إننا نجد في التشريع الإسلامي ــ فضلاً عن أحكام العبادات التي تنظم صلة العبد بربِّه وخالقه ــ كلَّ ما يشمله القانون، بقسمَيْه الكبيرين : القانون الخاص، والقانون العام، ففيه القانون المدني الذي هو أصل القانون الخاص، بجميع فروعه الأخرى، وفيه القانون التجاري، وقانون المرافعات، والقانون الدولي الخاص، ثم فيه القانون الدولي العام، والقانون الدستوري، والقانون الإداري، والقانون المالي الذي يلحق به، ثم القانون الجنائي(33).
فالتشريع الإسلامي يفتح المجال أمام المجتهدين لارتياد آفاق جديدة، ويُتيح للعلماء الذين يملكون شروط الاِجتهاد، أن يبحثوا عن حلول للمشكلات القائمة على شتَّى المجالات، فهو يغطي مجالات الحياة كافة، ويشمل فروع القانون المتعارف عليها.
ولذلك فإنَّ الاجتهاد فريضة دينية وضرورة حياتية. يقول العلامة محمد الطاهر ابن عاشور: »إنَّ الاجتهاد فرض كفاية على الأمة بمقدار حاجة أقطارها وأحوالها. وقد أثِمت الأمة بالتفريط فيه مع الاستطاعة ومكْنة الأسباب والآلات«(34). ويضيف قائلاً : »إنَّ التأثير في إيجاد الاجتهاد يظهر أثره في الأحوال التي ظهرت متغيّرة عن الأحوال التي كانت في العصور التي كان فيها المجتهدون، والأحوال التي طرأت ولم يكن نظيرها معروفاً في تلك العصور، والأحوال التي ظهرت حاجة المسلمين فيها إلى العمل بعمل واحد لا يناسبه ما هم عليه من اختلاف المذاهب. وفي كلّ الأحوال النظر الشرعي والاستنباط والبحث عمَّا هو مقصدٌ أصليٌّ للشارع وما هو تبع، وما يقبل التغيّر من أقوال المجتهدين وما لا يقبله«(35).
هذا عن الاجتهاد من النواحي كافة، بسطنا القول فيه بحسب ما يقتضي المقام. فماذا عن التحديث، وعن الحداثة ؟