منتديات جامعة باتنة 2
ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  829894
ادارة المنتدي ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  103798
منتديات جامعة باتنة 2
ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  829894
ادارة المنتدي ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  103798
منتديات جامعة باتنة 2
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لاندعي أننا الأفضل لكننا نقدم الأفضل
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
<

 

 ظاهرة العنف السياسي في الجزائر

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
MAZOUZ MOHAMED
...::|رئيس المنتدى|::...
...::|رئيس المنتدى|::...
MAZOUZ MOHAMED


مساهماتي : 5235
تاريخ الميلادي: : 01/07/1991
تاريخ التسجيل : 22/07/2009
عمـــري: : 33
الموقع : www.univ-batna2.alafdal.net

ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  Empty
مُساهمةموضوع: ظاهرة العنف السياسي في الجزائر    ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  Icon_minitimeالسبت 18 ديسمبر - 16:17

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[right][b]

ظاهرة العنف السياسي في الجزائر:

دراسة تحليلية مقارنة 1976ـ 1998م

مقدمة:

يقدم هذا البحث دراسة تحليلية لظاهرة العنف السياسي في الجزائر خلال الفترة
الواقعة بين 1976 و 1998م ، وذلك من خلال مقارنة النظام السياسي الجزائري
في عهد الرئيس هواري بومدين وعهد الرئيس الشاذلي بن جديد وعهد الرئيس
الأمين زروال. وذلك بهدف تحديد الفترات الزمنية التي تزايدت فيها عمليات
العنف السياسي، وأشكال العنف السياسي الأكثر انتشارا في الجزائر، مع إلقاء
الضوء على القوى السياسية في المجتمع الجزائري التي مارست العنف السياسي في
كل عهد من العهود الثلاثة وأسباب ظاهرة العنف السياسي في تلك المراحل
الزمنية. كذلك تستعرض هذه الدراسة عهدي محمد بوضياف وعلي كافي استعراضاً
عابراً لأسباب منها: [1] الحيز الزمني القصير لسلطة كل منهما. [2] أن كل
منهما لم يتول السلطة كرئيس للجمهورية، بل تولى رئاسة المجلس الأعلى
للدولة، وهو مجلس يتكون من مجموعة من الأعضاء تسيطر عليه المؤسسة العسكرية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة تشمل العنف بشقيه: العنف الرسمي (وهو
العنف الذي تمارسه الدولة ضد العناصر التي تعتقد أنها خارجة على القانون)
والعنف الشعبي (وهو العنف الذي تمارسه الجماعات والأفراد ضد الدولة
ومنسوبيها ومؤيديها).
إن منطلق التعريف الإجرائي (Operational Definition) لظاهرة العنف أنه "ذلك
العنف الموظف لفرض وضع سياسي معين، أو للحصول على مكاسب سياسية بما في ذلك
تغيير أو قلب حكم قائم. وبهذا المعنى فإن العنف السياسي يشير إلى نوعين من
النشاط من حيث المصدر. فهناك عنف السلطة أو الدولة والذي يشتمل على عدد
كبير من الأفعال التي تلجأ إليها السلطة الرسمية لفرض نظام معين، والمحافظة
على النظام. وقد تفننت السلطة الرسمية في توظيف أساليب العنف لإخماد جميع
أنواع الرأي المخالف خصوصا في المجتمعات التي تعاني الديموقراطية فيها أزمة
خانقة، ثم هناك أفعال العنف التي توظفها الجماعات التي تعارض السلطة
الرسمية" (التير، 1993: 44-45)
إن ظاهرة العنف السياسي بهذا المعنى تبقى ليست ظاهرة عرضية أو وليدة
الصدفة، وليست كذلك حادثة غريبة ودخيلة على المجتمعات البشرية. إنها أكثر
تعقيداً وابعد عمقاً من المفاهيم السطحية التي يتداولها الناس، وهي لا تختص
بأمة دون أخرى إنها ظاهرة عالمية، متعددة الخصائص، متباينة الأشكال، بل
وتعتبر من أهم مظاهر السلوك البشري التي عرفها الإنسان خلال مسيرة تطوره
الزمني. ومع أن ظاهرة العنف السياسي هي ظاهرة غير مقبولة وممقوتة بل
ومرفوضة على كافة المستويات منذ ظهورها في التاريخ البشري، إلا أنها ليست
على الدوام سلبية. فقد يكون لها إيجابيات، بل وقد تكون ضرورة تاريخية في
حياة الأمم والجماعات البشرية. فقد تكون ظاهرة العنف السياسي ضرورة في حالة
رفض الهيمنة الخارجية والحفاظ ومن ثم الدفاع عن الحقوق المشروعة.
وقد تزامن ظهور العنف السياسي في بعض الدول العربية منذ بداية الثمانينات
مع المتغيرات الكبرى في هيكل الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فقد بدأت ظاهرة
العنف بأشكاله المختلف (الرسمي والشعبي) تنتشر في بعض الدول وعلى وجه
التحديد في جمهورية مصر العربية والجزائر. ويعزو المسؤولون في تلك الدول
إنتشار ظاهرة العنف إلى الجماعات الإسلامية التي ظهرت في كلا الدولتين.
وحيث أن المتابع لما يجري في الجزائر قد ينظر للأوضاع هناك من منظور
أكاديمي ويقدم على هذا الأساس تصوراً علمياً يختلف عن جميع الأطروحات التي
لا تمت إلى المنهج العلمي بأية صلة. ولذلك فالغاية العلمية والتفسير العلمي
لما يحدث هناك هو أهم الحوافز وراء القيام بهذه الدراسة.

طبيعة المشكلة:
انتشرت ظاهرة العنف السياسي في الجزائر بأشكاله المختلفة. سواء ما يطلق
عليه العنف السياسي الشعبي (الذي يمارسه المواطنون أفراداً أو جماعات ضد
الأنظمة السياسية المتعاقبة)، أو ما يطلق عليه العنف السياسي المؤسـسي
(الرسمي) والذي تمارسه الدولة من خلال أجهزتها المختلفة ضد المواطنين
أفراداً أو جماعات، أو عناصر معينة منهم. وحيث أن هذه الظاهرة يكتنفها
الكثير من الغموض في جوانبها المختلفة، فإن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من
البحث والتحليل في جذور ومسببات العنف السياسي في الجزائر.
وعليه يمكن صياغة المشكلة على النحو التالي:
هل العنف السياسي في الجزائر هو نتيجة لتناقضات في مواقف وتصورات القوى
السياسية الموجودة على المسرح السياسي، أم أن هناك عدد من المتغيرات
المختلفة التي أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في انتشار ظاهرة العنف
السياسي في الجزائر. من هنا تركز هذه الدراسة على إبراز العوامل المختلفة
التي أدت إلى إنتشار العنف السياسي ظاهرة وسلوكاً في الجزائر وكذلك البحث
في أساسيات المشكلة والتي وصلت إلى مرحلة أصبحت تهدد ليس المجتمع العربي في
الجزائر بل جميع الدول العربية نظراً للترابط الكبير بين المجتمعات
العربية.

أهداف البحث:
تهدف هذه الدراسة إلى إبراز معالم ظاهرة العنف السياسي في الجزائر وبيان
أسبابه المختلفة، ولكن ينبغي أولاً تحديد موضوع العنف السياسي من حيث
المضمون النظري والعلمي من خلال الملاحظات التالية:
أولاً: يجب أن نستثني بعض مجالات العنف من دراستنا هذه، وهي المجالات
المتعلقة باللصوصية والإجرام على الرغم من أن استعمال كلمة (عنف Violence )
عند العامة بل وفي مختلف وسائل الإعلام تشمل جميع أشكال العنف. فلو
افترضنا أن العنف هو (الاستخدام الفعلي للقوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق
الأذى والضرر بالأشخاص، والإتلاف للممتلكات)، لأصبح حتماً علينا أن نقيس
بمقياس واحد أعمال العنف التي تمارسها الحكومات والجماعات والأفراد
والمجرمون. لكن يجب أن نميز بين العنف السياسي (الذي تمارسه الدول
والجماعات والأفراد، والذي يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية تتعلق بمصالح
الجماعة والمجتمع)، والعنف الفردي (اللاسياسي) والذي يمارسه الأفراد
إنطلاقاً من دوافع فردية ذاتية للكسب الشخصي أو للانتقام، والذي يعتبر
عنفاً إجرامياً ليس له علاقة بالعنف السياسي.
ثانياً: إن هذا البحث هو بحث نظري يقوم على التحليل السياسي للوقائع
التاريخية المتعلقة بالعنف السياسي في الجزائر ومحاولة تفسير أسبابها
ومبرراتها ودوافعها والبحث في العلاقة بين تلك الوقائع والأوضاع السياسية
والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الجزائري الذي ظهرت فيه تلك الأحداث.
وانطلاقاً من المقدمة السابقة فإن الأهداف الأساسية لهذه الدراسة تنحصر في:
[1] معرفة المسببات التي أدت إلى انتشار العنف السياسي في الجزائر.
[2] تحديد دور العوامل الخارجية في خلق وتصعيد العنف السياسي.
[3] العلاقة بين الجماعات الإسلامية وانتشار العنف السياسي في الجزائر.
[4] مقارنة أعمال العنف في الفترات الزمنية في الجزائر
فرضيات الدراسة:
على ضوء تحديد طبيعة المشكلة التي ذكرناها آنفاً هناك مجموعة من الفروض وهي:
[1] أن ظاهرة العنف السياسي هي ظاهرة عالمية لا تختص بها جماعة معينة ولا دولة بعينها.
[2] أن ظاهرة العنف السياسي في الجزائر هي إفراز لمجموعة من التناقضات والاختلافات داخل المجتمع الجزائري.
[3] أن ظاهرة العنف السياسي في الجزائر تعود إلى مجموعة من العوامل
الداخلية والخارجية والتي وجدت بيئة مناسبة لنمو العنف الشعبي والرسمي.
[4] أن ربط ظاهرة العنف السياسي بالجماعات الإسلامية هو وسيلة لابعاد تلك الجماعات عن السلطة السياسية.

الإطار النظري:
حظيت ظاهرة العنف السياسي باهتمام العديد من علماء السياسة والباحثين وهناك
العديد من المفكرين الذين تناولوا هذا الموضوع بهدف فهم ودراسة كيفية ظهور
وانتشار العنف السياسي في الدول. ومن هذا المنطلق تستأنس هذه الدراسة
بنظريات العنف التي يؤكد أصحابها على أن العنف السياسي هو نتاج تفاعلات
داخلية وخارجية، الأمر الذي قد ينتج عنه خلخلة وتحول في البناء الاجتماعي
والاقتصادي والسياسي للدول. يتجاذب مفهوم العنف السياسي أربعة إتجاهات
رئيسـة، تتمثل فيما يلي (الفالح، 1991)
(1) العوامل السيكولوجية والنفسية Psychological Factors ويرجع أصحاب هذا
الاتجاه إلى أن العنف السياسي مرتبط بالحالات الانفعالية الساخطة والملازمة
للغضب والقلق والمتمثلة في توقعات واحباطات الناس. في محاولته لتحديد
أسباب العنف السياسي(1) طور T ed Gurr (1970) مفهوم الحرمان النسبي
(Relative Deprivation) وربط بينه وبين ظاهرة العنف السياسي. فالحرمان
النسبي كما يؤكد Gurr يتركز حول التفاوت المدرك بين توقعات الناس القيمية
التي يعتقدون بأنهم يستحقونها على نحو مشروع وبين قدراتهم القيمية التي
يعتقدون بأنهم قادرون على تحصيلها أو الاحتفاظ بها. وهذا التفاوت يؤدي إلى
فجوة بين التوقعات والواقع [بين ما يتوقع المرء أن يحصل عليه وبين ما يحصل
عليه فعلاً] الأمر الذي يؤدي بلا شك إلى حالة إحباط لدى أعداد كبيرة من
الناس نتيجة لفشلها من تحقيق أهدافها وطموحاتها.
وفي نفس الاتجاه السيكولوجي يضيف James C. Davis(1962:6) أن العنف السياسي
مرتبط ببعض المتغيرات الاقتصادية التي تحدث في المجتمعات. فالعنف السياسي،
كما يقول ، يقع بعد حدوث فترة طويلة من الازدهار الاقتصادي ثم يعقبها فترة
قصيرة من الانتكاس الحاد. وقد استخدم نظرية الإحباط ـ العنف والتي تنتج عن
التناقض بين التوقعات والآمال من ناحية وبين ما يحصلون عليه فعلياً من
ناحية ثانية. فإذا شعر الناس بأن هناك فجوة بين هذين المفهومين زادت
احتمالات ظهور العنف السياسي

في نفس الاتجاه طور كل من Ivo K. and Rosalind L. Feierabend (1972) مفهوم
[الإحباط النسقي] كعامل أساسي لبروز العنف السياسي، وذلك اعتماداً على
نظرية (الإحباط ـ العدوان Frustration-Aggression) والتي تتضمن أن هناك
متطلبات وحاجات اجتماعية متعددة تحتاج إلى إشباع. بمعنى أنه كلما كانت
الحاجات الاجتماعية تفوق ما يتوفر لإشباعها كلما أدى ذلك إلى إحباط نسقي
والذي تصل حدته إلى ظهور العنف السياسي. إذن يركز هذا الاتجاه على مفهوم
الإحباط النسقي لتفسير العلاقة بين إشباع الحاجة الاجتماعية وتشكل الحاجة
الاجتماعية، وهذا يتبين من شكل المعادلة التالية:
إشباع الحاجات الاجتماعية
ــــــــــــــ = الإحباط النسقي
تشكل الحاجات الاجتماعية
(2) العوامل السيسيولوجية (الاجتماعية) Sociological factors
ويركز هذا الاتجاه على حالة اختلال في النسق الاجتماعي والسياسي الأمر الذي
يحد من قدرة النظام السياسي على الاستجابة للضغوط والمطالب التي تفرضها
عليه بيئته الداخلية والخارجية. حيث أن حالة (عدم توازن النسق) تؤدي
بالضرورة إلى فشل النظام السياسي في مواجهة التغير وعدم قدرته في إعادة
التوازن الأمر الذي يؤدي إلى حدوث العنف السياسي نتيجة لاختلال هذا
التوازن. إذن طبقاً لهذا الاتجاه، فإن عدم التناسق بين القيم والبيئة في
المجتمع تكون النتيجة هي فشل النسق الاجتماعي مما يؤدي إلى ظهور أزمات
اجتماعية، وهنا يصبح النظام السياسي فاقداً للسلطة وغير قادر على امتلاك
القوة في إعادة التوازن الاجتماعي إلى وضعه الطبيعي الأمر الذي يؤدي إلى
ظهور مؤشرات العنف السياسي في المجتمع.(Johnson, 1976 )

(3) عوامل الصراع السياسي: Political Struggle Factors
يرى هذا الاتجاه أن العنف السياسي هو نتاج للصراع الذي يحدث بين السلطة
السياسية والجماعات المنظمة التي تنافس السلطة السياسية المحتكرة لوسائل
الإكراه (القوة) في المجتمع. ففي هذا الإطار يؤكد (Charles Tilly, 1976) أن
ظهور الصراع السياسي في المجتمع يؤدي بالضرورة إلى ظهور مفهوم [السلطة
متعددة السيادة]، ويقصد بذلك توافر قوى متنافسة في المجتمع مما يؤدي إلى
إضعاف دور الحكومة وبروز تكتلات القوى والتي تخلق تحدياً للسلطة القائمة
والذي بدوره يؤدي إلى تفكك السلطة السياسية المحتكرة للقوة. باختصار يرى
هذا الاتجاه أن طبيعة التنظيم الجماعي والتفاعل القائم بين الأنظمة
السياسية والقوى المنافسة لها يحدد مدى العنف السياسي في المجتمع.

(4) عوامل الصراع الطبقي: Class Struggle Factors
ينطلق هذا الاتجاه في تفسير ظاهرة العنف السياسي من منطلقات ماركسية، حيث
يركز على أنماط الإنتاج وعلاقات الإنتاج والصراع بين الطبقات. يؤكد كارل
ماركس (117-116 :1978) هذه الحالة من الصراع، فيقول: "… إن نمط الإنتاج
للحياة المادية يحدد بشكل عام عملية الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية.
… إن قوى المجتمع الإنتاجية المادية، عند مرحلة محددة من تطورها، تصبح في
حالة صراع مع علاقات الإنتاج القائمة"، والتي بدورها تتحول إلى قيود للقوى
الإنتاجية، وعند هذه الحالة تبدأ مرحلة العنف في المجتمع والذي يأخذ شكل
صراع بين الطبقات في المجتمع. حيث يقول كوهان (1979:67-68) "… البناء
الاقتصادي يسبب نمو علاقات اجتماعية معينة، عن هذه الأسباب تنبع تنظيمات
طبقية خاصة، وفي كل مجتمع ثمة طبقتان رئيسيتان: طبقة حاكمة مستغِلة وأخرى
محكومة مستغَلة، وأفراد هذه الطبقة الأخيرة يغتربون عن القيم السائدة
وطريقة إنتاج الأشياء، وهم يشكلون أخيراً جماعة ضخمة، يجمعهم معاً الوعي
الطبقي المشترك، … وإذا قويت هذه الطبقة المستغَلة بما يكفي أطاحت بالطبقة
الحاكمة."




العنف السياسي وأسبابه في عهد بومدين
إن ما تشهده الجزائر من عنف سياسي لم يكن وليد الساعة، بل ترجع جذوره إلى
بداية السبعينات من هذا القرن إن لم يكن قبل ذلك. فالشعب الجزائري كان يرزح
تحت الاستعمار الفرنسي أكثر من 132 عاما، ولم يحصل على استقلاله إلا بعد
تضحيات كبيرة، وبعد استخدام كافة الوسائل المتعددة من الطرق السلمية إلى
استخدام القوة والعنف بشتى صوره. ولذلك فشعب كان يعاني من التقتيل والتشريد
والحصار والهيمنة الخارجية أصبحت لديه المناعة الكافية لاستيعاب وتحمل أية
أزمة كانت. وباستطاعته أن يضحي في سبيل استقلاله وتحقيق أهدافه الدينية
والسياسية والاقتصادية. ولم تحجم قدرته وتطلعاته أي محاولات سواء من الداخل
أو الخارج. إلا أنه ومن منطلق أهداف هذه الدراسة فإننا سوف نتحدث عن حالة
ظهور العنف المنظم في عهد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين. لم تكن
مرحلة الرئيس هواري بومدين مرحلة بناء واستقرار وتنمية فحسب بل كانت تشوبها
بعض الصراعات السياسية والفكرية، إلا أنها لم تصل في حدتها وقوتها وخروجها
على القانون مثل ما حدث في المراحل اللاحقة.
إن المتتبع لجذور العنف السياسي في الجزائر ليجد جذوره الأولى في الأساس
البنائي والهيكلي لدولة الجزائر الحديثة والذي نتج عن التغيير السياسي في
شكل السلطة الجزائرية بعد الاستقلال والمتمثل في الحركة الانقلابية التي
قادها الرئيس هواري بومدين في 19 من شهر يوليو لعام 1965م والتي أطاحت
بالرئيس أحمد بن بيلا وانتهت بتعديل هيكلية النظام السياسي والتركيز على
إعادة بناء الحزب الحاكم ومن ثم إنفراده المطلق بالسلطة مع استيعابه لبعض
عناصر المعارضة من خلال طرح برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي
أجلت المواجهة بين النظام السياسي وعناصر المعارضة. ولذلك نجد أنه في بداية
مرحلة الرئيس هواري بومدين أكد النظام السياسي على سياسة تأكيد الهوية
العربية والإسلامية للدولة وكان هناك شبه إجماع على تجذير أيديولوجية
الدولة الجديدة. الأيديولوجية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية،
وكان النظام السياسي في تلك المرحلة يجيد التعامل مع مختلف القوى في
الدولة، بل أن مرجعية هذه القوى قد تم تحديدها في جبهة التحرير الوطني
والتي بدورها استخدمت الإسلام كأداة لتمرير سياساتها وأيديولوجيتها ولذلك
نجد أنه "في كل مرة يؤكد ساسة الجزائر انتماءهم إلى الحضارة العربية
الإسلامية، وبقي الإسلام الملاذ الثقافي للمشروع الاشتراكي." (. قواص،
1998:24) وقد لعب الإسلام دوراً صاهراً لوحدة وهوية وشخصية الجزائر استمر
في إسباغ شرعية على الجزائر المستقلة.
فقد ساهمت الهوية الإسلامية للدولة في منح وتأكيد الشرعية للنظام السياسي،
بل وحشدت كافة الكتل الشعبية خلف مشروع بناء الوحدة الوطنية، الأمر الذي
أبعد -ولو مؤقتاً- شبح المواجهة بين النظام السياسي وقوى المعارضة. وفي
مقابل ذلك حرص النظام السياسي على عدم إثارة الجماهير الشعبية، بل وقام
بقبول بعض المطالب الشعبية التي تتعارض مع برامجه المختلفة. من ذلك عدلت
الدولة عن "تطبيق سياسة تحديد النسل التي كانت تنادي بها، وذلك رغبة في
اجتناب المعارضة الشديدة التي لقيتها هذه السياسة في أغلبية الأوساط
الشعبية، وعدلت أيضاً عن التحويرات (التعديلات) الأساسية التي كانت تعتزم
إدخالها في قانون الأحوال الشخصية خاصة فيما يهم حقوق المرأة." (بلعيد،
1998:79)
لقد استطاع النظام السياسي في عهد بومدين أن يضع توازناً سياسياً هشاً بين
جميع أطراف المعارضة في الجزائر، حيث نجده، أولاً: يؤكد على سياسة التعريب
الأمر الذي أدى إلى كسب تأييد ودعم التيار الإسلامي والعروبي في الجزائر
وخارجها. وثانياً: بدأ في عام 1972م بإطلاق ما يعرف بـ (الثورة الزراعية)
والتي أحدثت نقلة نوعية في الجزائر من حيث أنها بدأت تروج للنظام الاشتراكي
في الجزائر، خاصة بعد الاستعانة بخبراء من الاتحاد السوفييتي السابق
لترسيخ هذا البرامج الزراعي، الذي لم يؤت بنتائج كما كان يتوقع النظام
السياسي. ثالثاً: بدأ النظام السياسي يطرح برامج اقتصادية وثقافية متعددة
لرفاهية المجتمع، إلا أن هذه الإجراءات كان يقصد بها توفير سند اجتماعي
واقتصادي للنظام السياسي، كعوامل ضرورية لاستقراره والحفاظ على شرعيته، غير
أن فشل هذه البرامج أدى إلى كشف عدم قدرة النظام وعجزه عن تطبيق برامجه
المتعددة، بل إن هذا العجز عكس عقماً داخلياً في عدم قدرة النظام على إنتاج
بدائل تطرح رؤية اقتصادية وسياسية عصرية تعبر عن رغبات ومتطلبات كافة
شرائح وفئات المجتمع الجزائري. ولهذا أوجد النظام السياسي عداوة جميع أطراف
المعارضة، مما أدى إلى بداية المواجهة الفعلية في عام 1975م والذي تمحور
حول إقرار (الميثاق الوطني الجديد) والذي تم إقراره في عام 1976م بعد
تنازلات وتحالفات بين مختلف أطراف الصراع في الدولة. ومع أن الميثاق الجديد
قد "أفرز معادلات جديدة في السياسة الجزائرية، لكن الشرخ كان قد بدأ
بالاتساع بين دعاة التعريب، ودعاة الإصلاح الزراعي" (مركز الدراسات
والأبحاث، 1992:141). ولذلك بدأ النظام السياسي محاولاته بضبط وإضعاف مراكز
القوى المتصارعة والتي تهدد كلا المشروعين (التعريب والثورة الزراعية)،
لكن النظام وجد نفسه في مواجهة مع هذه القوى. وجد النظام السياسي نفسه في
مواجهة مباشرة مع القوى الإسلامية وخاصة القوى التي رفضت الميثاق الوطني
لعام 1976م، حيث انتقلت هذه المعارضة ولأول مرة في تاريخ الجزائر من
المعارضة السلمية إلى استخدام العنف المسلح.(2) والمتتبع لجذور العنف
السياسي في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، يستطيع أن يحصر ذلك في ستة
أمور أساسية: (قواص،1998، حيدوسي، 1997، مركز الدراسات والأبحاث، 1992).
أولاً: فشل الثورة الزراعية وعدم تحقيق أهدافها التي نادت بها ، وما ترتب
على ذلك الفشل من تغيير في التركيبة السكانية حيث نزح الكثير من سكان الريف
إلى المدن الأمر الذي أدى إلى نوع من الخلل في التوازن الديموغرافي. وهذا
بدوره أدى إلى ضغوط على النظام السياسي لتوفير الحاجات الأساسية للمجتمع،
ونتيجة لهذا الفشل، يكتشف المجتمع الجزائري أن الثورة الزراعية لم تنتج سوى
الحرمان والإحباط، الأمر الذي أدى إلى اهتزاز قاعدة النظام السياسي.
ثانياً: تعثر سياسة "التعريب" في الجزائر والتي استجابت لكثير من الضغوط
الداخلية والخارجية، الأمر الذي أدى إلى نوع من الفوضى في هذه السياسة.
ثالثاً: فشل النظام السياسي في السيطرة على قطاع المساجد والذي اصبح ينمو
بشكل كبير حيث انتشرت المساجد التي يتم إنشاؤها من قبل الشعب والجماعات
الإسلامية وبذلك أصبحت مراكز توجيه وتنظيم وتخطيط للجماعات والتنظيمات
الإسلامية.
رابعاً: في عام 1971م سمحت الدولة بإقامة الجمعيات التي تحولت إلى منابر
يعبر من خلالها الجزائريون عن توجهاتهم الفكرية واطروحاتهم السياسية
ومنتظماتهم الاجتماعية وكان تأسيس هذه الجمعيات عبارة عن نقلة نوعية
تنظيمية مهمة في الحياة السياسية للأفراد والجماعات في المجتمع الجزائري،
وقد أدى ذلك إلى تقوية نفوذ ومكانة تلك الجمعيات والتهيئة إلى الانتقال إلى
مرحلة تالية أكثر مواجهة مع النظام السياسي.
خامساً: في عام 1976م فرض الرئيس بومدين تبني دستور جديد (الميثاق الوطني)
وهو عبارة عن "دستور منسوخ عن النماذج الستالينية.... (حيث) جرى استبدال
ديكتاتورية البروليتاريا بديكتاتورية الجهاز العسكري" (حيدوسي، 51:1997)
وهذا الدستور الجديد بعيد كل البعد عن التعبير عن حقيقة التوازنات
السياسية. وكردة فعل لمثل هذه السياسة، بدأت الجماعات والتنظيمات الإسلامية
برفض هذا الدستور، ولذلك بدأ النظام السياسي بقمع الجماعات المعارضة
للدستور، وخاصة الجماعات الإسلامية مما أدى إلى نموها وقوتها واثبات وجودها
في المجتمع، وتوسيع قاعدتها الشعبية في مواجهة التيارات الأيديولوجية
المتعددة، بل وفي مواجهة النظام السياسي.
سادساً: فشل السياسة التصنيعية التي اعتمدها النظام السياسي، والتي تهدف
إلى تشييد قاعدة اقتصادية متحررة عن تأثيرات وضغوط السياسة الاقتصادية
الرأسمالية المهيمنة. ولتحقيق ذلك فقد تبنت النخبة الحاكمة "نموذجاً
تنموياً يستند إلى مجموعة من الأفكار والإجراءات، مثل التأميمات وبناء قطاع
عام واسع، واعتماد المخططات التنموية الهادفة إلى إقامة اقتصاد [متمركز
حول الذات] وكذلك فكرة التصنيع الكثيف المستند على ما أطلق عليه اسم
[الصناعات التصنيعية]" (قواص، 50:1998) وهذه السياسة أوقعت البلاد ضحية
البرنامج الاقتصادي الغير متكافئ وإمكانات الدولة، حيث اعتبر الرئيس هواري
بومدين أن "لا استقلال سياسياً دون سياسة تصنيعية مستقلة . غير أن تلك
السياسة أدت إلى حرمان النظام من تأمين الاكتفاء الذاتي الغذائي للبلاد"
(قواص، 50:1998)
من خلال قراءة وتحليل العناصر السابقة يمكن القول بأن حجم العنف السياسي
[بشقيه الشعبي والرسمي] في الجزائر خلال فترة الرئيس هواري بومدين لم يصل
إلى درجة المواجهة المسلحة بين أطراف المعارضة، وبقي الوضع في إطار
المعارضة السلمية باستثناء حالات محدودة، ولذلك نستطيع القول أن مرحلة
هواري بومدين لم تشهد عنفاً سياسياً بالمعنى المتعارف عليه، إلا أن أواخر
مرحلة الرئيس هواري بومدين، ونتيجة لبعض السياسات الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية التي تم اتخاذها في تلك المرحلة بلورت أسس العنف السياسي المعاصر
في الجزائر. ولذلك فإن هذه المرحلة من عهد الرئيس هواري بومدين قد يفسرها
الاتجاه الذي يؤكد على حالة اختلال في النسق الاجتماعي والسياسي مما يؤدي
إلى عدم قدرة النظام السياسي على التكيف مع البيئة الداخلية والخارجية،
وكذلك عدم قدرته على الاستجابة للضغوط والمطالب الشعبية، الأمر الذي يؤدي
إلى حدوث العنف السياسي.

العنف السياسي وأسبابه في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد.
عقب وفاة الرئيس هواري بومدين أصبح هناك فراغ سياسي لم تستطع القيادة
السياسية الجزائرية في حينه من التغلب على المؤثرات الخارجية والداخلية في
ترتيب انتقال الحكم بطريقة تبعد تلك المؤثرات عن التدخل في السلطة، ولذلك
نجد أن المؤسسة العسكرية تدخلت وبشكل مباشر في فرض من تعتقد أنه يحقق
أهدافها ومن خلاله تستطيع أن تحكم الدولة. وكانت النتيجة أن تم اختيار
الشاذلي بن جديد أحد عناصر جبهة التحرير الوطني لرئاسة الدولة، وهكذا تمكن
الجيش من تكريس دوره في المراقبة وملاحظة كل ما يجري في الدولة وليصبح
المحرك الأساسي لسياسة الدولة.(3) من هنا بدأت التنظيمات المختلفة في
الجزائر تزداد نشاطاً ورفضاً للنهج (السياسي- العسكري) الذي فرضه الجيش على
المجتمع الجزائري. وبما أن الرئيس بن جديد لم يفرض نفسه على منافسيه -كما
فعل بومدين- بل تم اختياره بالتوافق بين بعض التيارات التي تمثل النخب
المشاركة في السلطة بالإضافة إلى النخب المسلحة، ولذلك أصبح بن جديد مديناً
لهذه النخب ملتزماً باطروحاتها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية
والأيديولوجية. ففي سبيل ذلك أكد نظام بن جديد على محورين مهمين شعبياً:
هما المحور الاقتصادي والمحور السياسي.

المحور الاقتصادي:
لقد تبنى النظام السياسي منهجاً مغايراً لمنهج النظام السابق في سبيل تثبيت
شرعيته. وبدأ يطرح سياسة اقتصادية تمثلت في إلغاء النظام الاشتراكي وتشجيع
الخصخصة للأملاك العامة، والتشجيع على الاستهلاك عبر الاستيراد المكثف
مقترناً بالدعم الحكومي للأسعار، وقد ساعد على ذلك زيادة دخل الدولة من
موارد البترول، ومن هنا بدأ واضحاً استقرار العلاقة بين السلطة والمجتمع
طيلة العقد الأول من فترة رئاسة الشاذلي بن جديد (1978-1988)، وكانت هذه
السياسة هي الرابطة التي تمحورت حولها علاقة السلطة بالمجتمع، إلا أن خللاً
خطيراً أصاب هذه العلاقة
"عندما تقلصت الموارد المالية، في مقابل تزايد مستوى الإنفاق العام، نظراً
إلى نمط الحياة الاستهلاكي غير الرشيد الذي برز مع بداية الثمانينات.
فالانخفاض المؤلم في العايدات النفطية أدى ... إلى تهديد الركائز التي شيٌد
عليها النظام نموذجه التنموي وإلى ضرب "المعادلة" السياسية-الاجتماعية
التي أعتاد اعتمادها. ولم تنتج سياسة "الانفتاح" إلا ارتفاعاً جديداً في
عدد المتضررين، طالت هذه المرة، تلك الشرائح التي كانت تستظل بالاقتصاد
الموجه." (قواص، 1998: 53-54)
لذلك ظهر الشرخ واضحاً في المجتمع الجزائري، فقد ظهرت شريحة "الأغنياء
الجدد" وهي طبقة غير منتجة "تعيش وفق النموذج والسلوك الغربيين، تتمتع
بوفرة استهلاكية عالية، وتستند إلى علاقات وطيدة مع أجهزة الدولة." (قواص،
56:1998) ومع أن القطاع الخاص كان يعول عليه أن يكون رمزاً للصعود
والارتقاء الاجتماعي والمساهمة في دفع عملية التنمية، إلا أن انتشار الفساد
داخل شركات القطاع العام وبعض الدوائر المرتبطة بالسلطة لم تكن تنوي
السماح للقطاع الخاص بالاستناد إلى عقلنة اقتصادية قاعدتها الربح والجدوى،
فمن شأن تلك الأسس أن تضرب شرعية النظام السياسية والاقتصادية والاجتماعية
المرتكزة على سياسة التحكم بالتوزيع لمصلحة عناصر النظام السياسي.
لقد برزت مظاهر الفشل الاقتصادي وتجسدت في ضعف الأداء والمرد ودية
الاقتصادية للمنشآت والتجهيزات التي كلفت الدولة ثروات ضخمة. وكان من نتائج
ذلك الفشل، "تعميق عملية التشوه والتبعية التي تعرضت لها البنية
الاقتصادية بسبب الاعتماد شبه المطلق على مداخيل الريع النفطي." (عنصر،
1995:84) وعندما انهارت أسعار النفط في السوق الدولية، وفقدت قسماً كبيراً
من عائداتها، وتفاقم الوضع الاقتصادي، وسيطرت البيروقراطية العسكرية على
أوضاع الاقتصاد، لم تعد الدولة مع ذلك كله قادرة على الوفاء بوعودها لاصلاح
الوضع الاقتصادي واضطرت إلى التخلي عن دعمها للأسعار الاستهلاكية، فارتفع
معدل التضخم إلى حد أصبح يثير القلق على مستقبل الوضع الاقتصادي، وارتفع
معدل البطالة حتى تجاوز 25% من القوى العاملة، وانخفضت قيمة العملة بنسبة
50% ، وجمدت الأجور، وتراكمت الديون حتى بلغت في بداية التسعينات حوالي 26
مليار دولار. (عنصر، 1995: 84-85) ونتج عن هذه الأوضاع المتردية انتقال
شرائح كبيرة من المجتمع إلى التهميش بما في ذلك الطبقات الوسطى وخريجي
الجامعات من أطباء ومهندسين، وبدأت هذه الشرائح تطالب بحصتها من الاستهلاك
وإصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور الأمر الذي ولد لدى هذه الشرائح "إحساساً
عاماً بالظلم والحرمان، وأشعل نار التململ الاجتماعي المطالب بتوزيع أكثر
عدالة للثروة الوطنية." (قواص، 59:1998) بل إن هذا الوضع الاقتصادي المتردي
بدأ يضغط على الشرائح الاجتماعية، وبالذات الشابة منها، مما أدى إلى فقدان
الثقة بالسلطة ورموزها، ولذلك وجدت هذه الشرائح خلاصها بالالتحاق بالحركة
الدينية السياسية وتبنت بالمقابل ثقافة عنف تعبر من خلالها عن حالة ا ليأس
والحرمان والقنوط التي تعتريها.(4)
المحور السياسي:
لقد أدرك الرئيس بن جديد أن الأوضاع الدولية والإقليمية والمحلية تفرض عليه
ضرورة التغيير السياسي ليتماشى وهذه المتغيرات. فعلى المستوى الدولي رأى
الرئيس الشاذلي بن جديد أن دول العالم بدأت تعصف بها رياح التغيير، وبدأت
غالبية دول العالم تعيد حساباتها من هذه التغييرات. فقد بدأت الدول تتحول
نحو التعددية السياسية. وأن نظام الحزب الواحد أصبح غير ذي فاعلية، بل إن
الدول أحادية الحزب في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي (السابق) بدأت
تنهار ، وأن التحول إلى نظام التعدد الحزبي هو التطور الحتمي الذي يجب على
الأنظمة أن تتبناه في سبيل تجنب انتشار المعارضة والعنف.
أما على المستوى السياسي المحلي: فقد كان حزب جبهة التحرير هو الحزب
المسيطر والمحتكر للسلطة السياسية، وأدى هذا الاحتكار إلى خنق الحريات
الفردية والعامة، بل ومصادرتها في بعض الأحيان ومن ثم التعسف في استعمال
السلطة، وهذا بدوره أدى إلى فشل الجهاز البيروقراطي في أداء مهماته كوسيلة
للاتصال وأداة لتنفيذ البرامج والمخططات، كل ذلك أدى إلى خلق فجوة بين
النظام السياسي والمجتمع، بل وأوجد مواجهة بينهما، ونتج عن ذلك فقدان
النظام السياسي لمصداقيته وشرعيته لدى شرائح المجتمع المختلفة، بل أدى إلى
ظهور وضع متفجر يصل إلى استخدام العنف أحياناً لفك الحصار المضروب على
القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع. (نصر،:1995:88) ظهرت الخلافات
والاختلافات في المؤسسات السياسية والعسكرية حول إدارة الأزمة، وظهرت حركات
معارضة ذات قاعدة شعبية كبيرة: مثل الحركة الإسلامية، والتي نشأت حول
المساجد والخطباء وتشبعت باطروحات قادة الحركة الإسلامية السياسية والتي
جاءت كردة فعل لانتشار الفساد الإداري والمالي والسياسي في الدولة. وقد
تشكل إطارها النضالي من الجامعيين والموظفين في القطاع العام في الدولة،
وغالبيتهم من الشبان الذين وجدوا فيها اعترافاً اجتماعياً بوضعهم. كذلك
برزت حركات معارضة -هي الأخرى فقدت الثقة في الدولة- تطالب بالتغيير
السياسي والمؤسسي: مثل الحركة الثقافية البربرية، وأخرى ذات نزعة
أيديولوجية تمثلت في المنظمات اليسارية. فجميع هذه التنظيمات على اختلاف
توجهاتها واهدافها تتفق جميعاً على أمر أساسي وهو معارضة النظام السياسي
ومعارضة الممارسات التي تقوم بها العناصر المتنفذة في السلطة. كانت مطالب
المعارضة واضحة ومنسقة: تتمثل في وضع برنامج منهجي للإصلاحات المؤسسية
والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. أدرك النظام السياسي أنه أمام متغيرات
يصعب ضبطها ولذلك ظهرت على رموز النظام علامات الإرباك والانقسام تجاه
مطالب المعارضة، ومع ذلك أخذ النظام السياسي يراوغ ويناور ويرفض التنازل عن
المكتسبات السياسية التي حققها، هذه السياسة أدت إلى انفجار الأوضاع في
الدولة في أكتوبر عام 1988م، حيث ظهرت التظاهرات والحوادث وتدخل الجيش
وأعلن حالة الطوارئ وبدأ الجيش يقمع التظاهرات. (حيدوسي، 89-1987:84)
أدرك الرئيس بن جديد خطورة الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الدولة
وأن الجزائر دخلت عصراً جديداً لابد فيه من تغيير لغة الخطاب السياسي، وأن
المواجهة مع المعارضة حتمية مالم يتخذ النظام السياسي إصلاحات سياسية
جذرية، ولذلك اعتمد الرئيس ما يعرف بسياسة "الانفتاح السياسي" والحوار
والتغيير إلى الأفضل، لأن ذلك -كما يرى الرئيس- هو الوسيلة الوحيدة لجمع
الحكم والمعارضة في محاولة لإبعاد شبح العنف المسلح عن الدولة، فأصدر قانون
(5 يونيو 1989م) والذي يقضي بإلغاء نظام الحزب الواحد والسماح بنظام
التعددية الحزبية ووعد بإجراء الانتخابات على المستويات المختلفة، ابتداءً
من الانتخابات البلدية، مروراً بالانتخابات النيابية ووصولاً إلى
الانتخابات الرئاسية. (أبو عامود،1993:119) ولتحقيق التغيير والانفتاح
وتطبيق الديموقراطية، أعلن الرئيس عن إجراء الانتخابات النيابية في 26
ديسمبر 1991م، لم يتوقع النظام السياسي (ومؤسساته السياسية والعسكرية) عند
طرح برنامج الانفتاح السياسي والتعدد الحزبي أن القوى السياسية الإسلامية
تمتلك قاعدة شعبية عريضة تؤهلها للفوز بالانتخابات.(5) وجرت الانتخابات في
موعدها وجاءت المفاجأة بحصول جبهة الإنقاذ على 188 مقعداً نيابياً من أصل
430 في الدورة الأولى، حيث حصلت على نسبة 44% من أصوات المقترعين، وكانت
التوقعات تؤكد أن جبهة الإنقاذ ستحصل في الدورة الثانية على أغلبية
الثلثين. (غانم، 1992:66) كانت رغبة الرئيس بن جديد هي التعايش مع جبهة
الإنقاذ خاصة بعد ظهور المؤشرات التي تبين مدى شعبية الجبهة في الشارع
الجزائري، وقد كانت استراتيجية ابن جديد هي محاولة لإرساء توازنات للقوى
على الخريطة الجزائرية. توازنات بين السلطة السياسية من جهة والجبهة ذات
التأثير الشعبي الكبير والقوى السياسية الأخرى من جهة أخرى.
هذا التوجه للرئيس ابن جديد وكذلك الفوز الذي حققته الجبهة الإسلامية
للإنقاذ لم يلق الرضى والقبول من قبل المؤسسة العسكرية، ولذلك بدأ الجيش
يمسك بزمام السلطة لإبعاد الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الوصول إلى السلطة،
فأجبر الجيش الرئيس بن جديد على اتخاذ إجراءات تتعارض ومنهجه السياسي،
ومنها: إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي فازت بها جبهة الإنقاذ، حل
المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، تعليق العملية الانتخابية، وأخيراً أجبر
الرئيس الشاذلي بن جديد على تقديم استقالته.(6) بعد تلك الإجراءات توالت
الأحداث التي عصفت بالوضع المتفجر في الجزائر، مما جعل الجيش يتخذ بعض
الإجراءات ومنها: حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومنع وسائلها الإعلامية عن
الصدور، بدء حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف الحركة الإسلامية، خاصة بين
قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، مع رفض إجراء أي حوار مع القوى السياسية.
إنطلاقاً من هذه الإجراءات أصبح للمؤسسة العسكرية وزناً سياسياً كبيراً في
نطاق المعادلة السياسية الجزائرية، وأخذت الأزمة الجزائرية منعطفاً خطيراً،
فقد لعب الجيش دوراً أساسياً في انفجار الأوضاع وبداية المواجهة بين
السلطة وقوى الإسلام السياسي. هذه الإجراءات دفعت أحزاب المعارضة "إلى
العمل السري والاعتقاد بشرعية استخدام العنف في مواجهة السلطة السياسية
التي لم تحترم إرادة الشعب التي عبر عنها في صناديق الانتخابات." (أبو
عامود، 1993:120) بعد نجاح المؤسسة العسكرية في الضغط على النظام السياسي
لاتخاذ إجراءات ضد سياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي، بدأ يتبلور دور
الجيش كحارس للنظام السياسي وهذا جعله في مواجهة مباشرة مع القوى والتيارات
السياسية التي بدأت تطرح نفسها كبديل للنظام السياسي القائم، ومن هنا
اتجهت المؤسسة العسكرية إلى استخدام العنف ضد القوى المعارضة لتقليص وتحجيم
دور هذه القوى. كما أن تركز السلطة في المؤسسة العسكرية تعزل من تشاء
وتعين من تشاء(في رئاسة الدولة) على حساب إرادة ورغبات الشعب وتضييق الخناق
على الجماعات والتنظيمات المعارضة، الأمر الذي أفقدها فاعليتها كقنوات
اتصال بين الشعب والسلطة الحاكمة. كل ذلك أوجد بيئة مناسبة لممارسة أعمال
العنف، فعندما تنعدم أو تضيق القنوات الرسمية للمشاركة والتعبير عن الرأي
ينفتح الباب أمام العمل تحت الأرض، أضف إلى ذلك حالة الفشل والإحباط التي
عمت الجماهير الجزائرية (وخاصة الشابة والمثقفة) نتيجة لسوء الأوضاع
الاقتصادية وانتشار البطالة بين الناس والتي عبر عنها الشعب الجزائري في
شكل تظاهرات عارمة خلال عامي 1988 و1991م. وهذه المرحلة من مراحل العنف
السياسي في الجزائر يفسرها العامل السيكولوجي الذي يؤكد على أن المجتمعات
عندما تمر بمرحلة ازدهار اقتصادي يعقبها فترة انتكاس حاد فإن ذلك يؤدي إلى
نوع من الإحباط نتيجة لبروز فجوة بين التوقعات والآمال من ناحية وما يحصل
عليه الناس من ناحية أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة احتمال ظهور العنف
السياسي، وهذا ما حدث في الجزائر في أواخر عهد الرئيس الشاذلي بن جديد.

سمات العنف السياسي في الجزائر في عهد كل من بوضياف وعلي كافي:
شهد عهد الرئيس الأمين زروال أشد أعمال العنف السياسي في الجزائر. غير أنه
لايمكن الحديث عن أسباب العنف السياسي في عهد الرئيس الأمين زروال دون
الأخذ في الاعتبار التراكمات السياسية والعنفية التي خلفتها الأنظمة
السياسية السابقة، بدءأً بأواخر عهد الرئيس بن جديد ومروراً بعهد محمد
بوضياف وانتهاءً بعهد علي كافي. تلك الأنظمة الثلاثة وما خلفته من تركة
سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة كانت بمثابة أسس العنف السياسي في عهد
الأمين زروال. إن التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي شهدتها
الجزائر في ظل دستور سنة 1989 والذي نص على التعددية السياسية، وجرت على
أساسه الانتخابات المحلية في يونيو سنة 1990 ثم الانتخابات البرلمانية في
ديسمبر 1991م، هذه التحولات من نظام الحزب الواحد [حزب جبهة التحرير
الوطني] إلى النظام الديموقراطي القائم على تعدد الأحزاب السياسية،
والمنافسة الحرة، والتداول السلمي للسلطة، وتقليص دور الدولة في النشاط
الاقتصادي، والسماح للقطاع الخاص بممارسة دور أكبر في قطاعات الإنتاج
والتصنيع والتجارة الداخلية والخارجية، تأثراً بالتحولات الجذرية التي
شهدتها دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق، كل هذه التحولات لم
تعكس تحولاً أساسياً في طبيعة هيمنة المؤسـسة العسكرية، بل إن هذه التجربة
تم إحاطتها بسياج من القوانين والإجراءات التي أفرغتها من مضمونها الحقيقي،
بل وأجهضتها قبل أن تتشكل وتؤتي ثمارها. إن المؤسسات التي تمتلك وسائل
الإكراه (الجيش، الشرطة، أجهزة الاستخبارات) لم تكن قادرة على استيعاب
القوى المختلفة والمتنوعة بطريقة سلمية وبدون اللجوء إلى العنف، وكذلك لم
تستوعب المؤسسة العسكرية إعطاء الشعب دور في تحديد اختياره بطريقة مشروعة
فهو وحده مصدر السلطات في الدولة والذي عبر عن هذا الدور من خلال صناديق
الانتخابات في المرحلة الأولى في ديسمبر 1991م وأسفر ذلك عن فوز الجبهة
الإسلامية للإنقاذ بأغلبية تصل إلى 44% من إجمالي عدد مقاعد المجلس الشعبي (
البرلمان) إلا أن المؤسسة العسكرية حاولت جر المنظمات والأحزاب الإسلامية
للانخراط في العنف الأمر الذي برر لهذه المؤسسات ممارسة العنف السياسي وذلك
بهدف ضمان استمرار النظام السياسي، والحفاظ على الوضع القائم، وتقليص حجم
ودور القوى المعارضة للنظام، خاصة التنظيمات الإسلامية، ومن ثم إقناع
النظام السياسي بعدم وجود مخرج إلا بالعودة إلى النظام السابق، والتخلي عن
الإصلاحات السياسية.
المؤسسة العسكرية في الجزائر ـ كغيرها من المؤسسات العسكرية في دول العالم
الثالث ـ قد تكون وسيلة للاستقرار إذا استطاعت القيادة السياسية أن تروضها
وتوجهها للقيام بوظيفتها الأساسية، وقد تنخرط المؤسسة العسكرية في المعترك
السياسي وتفقد وظيفتها الأساسية وذلك يؤدي إلى الفوضى والعنف وعدم
الاستقرار، وهذا يحدث في حالة سيطرة المؤسسة العسكرية على القيادة
السياسية. وقد مرت الجزائر بالحالتين السابقتين: الأولى في عهد الرئيس
هواري بومدين، حيث كان يتمتع بقوة الشخصية والقيادة الكاريزمية. لقد حيد
الرئيس بومدين المؤسسة العسكرية من الانخراط في الحياة السياسية الجزائرية،
ولذلك انفرد بالحكم فارضاً قوة الحزب (جبهة التحرير الوطني) في إدارة شؤون
الدولة، وقد أدى ذلك إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. أما
الحالة الثانية فقد بدأت منذ وفاة الرئيس بومدين واستمرت إلى الوقت الراهن،
حيث اتسمت هذه المرحلة بتدخل الجيش في السلطة السياسية وأصبح يعين ويقيل
القيادات السياسية في الدولة.
بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد حرصت المؤسسة العسكرية على الاحتماء
بالشرعية التاريخية الثورية،(7) فقد بحثت المؤسسة العسكرية الحاكمة عن وجه
مدني جديد، يمكن استخدامه واجهة للسلطة العسكرية وعلى أن يكون من القادة
التاريخيين لحرب التحرير، فلم تجد المؤسسة العسكرية أفضل من محمد بوضياف
وأحد صانعي الاستقلال،(8) حيث هو الشخصية التي تتوفر لديها صفات خاصة مؤهلة
لرئاسة المجلس المؤقت (المجلس الأعلى للدولة)(9) ويعطيه الثقل الشرعي.
تولى محمد بوضياف رئاسة "المجلس الأعلى للدولة" وطرح برنامجه السياسي
والمتمثل في "أن مجلس الرئاسة هو وضع انتقالي نحو نظام ديموقراطي يحتكم إلى
الدستور الذي تضعه جمعية تأسيسية منتخبه تلتزم بمبادئ الثورة الجزائرية،
حول وحدة التراب الوطني والتنمية الاقتصادية الشاملة في خدمة المواطن."
(أبو عامود، 1993:115)
عندما استلم الرئيس بوضياف الحكم في الجزائر وجد أن السلطة السياسية لا
تتمتع بالقاعدة الشعبية التي تستند عليها والتي تؤهلها لفرض النظام، وتوفر
الدعم اللازم لمشروعها الاقتصادي والاجتماعي، وتشكل قوة سياسية لدعم
برامجها المختلفة، أضف إلى ذلك اهتزاز صورة المؤسسة العسكرية لدى الشعب
الجزائري خاصة بعد اشتراكه في مواجهات دامية ضد الجماهير الشعبية، وتجاوزه
الدور الذي حدده له الدستور الجزائري وتدخله في اللعبة السياسية.(ميتكيس،
1993:44) لذلك طرح الرئيس بوضياف فكرة إنشاء تجمع وحدوي وطني يتكون من
مجموعة من القوى السياسية والأحزاب والمنظمات المهنية والنقابية في تجمع
وطني كأحد أشكال الحزب الواحد، أطلق عليه "حزب التجمع الوطني الديموقراطي"
وذلك لسد الفراغ السياسي الناتج عن حل جبهة الإنقاذ الإسلامية وتجميد حزب
التحرير الوطني.(أبو عامود، 1993:116) ثم بدأ الرئيس يعطي أهمية كبيرة
لقضية الفساد المالي والإداري والتجاوزات التي ظهرت في مرحلة الرئيس بن
جديد، وكان يبدو من طرح بوضياف السياسي أنه أصبح يهدد، ليس الوجود السياسي
لتنظيمات المعارضة فحسب، بل كذلك أصبح يهدد مصالح النخب السياسية والعسكرية
في الدولة، حيث كان يستعد لإقالة مجموعة من كبار الموظفين والمسؤولين في
المؤسسة العسكرية. ومع أن الجيش لعب دوراً هاماً في تولي بوضياف السلطة،
إلا أن بوضياف حاول أن يقلص من دور المؤسسة العسكرية في العمل السياسي
وإيضاح أنه ليس واجهة للسلطة العسكرية، وكذلك أراد أن ينهج أسلوب مواجهة مع
القوى التي يعتقد بأنها خلف هذا الفساد. وقد سبب ذلك مواجهة بين بوضياف من
ناحية والمسؤولين السياسيين والعسكريين من ناحية أخرى، أضف إلى ذلك مواجهة
بوضياف للقوى السياسية الإسلامية، حيث بدأت السلطة باعتقالات واسعة شملت
القيادات البارزة في الأحزاب الإسلامية. ومن هنا وجد بوضياف أنه أصبح في
صراع مع جبهتين، جبهة القوى الرسمية من مدنية وعسكرية وجبهة المعارضة،
ونظراً إلى أن هذه المواجهة بين بوضياف والأطراف الأخرى هي مواجهة غير
متكافئة، فقد دفع بوضياف حياته ثمناً لمواقفه تلك.(10)
بعد اغتيال بوضياف بدأ الصراع على السلطة في الجزائر، ورغبة المؤسسة
العسكرية البقاء في الظل على الأقل في مرحلة عدم الاستقرار السياسي التي
تعصف بالجزائر. ونتيجة لذلك حرصت المؤسسة العسكرية مرة أخرى على الاحتماء
بالشرعية التاريخية الثورية، وتم اختيار علي حسين كافي الذي يعد رمزاً من
رموز الشرعية الثورية، رئيساً للمجلس الأعلى للدولة وذلك لما يتمتع به من
نفوذ قوي حيث تُوج هذا النفوذ برئاسته لمنظمة قدماء المجاهدين.
عندما جاء علي كافي إلى السلطة رغب في تجسير الفجوة بين النظام السياسي
والمعارضة بشتى أطيافها، أو تفتيت قوة المعارضة بما يخدم مصلحة النظام
السياسي، فلجأ إلى أسلوب فتح الحوار والمصالحة وتهدئة الأوضاع السياسية
بالإضافة إلى المناورة السياسية آخذاً بمنهج الاعتدال في التعامل مع
المعارضة في محاولة لتحقيق الحد الأدنى من التوافق السياسي مع المنظمات
والأحزاب المعارضة للنظام السياسي ومن ثم البحث عن صيغة توفيقية تكون
مقبولة من كافة الأطراف. ففي سبيل تحقيق ذلك بدأ النظام السياسي باتخاذ
جملة من الأساليب المختلفة مثلميتكيس، 51-52 1993)
أولا: محاولة استقطاب بعض القيادات الإسلامية لجبهة الإنقاذ سواء القيادات
الرئيسية لعق


عدل سابقا من قبل admin في السبت 18 ديسمبر - 16:25 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.univ-batna2.alafdal.net
MAZOUZ MOHAMED
...::|رئيس المنتدى|::...
...::|رئيس المنتدى|::...
MAZOUZ MOHAMED


مساهماتي : 5235
تاريخ الميلادي: : 01/07/1991
تاريخ التسجيل : 22/07/2009
عمـــري: : 33
الموقع : www.univ-batna2.alafdal.net

ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: ظاهرة العنف السياسي في الجزائر    ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  Icon_minitimeالسبت 18 ديسمبر - 16:22

ثانياً: هيمنة المؤسسة العسكرية على القرار السياسي في الدولة، وبروزها
كطرف رئيسي في العنف السياسي. وهذه السمة لا تقتصر على عهد زروال بقدر ما
كانت سمة من سمات العهود السابقة وخاصة عهدي محمد بوضياف وعلي كافي. اكتسبت
المؤسسة العسكرية الجزائرية هيبتها واحترامها من تاريخها الطويل في الكفاح
حتى تحقق استقلال الجزائر ثم استمرت كمركز قوة داعمة للنظام السياسي في
برامجه الإصلاحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولم تتورط المؤسسة
العسكرية بشكل مباشر في صنع السياسة الجزائرية الخارجية والداخلية في مرحلة
بناء الدولة الجزائرية وهي المرحلة التي استمرت من تاريخ الاستقلال عام
1962 حتى وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1978م، إلا أن المؤسسة
العسكرية برزت مع بداية عهد الشاذلي بن جديد كأقوى طرف في الصراع الدائر
على السلطة في الجزائر، حيث نجحت في المشاركة والتحكم في كل الخيارات
السياسية وتعدد تدخلها لضبط توازنات القوى في الجزائر. فبقدر ما لعبت
المؤسسة العسكرية في الجزائر دوراً محورياً في حماية النظام السياسي،
استطاعت أن تقوم بدور هام في الحياة السياسية خاصة فيما يتعلق باختيار
قيادات النظام السياسي ابتداءً بالرئيس الشاذلي بن جديد وانتهاءً بالرئيس
الأمين زروال. فمنذ تولي الرئيس الشاذلي بن جديد الرئاسة ارتبطت المؤسسة
العسكرية، ممثلة في القيادات العسكرية، بشبكة واسعة من العلاقات مع النخب
السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة الأمر الذي ضمنت من خلاله
الارتباط بمراكز اتخاذ القرار السياسي في الدولة، وهذا يبين الدور
الاستراتيجي للمؤسسة العسكرية في النظام السياسي وقدرتها على المشاركة
والتحكم عن قرب في توجيه وضبط إيقاع مؤسسة الرئاسة ومسارها السياسي.
هذه الهيمنة العسكرية على أدوات صنع القرار والمشاركة الفعلية في رسم
السياسة الخارجية والداخلية للجزائر شكلت عائقاً أساسياً في حركة النظام
السياسي، الأمر الذي دفع القيادات السياسية إلى التخفيف من تلك الهيمنة ومن
ثم تقنين دور المؤسسة العسكرية، وكان ذلك من خلال دستور 1989م والذي تضمن
إشارة واضحة إلى حظر العمل على الجيش في المجال السياسي ومحاولة تحجيم دوره
بإبعاده عن مصدر اتخاذ القرار السياسي، إلا أن المؤسسة العسكرية استطاعت
الإمساك بزمام الأمور وتخلصت من جميع الرؤساء الذين حاولوا تجريد المؤسسة
العسكرية من المكاسب السياسية التي تحققت لها منذ تولي الشاذلي بن
جديد.(11)
ثالثاً: انتفاء الشرعية التاريخية الثورية عن نظام الأمين زروال وضعف سلطته
أمام المؤسسة العسكرية. ظلت الأنظمة السابقة لنظام الرئيس زروال تستمد
شرعيتها من الشرعية التاريخية الثورية التي تحققت من خلال المقاومة الوطنية
ضد الاستعمار الفرنسي، واستمرت هذه الشرعية في الدفاع عن أولوياتها في
مواجهة أية قوة سياسية تحاول منافستها، إلا أن تراجع هذه الشرعية بعد حكم
علي كافي سبب أزمة سياسية للنظام السياسي أدت إلى إضعاف الرئيس زروال.
فالشرعية التاريخية للنظام السياسي - على مدى المراحل التاريخية السابقة-
تمثلت في التداخل بين السلطة السياسية وجبهة التحرير الوطني التي قادت
الجهاد ضد فرنسا، إلا أن فك الارتباط بين السلطة السياسية وجبهة التحرير
الوطني أدى إلى تراجع شرعية النظام السياسي تجاه الجماهير، وفرض ضرورة
البحث عن بديل شرعي آخر للنظام السياسي تمثل ذلك في نظام الإصلاحات
السياسية من خلال بناء المؤسسات السياسية والتعدد الحزبي التي تحققت في
أواخر عهد الرئيس الشاذلي بن جديد من تحول في شرعية النظام من الشرعية
التاريخية إلى شرعية التعددية الحزبية.
إن تدخل الجيش في السلطة أوقف الإصلاحات السياسية وحاول إعادة الاعتماد على
الشرعية التاريخية الثورية من خلال اختيار كل من محمد بوضياف وعلي كافي
كرمزين لهذه الشرعية وأصبحت المؤسسة العسكرية تتحكم في مجريات أمور الدولة
من خلال تحكمها في مؤسسة الرئاسة والهيمنة على مفاتيح السلطة، حيث أصبحت
تختار من تشاء على رأس الدولة وتقيل من تشاء. ومن وراء ستار الشرعية
التاريخية قامت المؤسسة العسكرية بأعمال ومواجهات دامية ضد أطراف المعارضة
السياسية والجماهير الجزائرية. ومن هذا المنطلق تم اختيار الرئيس الأمين
زروال لرئاسة الدولة، وكان اختياره عبارة عن أول حالة خروج على الشرعية
التاريخية، حيث لم يكن زروال من القيادات ذات الوزن التاريخي في النظام
السياسي الجزائري. لذلك كان اختياره عبارة عن تأكيد هيمنة ووصاية المؤسسة
العسكرية على مؤسسة الرئاسة، ومؤشراً واضحاً على خضوع الرئيس للجيش وعدم
استقلاليته في اتخاذ القرار السياسي وتداخلت المسؤوليات بين المؤسستين،
وفقدت مؤسسة الرئاسة مصداقيتها لدى شرائح عريضة من المجتمع الجزائري مما
سبب توسيع الفجوة بين الحاكم والمحكوم. من هنا برز ضعف الرئيس زروال وكان
ذلك واضحاً من جانبين:
(1) أن المؤسسة العسكرية هي التي أتت به إلى مؤسسة الرئاسة، ولذلك لابد
للرئيس أن ينصاع وينفذ ما يرسم له من قيادة المؤسسة العسكرية، وانطلاقاً من
خلفيته العسكرية فقد أعطى المؤسسة العسكرية دوراً كبيراً تمثل في هيمنتها
على مركز القرار السياسي.
(2) يتعلق هذا الجانب بشرعية نظام زروال، فقد انتفت الشرعية التاريخية
وكذلك الشرعية القانونية ونتيجة لذلك تحولت مؤسسة الرئاسة إلى مجرد هيئة
استشارية مشكلة لأداء وظائف إدارية. من هنا فقدت مؤسسة الرئاسة ثقة الشعب
والقوى السياسية في الجزائر، وأصبحت المؤسسة العسكرية تقوم بعملية الإقصاء
لقوى سياسية واجتماعية ذات توجهات سياسية مغايرة مستخدمة في ذلك العنف
والتصفية الجسدية لفرض الهيمنة، الأمر الذي أدى إلى ظهور ردود أفعال مماثلة
لمقاومة الهيمنة والاستبداد الفئوي بالسلطة، حيث ظهر ذلك في المقاومة
السلبية أولاً ثم الاحتجاج والعنف ثانياً. (عنصر، 88:1995) وعلى الرغم من
هذا الوضع المتأزم بين السلطة السياسية والمؤسسة العسكرية من ناحية
والمعارضة السياسية من ناحية أخرى، فقد حدث تغير جوهري في شرعية النظام
السياسي كان من المفروض أن يستثمره الرئيس زروال للخروج من الطوق الذي ضرب
حوله وحد من سلطته. هذا التغير تمثل في الانتخابات الرئاسية التعددية التي
جرت في نوفمبر عام 1995، والتي فاز فيها الرئيس زروال بأكثر من 60% من
الأصوات وأكتسب من خلالها الرئيس زروال شرعية قانونية فعلية، ألغت الحق
التاريخي للشرعية الأولى.
ففوز الرئيس زروال في تلك الانتخابات أتاح له فرصة كبيرة في التحرر من
هيمنة المؤسسة العسكرية وفي فرض حل سياسي للأزمة وإعادة التوازنات للقوى
السياسية في الدولة إنطلاقاً من أنه يستند إلى قاعدة شعبية، لكن الرئيس
زروال لم يستثمر هذه الفرصة التي أتاحها له الشعب الجزائري من خلال صناديق
الاقتراع.(المديني، 97-96 :1998) كذلك من ضمن المآخذ على حكومة زروال
الأمور التالية: (أ) أن حكومة زروال لم تغير شيئاً بشأن إنتشار أعمال العنف
والاضطرابات والصراع بين مختلف القوى السياسية من ناحية والحكومة والمؤسسة
العسكرية من ناحية ثانية. (ب) كذلك لم تنجح في إدارة الأزمة السياسية في
الجزائر. (ج) لم تنجح في الاستجابة للمطالب الشعبية والمتغيرات المتلاحقة
على الساحة الجزائرية. (د) لم تستطع السيطرة على أعمال العنف في الدولة.
(هـ) لم تنجح في معالجة وتحسين الظروف الاقتصادية المتردية في الجزائر. (و)
لم تحقق الحوار مع القوى السياسية الفاعلة في الدولة وقد كان هذا الشعار
أحد سمات برنامج الرئيس زروال عند انتخابه.
أخيراً اكتشف الرئيس زروال أنه لم يكن إلا وسيلة من وسائل المؤسسة العسكرية
لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، ولذلك فاجأ الرئيس زروال الأحزاب السياسية
والرأي العام الجزائري بقراره الانسحاب من الحياة السياسية قبل نهاية
ولايته وسط عدم اقتناع عام بالأسباب التي أوردها، وهذا اعتراف منه بعدم
قدرته على مواجهة المؤسسة العسكرية، وداعياً إلى انتخابات رئاسية، والتي
تمت في شهر فبراير 1999، وفاز فيها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقه.
أثر العامل الخارجي على العنف السياسي في الجزائر.
إن للأزمة الجزائرية أبعاداً مختلفة، لم تقتصر أبعادها على العوامل
الداخلية والإقليمية، بل أن هناك أبعاداً دولية للأزمة أثرت على مسارها
وطبيعتها من حيث عناصر الصراع واستمراريته. والأزمة الجزائرية تعكس جزءاً
من الصراع الدولي على الجزائر بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وكل
منهما له امتدادات داخل الجزائر. ويأتي اهتمام الدولتين بالأوضاع السياسية
في الجزائر إلى أن التحول إلى التعددية في الجزائر يبين التأثر بالنموذج
الغربي. "فالنموذج الجزائري يعكس بوضوح جدلية العالمية والخصوصية التي
يثيرها مفهوم الديموقراطية، حيث ترتبط عالمية المفهوم، بممارسة
الديموقراطية الليبرالية وما تعرضه من تعددية حزبية، كأحد أبعادها."
(ميتكيس، 1993:25).
ومع أن الدولتين قد تختلفان في الرؤى حول حل هذه الأزمة، إلا أن هناك
اتفاقا بينهما حول بعض الأمور الجوهرية ذات العلاقة بالأزمة الجزائرية.
فالدولتان -ومعهما كافة الدول الغربية- تعتبران أن تطور الأحداث في الجزائر
ما هو إلا بوادر "صعود للإسلام الراديكالي أو الأصولي" العدو المحتمل
استراتيجياً وثقافياً والمنافس الرئيسي للديموقراطية الغربية، وهذا الصعود
يعتبر تهديداً خطيراً ويجب القضاء عليه أو وأده قبل أن ينتشر خطره أو على
الأقل ترويضه ليتكيف مع المفاهيم الديموقراطية الغربية. (العمار، 1996:84)
وقد أكد أكثر من مفكر ورجل دولة في الدولتين، وفي أكثر من مناسبة، هذا
التصور والمتمثل في الحؤول دون وصول الأحزاب الإسلامية إلى السلطة في
الجزائر أو في غيرها من الدول الإسلامية. فقد أكد بلاتنر "أن الإسلام
الأصولي حتى الآن يعد أكبر منافس للديموقراطية أو هو البديل الأكثر حيوية
لها في أي مكان من العالم." (العمار، 1996:84) كذلك أكد هذه الاستراتيجية
وزير الخارجية الفرنسي السابق (آلان جوبيه) في عام 1993 حيث أوضح "رغبة
الحكومة الفرنسية في مساعدة الجزائر للكفاح ضد الإرهاب والأصولية."
(العمار، 1996:84)
كما أكد هذا التوجه الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه
[الفرصة السانحة]، عندما طلب من صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية
"أن يأخذوا حذرهم من خطر الإسلام، وأن تتفرغ أمريكا له بعد أن فرغت من
العدو الشيوعي." (1996، 85) كذلك ترى فرنسا أن التحولات في الجزائر وما
تبعه من تصاعد تأثير التيار الإسلامي ووصوله إلى السلطة وما يحمله ذلك
التيار من نظرة معادية لفرنسا وتطلعاتها ومصالحها في منطقة تعتبرها منطقة
ثقافية فرانكفونية، ويجب عليها السعي إلى التدخل لضبط تصاعد الأحداث
والوقوف أمام أي محاولات لتقليص النفوذ الفرنسي في المنطقة. (العمار،
1996:85)
فالدولتان إذن متفقتان حول منع الأحزاب السياسية الإسلامية من الانفراد
بالسلطة في الجزائر. والدولتان تقف خلف النظام السياسي في الجزائر
بمؤسستيه: مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية، لكن هناك تباين في موقف
الدولتين حيال كيفية إنهاء الأزمة الجزائرية. هذا التباين في موقف الدولتين
انعكست آثاره على مختلف أطراف الصراع في الجزائر، فقد برز هذا التباين
داخلياً بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية، حيث تقف خلف كل واحدة منهما
دولة. ترى فرنسا أن الجزائر هي مجال حيوي لها ولا يمكن السماح لدول أخرى
بمنافستها، إنطلاقاً من النفوذ الفرنسي التاريخي في منطقة شمال أفريقيا
وبشكل خاص في الجزائر، وكذلك إنطلاقاً من الروابط التاريخية والثقافية
والإرث التاريخي الاستعماري. ولتأكيد هذا الموقف تدعم فرنسا المؤسسة
العسكرية إدراكاً منها بأن المؤسسة العسكرية هي القوة الشرعية التي تستطيع
كبح جماح التيار الإسلامي وتعزيز النظام العلماني في الجزائر وعدم السماح
للاتجاهات الدينية في المشاركة في المسار الديموقراطي. كذلك تعول فرنسا على
المؤسسة العسكرية في استمرار النظام السياسي ودعم التيار الاستئصالي
(الفرانكفوني)(12) فيها للقضاء نهائياً وبالوسائل العسكرية على المقاومة
المسلحة التي تشنها الجماعات الإسلامية المختلفة، (مهابة، ب 1994 :128)
ولذا ترى فرنسا أن الاستقرار في الجزائر لن يتحقق إلا إذا تولى الجيش حراسة
السلطة في البلاد، وقد طالب وزير خارجية فرنسا السابق (كلود شيسون) الجيش
الجزائري بتحمل مسؤولياته كاملة، وأنه "لا يعتقد في أية إمكانية لسلطة
بديلة غير الجيش إذا أريد للبلاد أن تستعيد استقرارها السياسي ونموها
الاقتصادي،" (مهابة، أ 1994 :177) ولذلك تعتقد فرنسا أن انهيار النظام
السياسي ووصول جبهة الإنقاذ الإسلامية إلى السلطة ينذر بالقضاء على أي نفوذ
فرنسي ليس في الجزائر فحسب ولكن في جميع دول المغرب العربي، كما أكد ذلك
وزير الخارجية الفرنسي الأسبق (رولان دوما) في عام 1992 عندما اعتبر أن
انتصار الإسلام في الجزائر "فرضية خطيرة ليس على الجزائر فحسب بل على فرنسا
أيضاً." (قواص، 1998، :207)
إن تركيز فرنسا على دعم المؤسسة العسكرية والبحث في إيجاد آليات للتنسيق مع
دول المغرب العربي، أوجد مخاوف كثيرة عند مؤسسة الرئاسة والجزائريين،
ويعود هذا التخوف إلى الخبرة التاريخية السلبية في التعامل مع فرنسا خلال
فترة الاحتلال الفرنسي. وأن تدخلها في الجزائر هو محاولة لإبقاء الجزائر في
وضع غير مستقر كي تبقى بحاجة إلى المساعدة الفرنسية، الأمر الذي يتيح
لفرنسا نوعاً من السيطرة والتحكم في الشؤون الداخلية للجزائر. كذلك احتضان
فرنسا للتيارات البربرية في الجزائر تحت ستار "إحياء الثقافة البربرية" أو
"تجسيد الشخصية البربرية" والتي يراها الجزائريون أنها محاولة لزعزعة
الوحدة الوطنية للشعب الجزائر. (العمار، 1996 : 57) وقد عبر عن سياسة فرنسا
هذه ورفضها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقه، عندما أكد "أن على فرنسا
أن تفهم منذ الآن أن لهجة [الأبوة] والوصاية السياسية التي تعودت أن تتعامل
بها مع الجزائر، لن تكون مقبولة في عهدي أبداً." (المجلة، 1999 :26)
أما الولايات المتحدة الأمريكية فإن تواجدها في الجزائر لم يكن وليد الأزمة
الجزائرية الراهنة، بل لقد سبق ذلك بفترة طويلة. فقد تمكنت الشركات
الأمريكية من السيطرة على قطاع النفط والغاز والتجارة الخارجية منذ منتصف
الستينيات من هذا القرن. أكد ذلك أحد المسؤولين الرسميين الأمريكيين عندما
قال: "إن الوجود الأمريكي في الجزائر هو أهم وأضخم وجود اقتصادي في القارة
الأفريقية رغم عدم وجود علاقات سياسية بين البلدين منذ عام 1967 حين قامت
الحرب بين العرب وإسرائيل." (مهابة،أ 1994 :123) ولذلك فإن رؤية الولايات
المتحدة الأمريكية للأزمة الجزائرية وطريقة حلها تختلف عن تلك الفرنسية.
فالموقع الاستراتيجي المؤثر، والثروة البترولية الهائلة، والديموقراطية
عوامل أساسية تحدد موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الأزمة الجزائرية.
فالولايات المتحدة الأمريكية تضع مصالحها الاقتصادية والسياسية في مقدمة
أولوياتها في التعامل مع الجزائر، بحكم موقعها الاستراتيجي الذي يؤثر على
الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي منطقة تعتبر مجال حيوي
للولايات المتحدة الأمريكية. ويهمها كذلك الاستقرار السياسي في الجزائر
خاصة وهي تمتلك ثروات طبيعية هائلة من النفط والغاز، وتهتم كذلك بتحرير
الاقتصاد العالمي. وقد حققت الشركات الأمريكية إنجازات كبيرة في حصولها على
عقود ضخمة في مجال التنقيب عن النفط والغاز وكذلك في مجال الإعمار. (قواص،
1998 :210)
أما موقف الولايات المتحدة من الديموقراطية فقد كان مغايراً للنهج الفرنسي.
حيث أدانت تعليق العملية الانتخابية في يناير من عام 1992. ومع أن
الولايات المتحدة الأمريكية تدعم مؤسسة الرئاسة، إلا أنها أخذت تضغط عليها
لاتخاذ إجراءات لتوسيع قاعدتها السياسية من خلال الدخول في حوار مع عناصر
تمتلك صفة تمثيلية في المجتمع الجزائري. ويقصد بذلك الجبهة الإسلامية
للإنقاذ. (مهابة،أ 1994 :126) ولذلك فقد حافظت الولايات المتحدة على علاقات
متوازنة مع الحكومة والمعارضة، حيث طورت علاقاتها مع النظام السياسي دون
أن تقطع اتصالاتها مع المعارضة، الأمر الذي جعلها تجمع أحزاب المعارضة في
روما ، والذي نتج عنه برنامج يدعو إلى التعددية الحزبية والانتخابات الحرة.
(مهابة،أ 1994 :126)
هذا التناقض في أسلوب كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا حول الأزمة
الجزائرية، وكذلك التنافس للهيمنة والسيطرة على مصادر اتخاذ القرار السياسي
في الجزائر جعل الجزائر تسبح في بحر من الغموض وعدم الإدراك للقرار الرشيد
حول السيطرة على أعمال العنف السياسي في الجزائر. خاصة والأزمة الجزائرية
ذات أبعاد ثلاثة: مؤسسة الرئاسة، والمؤسسة العسكرية، وأحزاب المعارضة، ولكل
من هذه الأبعاد إمداداته الداخلية والخارجية الأمر الذي أدى إلى استمرارية
أعمال العنف السياسي في الجزائر. ويعبر عن العنف السياسي في هذه المرحلة
الاتجاه الذي يؤكد على أن هذا النوع من العنف السياسي هو نتاج للصراع الذي
يحدث بين السلطة السياسية والقوى السياسية في المجتمع، والتي أصبحت تنافس
السلطة السياسية وتحاول إضعاف دورها الأمر الذي أدى إلى اختلال وتفكك في
التركيبة السياسية للسلطة، وهذا فرض على المؤسسة العسكرية الاستجابة لمثل
هذا التحدي والذي عبرت عنه من خلال إجراءات سياسية وعسكرية تمثلت في فرض
ضغوطاً على الرئيس الأمين زروال لاختزال فترة رئاسته والدعوة إلى انتخابات
رئاسية.


القوى السياسية المؤثرة والفاعلة ودورها في العنف السياسي
إن الحديث عن القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة في الجزائر خلال العهود
الثلاثة يفرض علينا دراسة هياكل وبرامج القوى السياسية الفاعلة المعارضة في
الجزائر لكي نتوصل من خلال هذه الدراسة إلى مواقفها من النظام، وعلى هذا
الأساس نستطيع أن نحدد دور هذه القوى في ممارسة العنف السياسي. ومع أن
الساحة الجزائرية تزخر بما يربو على الخمسين حزباً سياسياً، إلا أن هذه
الأحزاب ليست على نفس الدرجة من القوة والتأثير والتواجد والانتشار السياسي
داخل الدولة، ولذلك سوف نعرض لأهم تلك القوى على الساحة السياسية
الجزائرية. ولهدف هذه الدراسة سنعتمد تقسيم هذه القوى إلى ثلاث فئات: (أ)
القوى السياسية ذات الاتجاه الإسلامي. (ب) القوى السياسية الأخرى. (ج)
المؤسسة العسكرية ودورها في العنف السياسي.
(أ) القوى السياسية ذات الاتجاه الإسلامي.
ليس من السهولة تحديد جذور وأسس تنظيمات القوى السياسية ذات الاتجاه
الإسلامي، ولكن قد تكون هذه الجذور قد نمت في مرحلة مقاومة الاستعمار
الفرنسي ومحاولة العلماء تقوية الموقف الشعبي وتعبئة الرأي العام الجزائري
لمقاومة الآثار الحضارية والثقافية والفكرية للوجود الفرنسي في الجزائر،
إلا أن هذه القوى السياسية لم تبرز في شكل هياكل منظمة إلا في أواخر عقد
الثمانينات. وتتشكل القوى السياسية ذات الاتجاه الإسلامي من مجموعة من
التنظيمات الرئيسية والهامشية، ويمثل تطبيق الشريعة الإسلامية المنطلق
الأساسي لفكر هذه التنظيمات الإسلامية. وسنركز في دراستنا هذه على
التنظيمات السياسية الإسلامية ذات التأثير في المسار السياسي الجزائري وهذه
التنظيمات تتكون من:
(1) الجبهة الإسلامية للإنقاذ: وتعتبر عماد التنظيمات الإسلامية في الجزائر
حيث أنها تأتي في مقدمة القوى التي تشكل في الوقت الراهن خريطة الحركة
الإسلامية الجزائرية من حيث أنها الأوسع انتشاراً والأكثر عدداً وأنصاراً.
وقد تشكلت الجبهة كحزب سياسي في مارس 1989، ولها خبرة في العمل السياسي
والتنظيم المحكم وأسلوب تعبئة الجماهير حتى أنها أصبحت أكثر القوى السياسية
اتساعا وتنظيماً ونتيجة لذلك فقد سيطرت على الشارع الجزائري في فترة
الانتخابات البلدية في يونيو من عام 1990 والانتخابات التشريعية في ديسمبر
1991، وتعتمد الجبهة مبدأ الشورى والقيادة الجماعية في تصريف الأمور. يعكس
التشكيل التنظيمي للجبهة منطلقات فكرية لتيارات متعددة يكون التأثير لكل
منها بحسب وزن كل تيار وتأثيره وفاعليته داخل الجبهة، إلا أنه من الصعب
تقدير الأوزان النسبية لكل تيار داخل الجبهة. وتتدرج هذه التيارات من
التشدد مروراً بالاعتدال مع التدرج وانتهاءاً بتيار "الجزأرة" وهو التيار
الذي يحصر نشاطه في نطاق الجزائر مؤكداً على خصوصية البيئة الجزائرية
واختلافها عن غيرها من الدول الإسلامية. ومع ذلك تؤكد بعض المؤشرات أن
التيار السلفي الذي يقوده على بلحاج والتيار الجهادي الذي يقوده الدكتور
عباسي مدني يشكلان أغلبية كبيرة داخل الجبهة. إذن نستطيع أن نتعرف على ثلاث
تيارات داخل جبهة الإنقاذ وهي: [1] التيار المتشدد ويمثله علي بلحاج. [2]
التيار الإصلاحي وهو بزعامة عباسي مدني. [3] تيار الجزأرة الذي كان يقوده
محمد سعيد. ويعتبر التيار الأول هو صاحب الصوت العالي والمؤثر الأقوى على
بقية التيارات والذي استطاع منذ ظهور الأزمة الجزائرية أن يحرك الشارع
الجزائري حاجباً بقية التيارات، (ميتكيس 1993 :35-36 ، العمار 1996 :
68-69) ومستفيداً من المتغيرات الداخلية والخارجية "حيث النكوص الذي أصاب
الأيديولوجية التعبوية الاشتراكية وتهيكل أركان جبهة التحرير واستعار
الصراعات الداخلية فيها،" (العمار، 1996 : 67) مستثمراً اضطراب النظام
السياسي، وتغير الأجواء السياسية المحيطة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية
للدولة، وارتفاع نسبة البطالة، والصراع بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة
العسكرية الذي أدى في النهاية إلى فرض الاستقالة على الرئيس الشاذلي بن
جديد، وإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية في دورتها الأولى عام 1991، وقرار
حل جبهة الإنقاذ في 19 من شهر مارس عام 1992، مما أدى إلى تراجع المكانة
القانونية للجبهة على خريطة القوى السياسية، بل وفقدان تنظيمها المشروعية،
واعتقال قياداتها وسيطرة المؤسسة العسكرية على النظام السياسي، كل هذه
المتغيرات وظفتها الجبهة في إعادة توزيع الأدوار داخلها حيث تحول تنظيم
الجبهة إلى جناحين: [1] الجناح السياسي: وهو الجناح الذي كان يحاول الحفاظ
على سمعته وموقفه الشعبي، وكان يتحرك في إطار اللعبة السياسية. [2] الجناح
العسكري: ويتكون من تنظيمين هما: الجيش الإسلامي للإنقاذ، ويعتبر الذراع
العسكري للجبهة، والجماعة الإسلامية المسلحة والتي خرجت من تحت عباءة
الجبهة وانشقت عليها، ورفضت وصاية الجبهة واتهمتها بمداهنة النظام حين قبلت
المشاركة في الانتخابات، ونهجت منهجاً أكثر تشدداً وعنفاً كردة فعل لما
تقوم به المؤسسة العسكرية من قمع لهذه التنظيمات. وكل من هذين التنظيمين
أخذ على عاتقه تصعيد المواجهة مع المؤسسة العسكرية الجزائرية ووجها ضربات
قوية وموجعة للنظام السياسي وللمصالح الغربية في الجزائر وبشكل خاص المصالح
الفرنسية، وأظهرا الدولة بأنها غير قادرة على إقرار الأمن والاستقرار.
من هذا المنطلق نستنتج أن الاختلاف في الخطاب السياسي على المستوى القيادي
للجبهة وكذلك عدم التجانس الفكري بين تيارات الجبهة والتباين في الأسس
التربوية والرؤى السياسية ومناهج التغيير التي يؤمن بها كل تيار، أدى إلى
نوع من التضارب والارتباك في حركة الجبهة وأدى كذلك إلى عدم الحسم في تحديد
المواقف تجاه النظام السياسي. جميع هذه العوامل أدت إلى عدم تنسيق وتحديد
أهداف الجبهة ومن ثم عدم قدرة الجناح السياسي للجبهة من السيطرة على مسار
الأحداث والخروج من أعمال العنف السياسي. ( غانم، 1992 :28-32)
(2) حركة المجتمع الإسلامي [حماس] نشأ هذا التنظيم كحزب سياسي عام 1990
(وتم الاعتراف به كحزب رسمي في فبراير 1991) بزعامة الشيخ محفوظ نحناح الذي
يدعو إلى الإصلاح الإسلامي وفتح الحوار وتجنب الصدام مع السلطة بالإضافة
إلى التنسيق مع كافة القوى والفعاليات الإسلامية، وتعتبر الحركة ثاني أكبر
القوى الإسلامية في الجزائر بعد جبهة الإنقاذ وكانت الحركة من أوائل
التنظيمات السياسية الإسلامية في الجزائر حيث تستند إلى تراث سياسي طويل في
الجزائر، فقد بدأت الحركة العمل السري منذ عام 1963 وأصبحت تمتلك قدراً من
الفاعلية أدى بها إلى الصدام مع النظام الحاكم في عام 1976، وذلك
لمعارضتها لقانون الثورة الزراعية والتعديلات التي أدخلت على الميثاق
الوطني (الدستور) ، ونتيجة لتلك المعارضة كانت أول عملية عنف سياسي في
الجزائر تنفذها عناصر من الحركة، وأسفر ذلك عن اعتقال الشيخ نحناح مؤسس
الحركة وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاما.(13) ثم بدأت الحركة تعمل تحت
اسم "جمعية الإرشاد والإصلاح" إلى أن تمت الموافقة على تأسيس الحزب في
فبراير 1991. أما المنطلقات الفكرية لحركة المجتمع الإسلامي فإنها تختلف عن
منطلقات جبهة الإنقاذ، فهي تؤكد على التغيير المرحلي والتدرجي وتميل إلى
تجسير العلاقات مع السلطة السياسية وفتح الحوار معها وعدم المواجهة العنفية
مع النظام السياسي، وتحرص على فتح الحوار مع كافة القوى والفعاليات
السياسية في الدولة، بما فيها الفعاليات الإسلامية.
وتعتبر "حماس" حركة نخبوية، وليست جماهيرية. أي أن القاعدة الاجتماعية
للحركة تتركز في الأوساط المثقفة من جامعات ومعاهد عليا، ولذلك فإن الخطاب
السياسي والمنهج الفكري للحركة يختلف عن القوى الإسلامية الأخرى، فهي تتسم
بالاعتدال والوسطية والتجديد والتدرج في عملية الإصلاح والتغيير. (غانم
1992 :38-40)
أما موقف حركة المجتمع الإسلامي من أعمال العنف السياسي فإنها ترفض العنف
السياسي كمنهج للتغيير حيث تنكر ذلك على جبهة الإنقاذ ولذلك فقد كان موقف
حماس هو تأييد تدخل الجيش ضد جبهة الإنقاذ، كما عبر عن هذا الموقف الشيخ
نحناح، معللاً ذلك "بأن الجبهة لا تزال تعمل بفكر وعقلية السرية ولا بد أن
تتطور بشكل إيجابي وفقاً للتطورات ولا تحاول فرض أية وصاية على المجتمع
باسم الدين." (أدهم 1992 : 221) ومؤكداً أن تدخل الجيش كان لحفظ الأمن
والاستقرار وهو بذلك يؤكد "إن تدخل الجيش كان حكيماً ... ونحن نؤمن اليوم
بالقانون والدستور الجزائري ولا بد أن يحترمهما الجميع...." (العمار 1996 :
72) بل إن الشيخ محفوظ نحناح أعلن ولأول مرة تأييده لقرار المؤسسة
العسكرية بإلغاء الانتخابات التي جرت في نهاية عام 1991، حيث قال "لو لم
يتم إلغاء هذه الانتخابات لعرفت الجزائر المصير ذاته الذي عرفته أفغانستان
وبورندي ولانهارت الدولة الجزائرية" (أبو النصر 1997 : 36) وباستثناء أعمال
العنف المحدودة جداً في السبعينات التي قامت بها عناصر من الحركة، فإن
الحركة كانت في تحالف مع النظام السياسي وشاركت في الحكم في عهود ما بعد
الشاذلي بن جديد.
(3) حركة النهضة الإسلامية. تأسست الحركة كحزب سياسي معترف به رسمياً في
ديسمبر 1990 تحت قيادة الشيخ عبدالله جاب الله الذي يعتبر أحد العناصر
النشطة على الساحة الجزائرية حيث تعرض للاعتقال والسجن مرات عديدة.
والبرنامج السياسي لحركة النهضة يتمحور حول اتخاذ الشورى منهجاً وأسلوباً
في الحكم، وتحتل قضية الاستقلال أهمية كبرى في رؤية الحركة. والاستقلال في
مفهوم الحركة هو الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ترى
الحركة أن الحوار هو السبيل إلى تحقيق الاستقرار وإنهاء العنف السياسي في
الجزائر. وهي تنتمي إلى التيار المعتدل، ولا تتطلع إلى الحكم، وتؤكد على
تعاون جميع القوى السياسية في الدولة لتحقيق الاستقرار والأمن في الدولة.
(أدهم 1992 : 221) لم يثبت عن الحركة تورطها في العنف السياسي بالرغم من
وجودها في المعارضة، بل لقد هاجمت القوى التي تمارس العنف السياسي، حيث
هاجمت جبهة الإنقاذ والنظام السياسي لممارستهما العنف السياسي.


(ب) القوى السياسية الأخرى.
تتشكل القوى السياسية الموازية لقوى الإسلام السياسي من مجموعة من الأحزاب
والتنظيمات السياسية التي ازداد عددها بإفراط منذ تبني نظام التعددية
الحزبية في عام 1989، إلا أننا سنركز في دراستنا هذه على أهم القوى
السياسية التي كان لها أهم الأثر في التفاعلات السياسية في الجزائر وهي:

(1) جبهة التحرير الوطني.
وهي التنظيم السياسي الأوحد الذي قاد الجزائر إلى الاستقلال، وهي صاحبة
الشرعية التاريخية استناداً إلى ما قامت به من دور في الحركة الوطنية ضد
الاستعمار الفرنسي. وظلت الجبهة تلعب دوراً سياسياً تعبوياً في الداخل في
إطار تبنيها نظام الحزب الواحد، معارضةً أي إجراء سياسي لنشوء قوى سياسية
جديدة. وقد تعرضت الجبهة لأزمات متعددة شككت في مصداقيتها، وأبرزت قوى
منافسة على الخريطة السياسية فرضت إعادة تشكيل التوازنات السياسية في
الدولة، الأمر الذي أضعف دور جبهة التحرير وأظهرها بعدم القدرة على استيعاب
المتغيرات الداخلية والدولية وخاصة بعد أحداث أكتوبر 1988 والتي هزت
كيانها وأجبرتها على التراجع إلى الصفوف الخلفية. ولذلك تبدو أطراف
المعادلة السياسية في الجزائر منذ عام 1992 تتمحور حول المؤسسة العسكرية
وجبهة الإنقاذ، باعتبارهما أكثر المؤسسات قدرة على التأثير في الواقع
السياسي الجزائري. (ميتكيس 1993 :30)
ومع أن جبهة التحرير حاولت التغيير وانتهاج أساليب سياسية جديدة إلا أنها
فشلت في إعادة هيكلة الحزب وكوادره في إطار توجهات جديدة ومتوازنة تسمح لها
بالانتقال التدريجي في الأداء السياسي. (ميتكيس 1993 :28) بعد أحداث
أكتوبر 1988 بدأ الرئيس الشاذلي بن جديد بتنفيذ إصلاحات سياسية جذرية صدرت
في دستور عام 1989، لم يعط الدستور الجديد أي دور لجبهة التحرير الوطني في
الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية أو التشريعية كما كان ذلك سابقاً. كما
أكد الدستور كذلك على قيام الجبهة بدور حزبي فقط وليس دوراً إشرافياً
ورقابياً. وبدأت عملية التحول نحو التعدد الحزبي، الأمر الذي أفقد جبهة
التحرير مكانتها التاريخية السياسية، وقد حولت تلك الإجراءات جبهة التحرير
من حزب حاكم إلى حزب معارض، شاركت على أساسه مع أحزاب المعارضة الأخرى في
التوقيع على "العقد الوطني" في روما عام 1994. (شكري 1989 :155-156) فمن
الظاهر أن غالبية التنظيمات السياسية التي فقدت مميزات أو مكانة سياسية في
الدولة قد تكون لعبت دوراً مهماً في العنف السياسي.
(2) جبهة القوى الاشتراكية.
تأسس حزب جبهة القوى الاشتراكية تحت قيادة حسين آيت أحمد وهو أحد القادة
التاريخيين للثورة الجزائرية، حيث استهدف تعبئة القوى العلمانية
والاشتراكية تحت مظلة الحزب، على أن تكون ركيزته وقاعدته الجماهيرية تستند
على العرقية البربرية، فقد دافع عن الثقافة البربرية وعارض سياسة التعريب
التي تبنتها جبهة التحرير الوطني عندما كانت في السلطة وكذلك عارض الخطاب
السياسي للجبهة الإسلامية للإنقاذ حول إقامة الدولة الإسلامية. وترجع قوة
الحزب إلى اعتماده على ركيزتين تشكلان في الوقت نفسه أهم عوامل ضعفه:
الركيزة الأولى هي استناده إلى قبائل البربر الذين تصل نسبتهم إلى حوالي
ثلث عدد السكان، وقد يكون في ذلك ضعف للدور السياسي للحزب انطلاقا من غياب
المشروع الوطني وهذا أفقده الكثير من المتعاطفين الجزائريين، ثم التأكيد
على المصالح العرقية والقبلية. (العمار 1996 :75-76) أما الركيزة الثانية
فتتمثل في اعتماد الحزب على قوى خارجية مثل فرنسا والولايات المتحدة
الأمريكية. فالخطاب السياسي العلماني للحزب الذي يدافع عن حقوق البربر في
مواجهة العنصر العربي لاقى قبولاً في الأوساط الغربية في إطار اهتمام الغرب
بالأقليات الأثنية والقومية والدينية ليس في الجزائر فحسب ولكن في جميع
الدول العربية. وقد أضعف هذا التوجه من شعبية الحزب على أساس أنه امتداد
لسياسات الغرب في الجزائر حتى أن الحزب يعرف في الأوساط السياسية في
الجزائر بأنه "حزب فرنسا." (عبدالفتاح 1992 :197)
عندما نتحدث عن دور جبهة القوى الاشتراكية في العنف السياسي في الجزائر فإن الحديث ينطلق من أبعاد ثلاثة:
البعد الأول: أن الجبهة اتخذت موقفاً معارضاً لجميع القوى السياسية
الإسلامية وبشكل خاص جبهة الإنقاذ الإسلامية، برغم أن جبهة القوى
الاشتراكية تؤكد على العودة إلى المسار الديموقراطي، ورفع حالة الطوارئ،
وإلغاء المحاكم الخاصة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، إلا أن الجبهة
رفضت الاعتراف بالفوز الذي حققته جبهة الإنقاذ في الانتخابات التشريعية،
كما عارضت فكرة تسلم جبهة الإنقاذ الحكم إنطلاقاً من الصورة التي تشكلت عند
قيادات جبهة القوى الاشتراكية بأن الحل الإسلامي ليس هو الحل المطلوب، وقد
أكد هذا الموقف زعيم الجبهة عندما قال "نحن لسنا مع أي حكم إسلامي."
(العمار 1996 :75) إذن قد تكون الجبهة أحد أطراف العنف السياسي في محاولة
لإبعاد الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن السلطة.
البعد الثاني: يتمحور حول موقف الجبهة من النظام السياسي. فقد اتهمت الجبهة
النظام السياسي بالاستبدادية، وضرب الأمن الجماعي، بل لقد وقفت الجبهة
موقفاً معارضاً من أسلوب المؤسسة العسكرية في التعامل مع الأزمة حيث وصفت
المؤسسة العسكرية بأنها "عنصر مهم من عناصر فساد الحياة السياسية في
الجزائر." (العمار 1996 :75) وهذا الموقف الذي تبنته الجبهة وضعها في الطرف
المعارض لسياسة الحكومة الجزائرية الأمر الذي قد يجعلها هدفاً من أهدافها
العنفية.
البعد الثالث: أن العنف لم يستثني مناطق القبائل، القاعدة الرئيسية لجبهة
القوى الاشتراكية، والذي تجسد في الإعلان عن ميلاد "الحركة المسلحة
البربرية" الجناح العسكري للجبهة التي توعدت بسلوك طريق العنف للدفاع عن
حقوق البربر الثقافية والسياسية، وحذرت كذلك بأنها ستستخدم العنف ضد من
يحاول تطبيق قانون التعريب. والجبهة تصارع على جبهتين: ضد السلطة السياسية
لتحقيق مكاسب سياسية وثقافية للبربر، وضد الجماعات الإسلامية المسلحة لكبح
جماحها وإجهاض مشروعها السياسي.
(3) حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية.
أنشق حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية عن جبهة القوى الاشتراكية في
عام 1989. فقد تشكل الحزب الجديد تحت قيادة سعيد سعدي واتخذ موقفاً
مغايراً للحزب الأم فقد دعا الجيش للقيام بانقلاب عسكري لمنع الجبهة
الإسلامية للإنقاذ من الوصول إلى الحكم، داعياً جميع "الأحزاب
الديموقراطية" في الجزائر إلى حشد قواها لإيقاف اللعبة الديموقراطية بعد
فوز جبهة الإنقاذ في الانتخابات في دورتها الأولى. وهذا الموقف وضع حزب
التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية في مواجهة مباشرة مع جبهة الإنقاذ
الأمر الذي يبين أن الحزب قد انخرط في العنف السياسي أو أصبح هدفاً للعنف
السياسي نتيجة لمواقفه المعارضة لجبهة الإنقاذ والمؤيدة للمؤسسة العسكرية.
(4) مجموعة أخرى من التنظيمات الحزبية:
بالإضافة إلى الأحزاب السياسية السابقة هناك مجموعة من التنظيمات السياسية
التي ظل دورها محدوداً في العملية السياسية على الرغم من الخط السياسي الذي
تعبر من خلاله عن مطامحها وبرامجها السياسية. ولعل من أهمها وأكثرها
فاعلية من حيث النطاق الحركي: حزب الحركة من أجل الديموقراطية بزعامة
الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بيلا، الذي يحاول العودة إلى السلطة من
خلال توحيد جميع القوى السياسية الموجودة على الساحة الجزائرية، وكذلك حزب
الطليعة الاشتراكية: وقد نشأ هذا الحزب على أنقاض الحزب الشيوعي، إلا أن
دوره بقي هامشياً في اللعبة الديموقراطية. ويجمع هذه التنظيمات معارضتها
للنظام السياسي ونهجه القمعي لأحزاب المعارضة ومصادرة حق الشعب في ممارسة
الديموقراطية التي أقرها الدستور الجزائري. ومع أن احتمال ممارسة العنف من
قبل هذه الأحزاب السياسية قائم نتيجة لوجودها في المعارضة السياسية وكذلك
نتيجة للاختلافات السياسية والأيديولوجية مع مختلف الأحزاب الأخرى الأمر
الذي قد يؤدي إلى أن تصبح هذه الأحزاب هدفاً لعمليات العنف السياسي، إلا أن
احتمال ممارسة العنف السياسي من قبل هذه الأحزاب ضعيف ولم تشر الدراسات
المختلفة عن تورطها في العنف السياسي.
المؤسسة العسكرية ودورها في العنف السياسي.
منذ عام 1985 تبلور اتجاه لدى الرئيس الشاذلي بن جديد في سرعة التحول
الديموقراطي. هذا التوجه الذي بدأه الرئيس بن جديد أدى بلا شك إلى تغييرات
جوهرية في مراكز القوى السياسية في الدولة وأهمها: تقليص هيمنة المؤسسة
العسكرية وإضعاف دورها السياسي وابعادها عن السلطة، حيث أن المؤسسة
العسكرية هي صاحبة القوة والمهيمنة منذ الستينات، ولم تكن هناك قوة تنافسها
على مكانتها، إلا أن هذا التوجه سيفقد المؤسسة العسكرية مكانتها السياسية.
ثم جاءت أزمة أكتوبر عام 1988 وتداعياتها السياسية التي أفرزت قوى سياسية
جديدة في المجتمع الجزائري أصبحت تزاحم المؤسسة العسكرية، وتطالب بمشاركة
أكثر توازناً في القرار السياسي والتوزيع الاقتصادي. هذه الأزمة أعطت
الرئيس بن جديد فرصة ذهبية في القيام بتنفيذ إصلاحاته السياسية والتي تمثلت
في التحول نحو التعددية الحزبية والتعامل مع الشعب الجزائري مباشرة، وما
ترتب على ذلك من انتخابات برلمانية وفوز جبهة الإنقاذ الإسلامية في الدورة
الأولى من الانتخابات الأمر الذي بدأت معه تداعيات أزمة الشرعية داخل
النظام السياسي، وكذلك عدم وجود صيغة للتعايش وغياب التنسيق السياسي بين
أركان الحكم الجزائري -المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة- بل وكشفت عن عمق
الخلافات بين أطراف الصراع في الحكم مما أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية
والدستورية في الدولة. (شكري 1989 :78، أبو عامود 1993 :119، قواص 1992
:78)
كشفت التطورات التي حدثت في الجزائر منذ أحداث العنف التي شهدتها الدولة في
أكتوبر 1988 أن المؤسسة العسكرية هي المحور الأساسي للحكم في الجزائر، بل
إن تلك الأحداث كانت بمثابة نقطة بداية المواجهة بين المؤسسة العسكرية وقوى
الإسلام السياسي. باعتبارها القوة الأساسية في الدولة والعمود الفقري
للنظام فقد لعبت المؤسسة العسكرية دوراً محورياً في انتشار العنف السياسي
في الجزائر، وكان ذلك واضحاً من خلال بعض الممارسات العنفية التي قامت بها
المؤسسة العسكرية. فالقيادة العسكرية هي التي تقبض على مفاتيح السلطة فهي
تعين الرئيس وتقيله.(14) ولذلك يتوجب على الرئيس الذي تختاره القيادة
العسكرية أن يتحمل النظام ويخضع له، وإذا سعى الرئيس لتحقيق نوع من
الاستقلالية النسبية عن المؤسسة العسكرية فإن مصيره سيكون الإبعاد.(15)
إن هيمنة المؤسسة العسكرية جعلها مركز قوة النظام ومحور التوازن السياسي في
الدولة، لذلك فإن القرار السياسي رهين بموافقة المؤسسة العسكرية، بل إن
اختيار رئيس الدولة لايمكن أن يتم إلا من خلال موافقتها. ومع أن المؤسسات
العسكرية في دول العالم الثالث تفتقر إلى رؤية سياسية تسمح لها بتجاوز
الرؤية المستندة إلى قوة الردع العسكري كأداة أخيرة لحسم الأزمات السياسية،
فإن المؤسسة العسكرية في الجزائر لاختلف عن ذلك، حيث ساهمت في زعزعة الثقة
والهيبة في مصداقية الحكم، ولم يستطع الجيش تقديم أية رؤية سياسية للخروج
من الأزمة السياسية والدستورية سوى التخلص من الرؤساء ، والسيطرة على
السلطة، وتطويق جبهة الإنقاذ من الوصول إلى الحكم. فقد واجهت المؤسسة
العسكرية هذه الأحداث بعنف مضاد، وبما أن المؤسسة العسكرية هي قوة ذات ثقل
كبير على الخريطة السياسية الجزائرية، فإن كم العنف المتوقع منها هو كم
كبير، كما أن الهدف الذي يتوجه إليه هذا العنف يتركز أساساً على جبهة
الإنقاذ. فمنذ الإطاحة بالرئيس الشاذلي بن جديد اتخذت المؤسسة العسكرية
سياسة اليد الحديدية تجاه جبهة الإنقاذ، حيث لجأت إلى حملات الاعتقال
لقادتها ورموزها السياسية وذلك بهدف إحداث فجوة بين القيادة وبين القاعدة
الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب وشلل ورعونة الفعل السياسي العنيف للجبهة
وبالتالي تصفية وتحطيم هياكل الجبهة. (عبدالفتاح 1992 :200-201) ولتحقيق
هذه الاستراتيجية اتخذت المؤسسة العسكرية إجراءات منها: (أ) إلغاء نتيجة
الانتخابات البرلمانية التي عقدت في ديسمبر 1991. (ب) إلغاء المرحلة
الثانية من الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في يناير 1992. (ج) فرض
قانون الطوارئ على البلاد والذي يعتبر بحد ذاته أسلوب من أساليب العنف
السياسي ضد حقوق الشعب. (د) حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ وإلغاء تصريح
الحزب وإيقاف منشورات الجبهة. (هـ) رفض إجراء أي حوار مع القيادة السياسية
للجبهة الإسلامية. (و) وأخيراً السماح لعناصر عسكرية فرنسية للمشاركة في
حملات العنف ضد الجماعات الإسلامية. (مهابة أ 1994 :127) ولم تتوقف عند هذا
الحد بل قامت المؤسسة العسكرية بممارسة عدة مناهج عنفية في مواجهة
التنظيمات التي تمارس العنف:
[1] قامت المؤسسة العسكرية بممارسة العنف من خلال مجاراتها للتنظيمات التي
تمارس العنف، حيث استخدمت العنف ضد عناصر وقوى ومراكز الجبهة الإسلامية
للإنقاذ وذلك في محاولة لضرب القاعدة أو البنية الأساسية لهذه التنظيمات.
فقد شكلت الحكومة الجزائرية فرق اغتيالات يطلق عليها [الوطنيون الجزائريون]
تقوم بقتل عناصر الجبهة، بالإضافة إلى الأسلوب العنفي الذي اتخذته المؤسسة
العسكرية في قمع وإخماد المظاهرات التي اندلعت عام 1988 احتجاجاً على
المعاناة اليومية التي يتعرض لها الشعب الجزائري. (مهابة أ1994 :125)
[2] استخدمت المؤسسة العسكرية العنف ضد المدنيين ومراكز مختلفة وإلقاء
المسؤولية على التنظيمات الإسلامية في محاولة لإحراجها وإظهارها بالمظهر
الإرهابي والدلائل على ذلك كثيرة. فقد أكد مدير الاستخبارات العسكرية
السابق في الجزائر "محمد بتشين" أن المؤسسة العسكرية قد كونت "فرق الموت"
وهي "فرق شكلت من بعض الأجنحة العسكرية للقيام بالاغتيالات وبعض المجازر
التي نسبت لاحقاً للجماعات الإسلامية المسلحة." (المديني 1998 :99)
[3] محاولة إحداث انشقاقات بين فصائل الجبهة وكذلك ضرب التنظيمات الإسلامية
بعضها ببعض في محاولة لشق الإجماع بين هذه التنظيمات. فقد نجحت المؤسسة
العسكرية في التحالف مع أو تحييد بعض التنظيمات الإسلامية [حركة المجتمع
الإسلامي وحركة النهضة] بل لقد نجحت المؤسسة العسكرية أيضاً في انفراط
تنظيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ حيث ظهر الانشقاق في البناء "الإنقاذي" عبر
عدد من المؤسسين الأوائل، الأمر الذي أدى إلى انقسامها إلى أجنحة وتيارات
متعددة،(16) حيث لا توجد قيادة واحدة توجه الأجنحة العسكرية المسلحة
للجبهة، فأصبح هؤلاء يتحركون بلا أهداف واضحة سوى ممارسة أعمال العنف، بل
إن بعض أجنحة الجماعة الإسلامية المسلحة تحركها أجهزة الأمن الجزائرية
لاستدراجها للعنف لكي تتوفر الحجة والمبرر للقضاء عليها. (أبو عامود 1993
:122)
[4] قام بعض ضباط المؤسسة العسكرية باستغلال الفوضى وسياسة العنف في الدولة
وبدأوا بتصفية خصومهم واتهام الإسلاميين بقتلهم. (هويدي 1998)
هذه الإجراءات جعلت خيار العنف هو الخيار المتاح أمام جبهة الإنقاذ أكثر من
غيره من الخيارات الأخرى في إدارة الصراع مع النظام السياسي.

القوى التي مارست العنف السياسي وكيفية استجابة النظام السياسي خلال العهود الثلاث.
من خلال الاستعراض السابق للقوى التي مارست العنف السياسي في الجزائر
نستنتج أن القوى التي مارست العنف تختلف نسبياً من عهد إلى عهد آخر على
النحو التالي:
(1) في عهد الرئيس هواري بومدين لم تسجل حالة ممارسة للعنف في الدولة ضد
النظام حتى عام 1975. ويرجع ذلك إلى الأسباب التالية: [أ] أن النظام
السياسي مارس سياسة تعبئة الجماهير لتكون بمثابة مصدر شرعيته، وقد تميزت
هذه السياسة بالتوفيق بين مختلف القوى السياسية والتيارات المختلفة، وقد
نجح نظام هواري بومدين في تطبيق سياسة التعايش هذه والجمع بين المتناقضات،
ونجح كذلك في استقطاب الجماهير باستغلال مشاعرها وطموحاتها، خصوصاً في
وضعية مثل التي عرفها المجتمع الجزائري الذي عاش فترات طويلة تحت القهر
الأجنبي من سلب للهوية وإهدار للحقوق والثروات. [ب] في هذه المرحلة كانت
جميع القوى الرسمية والشعبية في توجه نحو بناء الدولة وبناء المؤسسات
السياسية. [ج] مع أن كافة التيارات السياسية الإسلامية وغير الإسلامية لم
تكن غائبة في ذلك الوقت، إلا أنها لم تكن لها اليد الطولى في التأثير على
السياسة الجزائرية. [د] أنه منذ الاستقلال كان هناك تزاوج بين "جبهة
التحرير" وبين "المؤسسة العسكرية"، حيث فرضت هذا التزاوج ظروف الثورة وهدف
بناء دولة جزائرية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.univ-batna2.alafdal.net
كنزة84
...::|نائبة المدير|::...
...::|نائبة المدير|::...
كنزة84


مساهماتي : 855
تاريخ الميلادي: : 23/02/1984
تاريخ التسجيل : 22/08/2010
عمـــري: : 40
الموقع : https://univ-batna2.alafdal.net

ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: ظاهرة العنف السياسي في الجزائر    ظاهرة العنف السياسي في الجزائر  Icon_minitimeالسبت 18 ديسمبر - 21:59

والله العنف كثر في كل شي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/profile.php?id=100004659092743
 
ظاهرة العنف السياسي في الجزائر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ظاهرة "الحراقة" في الجزائر
» اسلاميو الجزائر في غمار المعترك السياسي
» الآليات الاجتماعية لتفشي ظاهرة الفقر في الجزائر
» محاضرات الاقتصاد السياسي
» محاضرات الإقتصاد السياسي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات جامعة باتنة 2 :: كلية الحقوق :: قسم العلوم السياسية-
انتقل الى: