف مراكز
القوى المتصارعة والتي تهدد كلا المشروعين (التعريب والثورة الزراعية)،
لكن النظام وجد نفسه في مواجهة مع هذه القوى. وجد النظام السياسي نفسه في
مواجهة مباشرة مع القوى الإسلامية وخاصة القوى التي رفضت الميثاق الوطني
لعام 1976م، حيث انتقلت هذه المعارضة ولأول مرة في تاريخ الجزائر من
المعارضة السلمية إلى استخدام العنف المسلح.(2) والمتتبع لجذور العنف
السياسي في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، يستطيع أن يحصر ذلك في ستة
أمور أساسية: (قواص،1998، حيدوسي، 1997، مركز الدراسات والأبحاث، 1992).
أولاً: فشل الثورة الزراعية وعدم تحقيق أهدافها التي نادت بها ، وما ترتب
على ذلك الفشل من تغيير في التركيبة السكانية حيث نزح الكثير من سكان الريف
إلى المدن الأمر الذي أدى إلى نوع من الخلل في التوازن الديموغرافي. وهذا
بدوره أدى إلى ضغوط على النظام السياسي لتوفير الحاجات الأساسية للمجتمع،
ونتيجة لهذا الفشل، يكتشف المجتمع الجزائري أن الثورة الزراعية لم تنتج سوى
الحرمان والإحباط، الأمر الذي أدى إلى اهتزاز قاعدة النظام السياسي.
ثانياً: تعثر سياسة "التعريب" في الجزائر والتي استجابت لكثير من الضغوط
الداخلية والخارجية، الأمر الذي أدى إلى نوع من الفوضى في هذه السياسة.
ثالثاً: فشل النظام السياسي في السيطرة على قطاع المساجد والذي اصبح ينمو
بشكل كبير حيث انتشرت المساجد التي يتم إنشاؤها من قبل الشعب والجماعات
الإسلامية وبذلك أصبحت مراكز توجيه وتنظيم وتخطيط للجماعات والتنظيمات
الإسلامية.
رابعاً: في عام 1971م سمحت الدولة بإقامة الجمعيات التي تحولت إلى منابر
يعبر من خلالها الجزائريون عن توجهاتهم الفكرية واطروحاتهم السياسية
ومنتظماتهم الاجتماعية وكان تأسيس هذه الجمعيات عبارة عن نقلة نوعية
تنظيمية مهمة في الحياة السياسية للأفراد والجماعات في المجتمع الجزائري،
وقد أدى ذلك إلى تقوية نفوذ ومكانة تلك الجمعيات والتهيئة إلى الانتقال إلى
مرحلة تالية أكثر مواجهة مع النظام السياسي.
خامساً: في عام 1976م فرض الرئيس بومدين تبني دستور جديد (الميثاق الوطني)
وهو عبارة عن "دستور منسوخ عن النماذج الستالينية.... (حيث) جرى استبدال
ديكتاتورية البروليتاريا بديكتاتورية الجهاز العسكري" (حيدوسي، 51:1997)
وهذا الدستور الجديد بعيد كل البعد عن التعبير عن حقيقة التوازنات
السياسية. وكردة فعل لمثل هذه السياسة، بدأت الجماعات والتنظيمات الإسلامية
برفض هذا الدستور، ولذلك بدأ النظام السياسي بقمع الجماعات المعارضة
للدستور، وخاصة الجماعات الإسلامية مما أدى إلى نموها وقوتها واثبات وجودها
في المجتمع، وتوسيع قاعدتها الشعبية في مواجهة التيارات الأيديولوجية
المتعددة، بل وفي مواجهة النظام السياسي.
سادساً: فشل السياسة التصنيعية التي اعتمدها النظام السياسي، والتي تهدف
إلى تشييد قاعدة اقتصادية متحررة عن تأثيرات وضغوط السياسة الاقتصادية
الرأسمالية المهيمنة. ولتحقيق ذلك فقد تبنت النخبة الحاكمة "نموذجاً
تنموياً يستند إلى مجموعة من الأفكار والإجراءات، مثل التأميمات وبناء قطاع
عام واسع، واعتماد المخططات التنموية الهادفة إلى إقامة اقتصاد [متمركز
حول الذات] وكذلك فكرة التصنيع الكثيف المستند على ما أطلق عليه اسم
[الصناعات التصنيعية]" (قواص، 50:1998) وهذه السياسة أوقعت البلاد ضحية
البرنامج الاقتصادي الغير متكافئ وإمكانات الدولة، حيث اعتبر الرئيس هواري
بومدين أن "لا استقلال سياسياً دون سياسة تصنيعية مستقلة . غير أن تلك
السياسة أدت إلى حرمان النظام من تأمين الاكتفاء الذاتي الغذائي للبلاد"
(قواص، 50:1998)
من خلال قراءة وتحليل العناصر السابقة يمكن القول بأن حجم العنف السياسي
[بشقيه الشعبي والرسمي] في الجزائر خلال فترة الرئيس هواري بومدين لم يصل
إلى درجة المواجهة المسلحة بين أطراف المعارضة، وبقي الوضع في إطار
المعارضة السلمية باستثناء حالات محدودة، ولذلك نستطيع القول أن مرحلة
هواري بومدين لم تشهد عنفاً سياسياً بالمعنى المتعارف عليه، إلا أن أواخر
مرحلة الرئيس هواري بومدين، ونتيجة لبعض السياسات الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية التي تم اتخاذها في تلك المرحلة بلورت أسس العنف السياسي المعاصر
في الجزائر. ولذلك فإن هذه المرحلة من عهد الرئيس هواري بومدين قد يفسرها
الاتجاه الذي يؤكد على حالة اختلال في النسق الاجتماعي والسياسي مما يؤدي
إلى عدم قدرة النظام السياسي على التكيف مع البيئة الداخلية والخارجية،
وكذلك عدم قدرته على الاستجابة للضغوط والمطالب الشعبية، الأمر الذي يؤدي
إلى حدوث العنف السياسي.
العنف السياسي وأسبابه في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد.
عقب وفاة الرئيس هواري بومدين أصبح هناك فراغ سياسي لم تستطع القيادة
السياسية الجزائرية في حينه من التغلب على المؤثرات الخارجية والداخلية في
ترتيب انتقال الحكم بطريقة تبعد تلك المؤثرات عن التدخل في السلطة، ولذلك
نجد أن المؤسسة العسكرية تدخلت وبشكل مباشر في فرض من تعتقد أنه يحقق
أهدافها ومن خلاله تستطيع أن تحكم الدولة. وكانت النتيجة أن تم اختيار
الشاذلي بن جديد أحد عناصر جبهة التحرير الوطني لرئاسة الدولة، وهكذا تمكن
الجيش من تكريس دوره في المراقبة وملاحظة كل ما يجري في الدولة وليصبح
المحرك الأساسي لسياسة الدولة.(3) من هنا بدأت التنظيمات المختلفة في
الجزائر تزداد نشاطاً ورفضاً للنهج (السياسي- العسكري) الذي فرضه الجيش على
المجتمع الجزائري. وبما أن الرئيس بن جديد لم يفرض نفسه على منافسيه -كما
فعل بومدين- بل تم اختياره بالتوافق بين بعض التيارات التي تمثل النخب
المشاركة في السلطة بالإضافة إلى النخب المسلحة، ولذلك أصبح بن جديد مديناً
لهذه النخب ملتزماً باطروحاتها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية
والأيديولوجية. ففي سبيل ذلك أكد نظام بن جديد على محورين مهمين شعبياً:
هما المحور الاقتصادي والمحور السياسي.
المحور الاقتصادي:
لقد تبنى النظام السياسي منهجاً مغايراً لمنهج النظام السابق في سبيل تثبيت
شرعيته. وبدأ يطرح سياسة اقتصادية تمثلت في إلغاء النظام الاشتراكي وتشجيع
الخصخصة للأملاك العامة، والتشجيع على الاستهلاك عبر الاستيراد المكثف
مقترناً بالدعم الحكومي للأسعار، وقد ساعد على ذلك زيادة دخل الدولة من
موارد البترول، ومن هنا بدأ واضحاً استقرار العلاقة بين السلطة والمجتمع
طيلة العقد الأول من فترة رئاسة الشاذلي بن جديد (1978-1988)، وكانت هذه
السياسة هي الرابطة التي تمحورت حولها علاقة السلطة بالمجتمع، إلا أن خللاً
خطيراً أصاب هذه العلاقة
"عندما تقلصت الموارد المالية، في مقابل تزايد مستوى الإنفاق العام، نظراً
إلى نمط الحياة الاستهلاكي غير الرشيد الذي برز مع بداية الثمانينات.
فالانخفاض المؤلم في العايدات النفطية أدى ... إلى تهديد الركائز التي شيٌد
عليها النظام نموذجه التنموي وإلى ضرب "المعادلة" السياسية-الاجتماعية
التي أعتاد اعتمادها. ولم تنتج سياسة "الانفتاح" إلا ارتفاعاً جديداً في
عدد المتضررين، طالت هذه المرة، تلك الشرائح التي كانت تستظل بالاقتصاد
الموجه." (قواص، 1998: 53-54)
لذلك ظهر الشرخ واضحاً في المجتمع الجزائري، فقد ظهرت شريحة "الأغنياء
الجدد" وهي طبقة غير منتجة "تعيش وفق النموذج والسلوك الغربيين، تتمتع
بوفرة استهلاكية عالية، وتستند إلى علاقات وطيدة مع أجهزة الدولة." (قواص،
56:1998) ومع أن القطاع الخاص كان يعول عليه أن يكون رمزاً للصعود
والارتقاء الاجتماعي والمساهمة في دفع عملية التنمية، إلا أن انتشار الفساد
داخل شركات القطاع العام وبعض الدوائر المرتبطة بالسلطة لم تكن تنوي
السماح للقطاع الخاص بالاستناد إلى عقلنة اقتصادية قاعدتها الربح والجدوى،
فمن شأن تلك الأسس أن تضرب شرعية النظام السياسية والاقتصادية والاجتماعية
المرتكزة على سياسة التحكم بالتوزيع لمصلحة عناصر النظام السياسي.
لقد برزت مظاهر الفشل الاقتصادي وتجسدت في ضعف الأداء والمرد ودية
الاقتصادية للمنشآت والتجهيزات التي كلفت الدولة ثروات ضخمة. وكان من نتائج
ذلك الفشل، "تعميق عملية التشوه والتبعية التي تعرضت لها البنية
الاقتصادية بسبب الاعتماد شبه المطلق على مداخيل الريع النفطي." (عنصر،
1995:84) وعندما انهارت أسعار النفط في السوق الدولية، وفقدت قسماً كبيراً
من عائداتها، وتفاقم الوضع الاقتصادي، وسيطرت البيروقراطية العسكرية على
أوضاع الاقتصاد، لم تعد الدولة مع ذلك كله قادرة على الوفاء بوعودها لاصلاح
الوضع الاقتصادي واضطرت إلى التخلي عن دعمها للأسعار الاستهلاكية، فارتفع
معدل التضخم إلى حد أصبح يثير القلق على مستقبل الوضع الاقتصادي، وارتفع
معدل البطالة حتى تجاوز 25% من القوى العاملة، وانخفضت قيمة العملة بنسبة
50% ، وجمدت الأجور، وتراكمت الديون حتى بلغت في بداية التسعينات حوالي 26
مليار دولار. (عنصر، 1995: 84-85) ونتج عن هذه الأوضاع المتردية انتقال
شرائح كبيرة من المجتمع إلى التهميش بما في ذلك الطبقات الوسطى وخريجي
الجامعات من أطباء ومهندسين، وبدأت هذه الشرائح تطالب بحصتها من الاستهلاك
وإصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور الأمر الذي ولد لدى هذه الشرائح "إحساساً
عاماً بالظلم والحرمان، وأشعل نار التململ الاجتماعي المطالب بتوزيع أكثر
عدالة للثروة الوطنية." (قواص، 59:1998) بل إن هذا الوضع الاقتصادي المتردي
بدأ يضغط على الشرائح الاجتماعية، وبالذات الشابة منها، مما أدى إلى فقدان
الثقة بالسلطة ورموزها، ولذلك وجدت هذه الشرائح خلاصها بالالتحاق بالحركة
الدينية السياسية وتبنت بالمقابل ثقافة عنف تعبر من خلالها عن حالة ا ليأس
والحرمان والقنوط التي تعتريها.(4)
المحور السياسي:
لقد أدرك الرئيس بن جديد أن الأوضاع الدولية والإقليمية والمحلية تفرض عليه
ضرورة التغيير السياسي ليتماشى وهذه المتغيرات. فعلى المستوى الدولي رأى
الرئيس الشاذلي بن جديد أن دول العالم بدأت تعصف بها رياح التغيير، وبدأت
غالبية دول العالم تعيد حساباتها من هذه التغييرات. فقد بدأت الدول تتحول
نحو التعددية السياسية. وأن نظام الحزب الواحد أصبح غير ذي فاعلية، بل إن
الدول أحادية الحزب في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي (السابق) بدأت
تنهار ، وأن التحول إلى نظام التعدد الحزبي هو التطور الحتمي الذي يجب على
الأنظمة أن تتبناه في سبيل تجنب انتشار المعارضة والعنف.
أما على المستوى السياسي المحلي: فقد كان حزب جبهة التحرير هو الحزب
المسيطر والمحتكر للسلطة السياسية، وأدى هذا الاحتكار إلى خنق الحريات
الفردية والعامة، بل ومصادرتها في بعض الأحيان ومن ثم التعسف في استعمال
السلطة، وهذا بدوره أدى إلى فشل الجهاز البيروقراطي في أداء مهماته كوسيلة
للاتصال وأداة لتنفيذ البرامج والمخططات، كل ذلك أدى إلى خلق فجوة بين
النظام السياسي والمجتمع، بل وأوجد مواجهة بينهما، ونتج عن ذلك فقدان
النظام السياسي لمصداقيته وشرعيته لدى شرائح المجتمع المختلفة، بل أدى إلى
ظهور وضع متفجر يصل إلى استخدام العنف أحياناً لفك الحصار المضروب على
القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع. (نصر،:1995:88) ظهرت الخلافات
والاختلافات في المؤسسات السياسية والعسكرية حول إدارة الأزمة، وظهرت حركات
معارضة ذات قاعدة شعبية كبيرة: مثل الحركة الإسلامية، والتي نشأت حول
المساجد والخطباء وتشبعت باطروحات قادة الحركة الإسلامية السياسية والتي
جاءت كردة فعل لانتشار الفساد الإداري والمالي والسياسي في الدولة. وقد
تشكل إطارها النضالي من الجامعيين والموظفين في القطاع العام في الدولة،
وغالبيتهم من الشبان الذين وجدوا فيها اعترافاً اجتماعياً بوضعهم. كذلك
برزت حركات معارضة -هي الأخرى فقدت الثقة في الدولة- تطالب بالتغيير
السياسي والمؤسسي: مثل الحركة الثقافية البربرية، وأخرى ذات نزعة
أيديولوجية تمثلت في المنظمات اليسارية. فجميع هذه التنظيمات على اختلاف
توجهاتها واهدافها تتفق جميعاً على أمر أساسي وهو معارضة النظام السياسي
ومعارضة الممارسات التي تقوم بها العناصر المتنفذة في السلطة. كانت مطالب
المعارضة واضحة ومنسقة: تتمثل في وضع برنامج منهجي للإصلاحات المؤسسية
والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. أدرك النظام السياسي أنه أمام متغيرات
يصعب ضبطها ولذلك ظهرت على رموز النظام علامات الإرباك والانقسام تجاه
مطالب المعارضة، ومع ذلك أخذ النظام السياسي يراوغ ويناور ويرفض التنازل عن
المكتسبات السياسية التي حققها، هذه السياسة أدت إلى انفجار الأوضاع في
الدولة في أكتوبر عام 1988م، حيث ظهرت التظاهرات والحوادث وتدخل الجيش
وأعلن حالة الطوارئ وبدأ الجيش يقمع التظاهرات. (حيدوسي، 89-1987:84)
أدرك الرئيس بن جديد خطورة الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الدولة
وأن الجزائر دخلت عصراً جديداً لابد فيه من تغيير لغة الخطاب السياسي، وأن
المواجهة مع المعارضة حتمية مالم يتخذ النظام السياسي إصلاحات سياسية
جذرية، ولذلك اعتمد الرئيس ما يعرف بسياسة "الانفتاح السياسي" والحوار
والتغيير إلى الأفضل، لأن ذلك -كما يرى الرئيس- هو الوسيلة الوحيدة لجمع
الحكم والمعارضة في محاولة لإبعاد شبح العنف المسلح عن الدولة، فأصدر قانون
(5 يونيو 1989م) والذي يقضي بإلغاء نظام الحزب الواحد والسماح بنظام
التعددية الحزبية ووعد بإجراء الانتخابات على المستويات المختلفة، ابتداءً
من الانتخابات البلدية، مروراً بالانتخابات النيابية ووصولاً إلى
الانتخابات الرئاسية. (أبو عامود،1993:119) ولتحقيق التغيير والانفتاح
وتطبيق الديموقراطية، أعلن الرئيس عن إجراء الانتخابات النيابية في 26
ديسمبر 1991م، لم يتوقع النظام السياسي (ومؤسساته السياسية والعسكرية) عند
طرح برنامج الانفتاح السياسي والتعدد الحزبي أن القوى السياسية الإسلامية
تمتلك قاعدة شعبية عريضة تؤهلها للفوز بالانتخابات.(5) وجرت الانتخابات في
موعدها وجاءت المفاجأة بحصول جبهة الإنقاذ على 188 مقعداً نيابياً من أصل
430 في الدورة الأولى، حيث حصلت على نسبة 44% من أصوات المقترعين، وكانت
التوقعات تؤكد أن جبهة الإنقاذ ستحصل في الدورة الثانية على أغلبية
الثلثين. (غانم، 1992:66) كانت رغبة الرئيس بن جديد هي التعايش مع جبهة
الإنقاذ خاصة بعد ظهور المؤشرات التي تبين مدى شعبية الجبهة في الشارع
الجزائري، وقد كانت استراتيجية ابن جديد هي محاولة لإرساء توازنات للقوى
على الخريطة الجزائرية. توازنات بين السلطة السياسية من جهة والجبهة ذات
التأثير الشعبي الكبير والقوى السياسية الأخرى من جهة أخرى.
هذا التوجه للرئيس ابن جديد وكذلك الفوز الذي حققته الجبهة الإسلامية
للإنقاذ لم يلق الرضى والقبول من قبل المؤسسة العسكرية، ولذلك بدأ الجيش
يمسك بزمام السلطة لإبعاد الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الوصول إلى السلطة،
فأجبر الجيش الرئيس بن جديد على اتخاذ إجراءات تتعارض ومنهجه السياسي،
ومنها: إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي فازت بها جبهة الإنقاذ، حل
المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، تعليق العملية الانتخابية، وأخيراً أجبر
الرئيس الشاذلي بن جديد على تقديم استقالته.(6) بعد تلك الإجراءات توالت
الأحداث التي عصفت بالوضع المتفجر في الجزائر، مما جعل الجيش يتخذ بعض
الإجراءات ومنها: حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومنع وسائلها الإعلامية عن
الصدور، بدء حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف الحركة الإسلامية، خاصة بين
قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، مع رفض إجراء أي حوار مع القوى السياسية.
إنطلاقاً من هذه الإجراءات أصبح للمؤسسة العسكرية وزناً سياسياً كبيراً في
نطاق المعادلة السياسية الجزائرية، وأخذت الأزمة الجزائرية منعطفاً خطيراً،
فقد لعب الجيش دوراً أساسياً في انفجار الأوضاع وبداية المواجهة بين
السلطة وقوى الإسلام السياسي. هذه الإجراءات دفعت أحزاب المعارضة "إلى
العمل السري والاعتقاد بشرعية استخدام العنف في مواجهة السلطة السياسية
التي لم تحترم إرادة الشعب التي عبر عنها في صناديق الانتخابات." (أبو
عامود، 1993:120) بعد نجاح المؤسسة العسكرية في الضغط على النظام السياسي
لاتخاذ إجراءات ضد سياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي، بدأ يتبلور دور
الجيش كحارس للنظام السياسي وهذا جعله في مواجهة مباشرة مع القوى والتيارات
السياسية التي بدأت تطرح نفسها كبديل للنظام السياسي القائم، ومن هنا
اتجهت المؤسسة العسكرية إلى استخدام العنف ضد القوى المعارضة لتقليص وتحجيم
دور هذه القوى. كما أن تركز السلطة في المؤسسة العسكرية تعزل من تشاء
وتعين من تشاء(في رئاسة الدولة) على حساب إرادة ورغبات الشعب وتضييق الخناق
على الجماعات والتنظيمات المعارضة، الأمر الذي أفقدها فاعليتها كقنوات
اتصال بين الشعب والسلطة الحاكمة. كل ذلك أوجد بيئة مناسبة لممارسة أعمال
العنف، فعندما تنعدم أو تضيق القنوات الرسمية للمشاركة والتعبير عن الرأي
ينفتح الباب أمام العمل تحت الأرض، أضف إلى ذلك حالة الفشل والإحباط التي
عمت الجماهير الجزائرية (وخاصة الشابة والمثقفة) نتيجة لسوء الأوضاع
الاقتصادية وانتشار البطالة بين الناس والتي عبر عنها الشعب الجزائري في
شكل تظاهرات عارمة خلال عامي 1988 و1991م. وهذه المرحلة من مراحل العنف
السياسي في الجزائر يفسرها العامل السيكولوجي الذي يؤكد على أن المجتمعات
عندما تمر بمرحلة ازدهار اقتصادي يعقبها فترة انتكاس حاد فإن ذلك يؤدي إلى
نوع من الإحباط نتيجة لبروز فجوة بين التوقعات والآمال من ناحية وما يحصل
عليه الناس من ناحية أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة احتمال ظهور العنف
السياسي، وهذا ما حدث في الجزائر في أواخر عهد الرئيس الشاذلي بن جديد.
سمات العنف السياسي في الجزائر في عهد كل من بوضياف وعلي كافي:
شهد عهد الرئيس الأمين زروال أشد أعمال العنف السياسي في الجزائر. غير أنه
لايمكن الحديث عن أسباب العنف السياسي في عهد الرئيس الأمين زروال دون
الأخذ في الاعتبار التراكمات السياسية والعنفية التي خلفتها الأنظمة
السياسية السابقة، بدءأً بأواخر عهد الرئيس بن جديد ومروراً بعهد محمد
بوضياف وانتهاءً بعهد علي كافي. تلك الأنظمة الثلاثة وما خلفته من تركة
سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة كانت بمثابة أسس العنف السياسي في عهد
الأمين زروال. إن التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي شهدتها
الجزائر في ظل دستور سنة 1989 والذي نص على التعددية السياسية، وجرت على
أساسه الانتخابات المحلية في يونيو سنة 1990 ثم الانتخابات البرلمانية في
ديسمبر 1991م، هذه التحولات من نظام الحزب الواحد [حزب جبهة التحرير
الوطني] إلى النظام الديموقراطي القائم على تعدد الأحزاب السياسية،
والمنافسة الحرة، والتداول السلمي للسلطة، وتقليص دور الدولة في النشاط
الاقتصادي، والسماح للقطاع الخاص بممارسة دور أكبر في قطاعات الإنتاج
والتصنيع والتجارة الداخلية والخارجية، تأثراً بالتحولات الجذرية التي
شهدتها دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق، كل هذه التحولات لم
تعكس تحولاً أساسياً في طبيعة هيمنة المؤسـسة العسكرية، بل إن هذه التجربة
تم إحاطتها بسياج من القوانين والإجراءات التي أفرغتها من مضمونها الحقيقي،
بل وأجهضتها قبل أن تتشكل وتؤتي ثمارها. إن المؤسسات التي تمتلك وسائل
الإكراه (الجيش، الشرطة، أجهزة الاستخبارات) لم تكن قادرة على استيعاب
القوى المختلفة والمتنوعة بطريقة سلمية وبدون اللجوء إلى العنف، وكذلك لم
تستوعب المؤسسة العسكرية إعطاء الشعب دور في تحديد اختياره بطريقة مشروعة
فهو وحده مصدر السلطات في الدولة والذي عبر عن هذا الدور من خلال صناديق
الانتخابات في المرحلة الأولى في ديسمبر 1991م وأسفر ذلك عن فوز الجبهة
الإسلامية للإنقاذ بأغلبية تصل إلى 44% من إجمالي عدد مقاعد المجلس الشعبي (
البرلمان) إلا أن المؤسسة العسكرية حاولت جر المنظمات والأحزاب الإسلامية
للانخراط في العنف الأمر الذي برر لهذه المؤسسات ممارسة العنف السياسي وذلك
بهدف ضمان استمرار النظام السياسي، والحفاظ على الوضع القائم، وتقليص حجم
ودور القوى المعارضة للنظام، خاصة التنظيمات الإسلامية، ومن ثم إقناع
النظام السياسي بعدم وجود مخرج إلا بالعودة إلى النظام السابق، والتخلي عن
الإصلاحات السياسية.
المؤسسة العسكرية في الجزائر ـ كغيرها من المؤسسات العسكرية في دول العالم
الثالث ـ قد تكون وسيلة للاستقرار إذا استطاعت القيادة السياسية أن تروضها
وتوجهها للقيام بوظيفتها الأساسية، وقد تنخرط المؤسسة العسكرية في المعترك
السياسي وتفقد وظيفتها الأساسية وذلك يؤدي إلى الفوضى والعنف وعدم
الاستقرار، وهذا يحدث في حالة سيطرة المؤسسة العسكرية على القيادة
السياسية. وقد مرت الجزائر بالحالتين السابقتين: الأولى في عهد الرئيس
هواري بومدين، حيث كان يتمتع بقوة الشخصية والقيادة الكاريزمية. لقد حيد
الرئيس بومدين المؤسسة العسكرية من الانخراط في الحياة السياسية الجزائرية،
ولذلك انفرد بالحكم فارضاً قوة الحزب (جبهة التحرير الوطني) في إدارة شؤون
الدولة، وقد أدى ذلك إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. أما
الحالة الثانية فقد بدأت منذ وفاة الرئيس بومدين واستمرت إلى الوقت الراهن،
حيث اتسمت هذه المرحلة بتدخل الجيش في السلطة السياسية وأصبح يعين ويقيل
القيادات السياسية في الدولة.
بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد حرصت المؤسسة العسكرية على الاحتماء
بالشرعية التاريخية الثورية،(7) فقد بحثت المؤسسة العسكرية الحاكمة عن وجه
مدني جديد، يمكن استخدامه واجهة للسلطة العسكرية وعلى أن يكون من القادة
التاريخيين لحرب التحرير، فلم تجد المؤسسة العسكرية أفضل من محمد بوضياف
وأحد صانعي الاستقلال،(8) حيث هو الشخصية التي تتوفر لديها صفات خاصة مؤهلة
لرئاسة المجلس المؤقت (المجلس الأعلى للدولة)(9) ويعطيه الثقل الشرعي.
تولى محمد بوضياف رئاسة "المجلس الأعلى للدولة" وطرح برنامجه السياسي
والمتمثل في "أن مجلس الرئاسة هو وضع انتقالي نحو نظام ديموقراطي يحتكم إلى
الدستور الذي تضعه جمعية تأسيسية منتخبه تلتزم بمبادئ الثورة الجزائرية،
حول وحدة التراب الوطني والتنمية الاقتصادية الشاملة في خدمة المواطن."
(أبو عامود، 1993:115)
عندما استلم الرئيس بوضياف الحكم في الجزائر وجد أن السلطة السياسية لا
تتمتع بالقاعدة الشعبية التي تستند عليها والتي تؤهلها لفرض النظام، وتوفر
الدعم اللازم لمشروعها الاقتصادي والاجتماعي، وتشكل قوة سياسية لدعم
برامجها المختلفة، أضف إلى ذلك اهتزاز صورة المؤسسة العسكرية لدى الشعب
الجزائري خاصة بعد اشتراكه في مواجهات دامية ضد الجماهير الشعبية، وتجاوزه
الدور الذي حدده له الدستور الجزائري وتدخله في اللعبة السياسية.(ميتكيس،
1993:44) لذلك طرح الرئيس بوضياف فكرة إنشاء تجمع وحدوي وطني يتكون من
مجموعة من القوى السياسية والأحزاب والمنظمات المهنية والنقابية في تجمع
وطني كأحد أشكال الحزب الواحد، أطلق عليه "حزب التجمع الوطني الديموقراطي"
وذلك لسد الفراغ السياسي الناتج عن حل جبهة الإنقاذ الإسلامية وتجميد حزب
التحرير الوطني.(أبو عامود، 1993:116) ثم بدأ الرئيس يعطي أهمية كبيرة
لقضية الفساد المالي والإداري والتجاوزات التي ظهرت في مرحلة الرئيس بن
جديد، وكان يبدو من طرح بوضياف السياسي أنه أصبح يهدد، ليس الوجود السياسي
لتنظيمات المعارضة فحسب، بل كذلك أصبح يهدد مصالح النخب السياسية والعسكرية
في الدولة، حيث كان يستعد لإقالة مجموعة من كبار الموظفين والمسؤولين في
المؤسسة العسكرية. ومع أن الجيش لعب دوراً هاماً في تولي بوضياف السلطة،
إلا أن بوضياف حاول أن يقلص من دور المؤسسة العسكرية في العمل السياسي
وإيضاح أنه ليس واجهة للسلطة العسكرية، وكذلك أراد أن ينهج أسلوب مواجهة مع
القوى التي يعتقد بأنها خلف هذا الفساد. وقد سبب ذلك مواجهة بين بوضياف من
ناحية والمسؤولين السياسيين والعسكريين من ناحية أخرى، أضف إلى ذلك مواجهة
بوضياف للقوى السياسية الإسلامية، حيث بدأت السلطة باعتقالات واسعة شملت
القيادات البارزة في الأحزاب الإسلامية. ومن هنا وجد بوضياف أنه أصبح في
صراع مع جبهتين، جبهة القوى الرسمية من مدنية وعسكرية وجبهة المعارضة،
ونظراً إلى أن هذه المواجهة بين بوضياف والأطراف الأخرى هي مواجهة غير
متكافئة، فقد دفع بوضياف حياته ثمناً لمواقفه تلك.(10)
بعد اغتيال بوضياف بدأ الصراع على السلطة في الجزائر، ورغبة المؤسسة
العسكرية البقاء في الظل على الأقل في مرحلة عدم الاستقرار السياسي التي
تعصف بالجزائر. ونتيجة لذلك حرصت المؤسسة العسكرية مرة أخرى على الاحتماء
بالشرعية التاريخية الثورية، وتم اختيار علي حسين كافي الذي يعد رمزاً من
رموز الشرعية الثورية، رئيساً للمجلس الأعلى للدولة وذلك لما يتمتع به من
نفوذ قوي حيث تُوج هذا النفوذ برئاسته لمنظمة قدماء المجاهدين.
عندما جاء علي كافي إلى السلطة رغب في تجسير الفجوة بين النظام السياسي
والمعارضة بشتى أطيافها، أو تفتيت قوة المعارضة بما يخدم مصلحة النظام
السياسي، فلجأ إلى أسلوب فتح الحوار والمصالحة وتهدئة الأوضاع السياسية
بالإضافة إلى المناورة السياسية آخذاً بمنهج الاعتدال في التعامل مع
المعارضة في محاولة لتحقيق الحد الأدنى من التوافق السياسي مع المنظمات
والأحزاب المعارضة للنظام السياسي ومن ثم البحث عن صيغة توفيقية تكون
مقبولة من كافة الأطراف. ففي سبيل تحقيق ذلك بدأ النظام السياسي باتخاذ
جملة من الأساليب المختلفة مثلميتكيس، 51-52 1993)
أولا: محاولة استقطاب بعض القيادات الإسلامية لجبهة الإنقاذ سواء القيادات
الرئيسية لعق