الاختلاط وأثره
إن الإسلام أكد وشدد على حفظ الأعراض والأنساب، وحرم كل طريق يؤدي إلى اختلاطها، وحذر أيما تحذير من مخالطة النساء، والخلوة بهن، أو الدخول عليهن، وعندما تناست الأمة هذا التحذير وقعت فيما وقعت فيه، فكل يوم نسمع عن فعلة قبيحة وفاحشة خبيثة سببها الاختلاط والخلوة. هذا ما تعرض له الشيخ حفظه الله، مبيناً أثر الاختلاط والخلوة في حياة الأمة.
آثار الاختلاط على الأمم والمجتمعات
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعــد:
عباد الله: يقول الحق تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً [الأحزاب:59-61].
وقعنا في الخطايا والبلايا وفي زمن انتقاض المحدثات
فهان الخير والصلحاء ذلوا وعثَّ بذلهم أهل السفاءِ
وباء الآمرون بكل عرسٍ فما عن منكرٍ للناس نائي
فصار الحر للمملوك عبداً فما للحر من قدرٍ وجاه
فهذا شغله طمعٌ وجمعٌ وهذا غافلٌ سكران لاهي
......
اهتمام الإسلام بحفظ الأعراض والأنساب
عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فتقوى الله خير زادٍ نتزود به في رحلتنا إلى الله الواحد القهار، ثم إن الإسلام أكد وشدد على حفظ الأعراض والأنساب وحرم كل طريقٍ ممكنٍ إلى اختلاط الأنساب، فأوجب على المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، وأوجب على المؤمنات أن يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، وشدد الإسلام في الحيلولة دون اختلاط النساء بالرجال، وحذر الإسلام أيما تحذير من الخلوة بالنساء أو الدخول عليهن من غير المحارم، وبين أن هذا العمل مذموم عند الله عز وجل وعند رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: {إياكم والدخول على النساء، إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أفرأيت الحمو -يعنون قريب الزوج، من أخٍ، وابن عمٍ، وابن خالٍ، وغيرهم ممن يحق لهم دخول بيته- قال صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت }^ نعم إنه الموت؛ لأن الناس لا يحسبون دخوله وخروجه من عندك، فلا يرى بأساً أن يدخل البيت وصاحبه خارج، فيقع في المؤمنين ما لا تحمد عقباه، وتقشعر منه القلوب، وتتفطر منه الجفون.
ومن الفواحش التي تدمي القلوب: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما } وما ظنكم باثنين الشيطان ثالثهما؟ أينتج عن ذلك خير؟ أينتج عن ذلك براءة؟ الشيطان يجمل ويزين، ويقرب ويؤنس، ويدني، فوالله لا فلاح ولا نجاح.
تهاون الناس في أمر الخلوة والاختلاط
عباد الله: ومع تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الخلوة التي بسببها نسمع كل يومٍ حادثة قبيحة وفعلة شنيعة، ومع ذلك ما زلنا نرى ونسمع ألواناً من الخلوة والاختلاط، بل صار الناس لا يرون بها بأساً، ولا يرفعون بها رأساً، وصارت أمراً طبيعياً مألوفاً، بل لوناً من ألوان التقدم والرقي، فصارت الخلوة عادية في مجال الاستطباب، حتى صار كثيرٌ من الأطباء يبيح لنفسه الخلوة بالمرأة الأجنبية، ويرى فضلاً عن وجهها شيئاً من جسمها، بل يرى فخذيها وعورتها المغلظة، مستبيحاً ذلك بحجة أنه طبيب، ناسياً بل متناسياً أنه رجلٌ أجنبي لا يجوز له أن ينظر إلى ما حرم الله؛ إلا في مجالٍ ضيقٍ شديد، ألا وهو مجال الضرورة العظمى التي تتطلب التدخل لإنقاذ حياة المرأة في حالة عدم وجود المرأة الطبيبة.
إن ذلك لا حرج فيه لكن بضوابط، مع وجود المحرم قدر الاستطاعة، فإن لم يوجد المحرم، فليوجد رجلٌ أو امرأة ثالثة، أو رابعة، حتى تنتهي الخلوة التي تحدث بين الطبيب والمريضة.
ونحن عندما نقول هذا الكلام، قد يستنكره بعض الذين في قلوبهم مرض، فيمدون شفاههم في وجوه الدعاة، زاعمين أن هذا تشددٌ وتخلفٌ رجعي، بل سوء ظنٍ من الدعاة بالمدعويين، ناسيين أو متناسيين أنه ما ديست كرامة المرأة إلا بعد أن وجدت هذه الأفكار، وما من بلية ولا رزية إلا وكان للخلوة والاختلاط فيها نصيب الأسد.
إن كثيراً من أطباء النساء يتعمدون الكشف على سوءة المرأة الحامل مدعين أنهم بذلك يطمئنون على صحة الجنين، يا له من قبحٍ وسوء فعلٍ وقلة حياء وأدب!! وبالإمكان وضع سماعة الطبيب على بطن المرأة فوق الثياب وسمع النبضات، لكن الدنية الخبيثة تأبى عليه ذلك، بل يتجرأ بعضهم ويمد يده ليتحسس وضع الرحم كما يقول، وإن جئت لطبيبة تريد الستر حولتك إلى طبيب، ما دور تلك الطبيبة؟! قبح الله تلك الأخلاق والشيم.
إن الرجل صاحب المروءة ولو لم يكن ذا دين؛ تأبى عليه مروءته أن يطلع على عورات النساء.
ولا إله إلا الله مع كثرة اللمس تبلد الإحساس، وصار الأمر متستطاباً ومستحسناً عند بعض النساء من اللاتي قل حياؤهن، وغاب عنهن وليهن فلم يتربين التربية الإسلامية الحقة.
الخلوة والاختلاط .. صور وعواقب
يذكر بعض العاملين في بعض المستشفيات: أن بعض النساء تأتي لطبيب النساء متجملة غاية الجمال، لابسة عارية، تلبس ما يثير الشهوة عند من لا يشتهي: كاسيات عاريات، فإذا جاءت ولم تجد الطبيب غضبت ورجعت ولم تذهب للطبيبة؛ لأنها تدربت وألفت لمسة الرجل الأجنبي، وتلذذت بتحسيسه على بطنها وفخذيها فصارت لا تأتي للعلاج ولكن لمرضٍ في القلب والنفس نسأل الله غفرانه وعفوه.
وصار بعض الأطباء يرى أن الخلوة حقاً من حقوقه، فيتجرأ ويخرج الرجل الذي يأتي مع زوجته -إن صح أن نسميه رجلاً- قائلاً له: لو سمحت لا يجوز أن تحضر الكشف، وبعض الرجال -بل أشباه الرجال- يطأطئ رأسه وينزع مروءته فيترك زوجته ليخلو بها الطبيب!
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إخلاصٌ وإيمانُ
يذكر أحد الإخوة: أنه دخل إحدى العيادات وإذا به يرى الطبيب قد أغلق على نفسه مع امرأة، فظن أن المرأة مع زوجها أو أخيها، فأخره فدخل لوحده، وإذا به يرى الطبيب يتلون وجهه عندما دخل عليه وهو في حالة مرثية لا تدعو إلى الاطمئنان، ماذا كان يفعل مع تلك المرأة أيها المسلمون؟!
أواه! أفهذا يرضي الرجال الكرام؟! أهذا يقبله شرعٌ أو خلق؟! أين الغيرة يا أبناء وأحفاد محمد صلى الله عليه وسلم؟! أين الشهامة؟! ألا تغارون؟! ألا تستحون؟! ألا تخجلون؟! ألا تخافون من الله؟!
إن الخلوة محرمةٍ بكل أنواعها، لا يجوز للرجل أن ينظر إلى امرأة لا تحل له مهما كانت الأسباب والدواعي، فضلاً عن الخلوة بها.
وأصبحت المصافحة للأجانب أمراً مألوفاً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خيرٌ له من أن يمس امرأة لا تحل له } فبأي حقٍ يستبيح بعض الرجال الخلوة بالنساء؟ وبأي حقٍ يبيح بعض الأولياء لنسائهم أن يخلو بهن الأطباء أو غير الأطباء من غير المحارم، من سائقين، وعمال، متجاهلين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما }.......
السائقون والخدم من أسباب الفاحشة
لا إله إلا الله كم نسمع من الوقائع والمآسي التي حصلت نتيجة الخلوة من السائق أو العامل بربة البيت أو بابنتها!! وكم من امرأة استدرجت سائقها لفعل الفاحشة بها! كم من سائقٍ ذكيٍ لبقٍ استغل فرصة غياب رجل البيت -إن صح أن نسميه رجلاً- ليستدرج صاحبته إلى الفاحشة؟! فإذا سقطا فيها مرة صعب بعد ذلك الانتهاء عنها، وكثير من الرجال اكتشفوا ذلك بعد وقوع الفأس بالرأس كما يقولون، فوجود السائق والخادم في البيت خطر عظيم.
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
يقول بعض أشباه الرجال لما أراد أن يستبدل السائق؛ لخصومة وقعت بينه وبينه، يقول: انطلقت زوجتي لتدافع عنه بقوة، وهي تصيح هو حبيبٌ لنا ولطيفٌ يخدمنا ويقضي لوازمنا وأنت مسئول عنا.
لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنمِ
ما دخل امرأته في حكم الرجال؟! رجلٌ يريد أن يستبدل سائقاً أو يغير شيئاً ثم تتدخل المرأة في الدفاع عنه، إن في الأمر ما فيه.. !!
ولا إله إلا الله! يغطي بعض الناس رأسه يوم يسمع مثل هذا الكلام، وقد يقول البعض: إن الخطيب يفتري على الناس شيئاً لم يقع، لكن يا عباد الله يجب مواجهة الحقائق ووضع النقاط على الحروف، فإن المقدمات الخاطئة تولد نتائج خاطئة، والسكوت عن الذنب الصغير يفضي إلى الكبير.
كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
ويأتي بعض السذج ويقول: لمَ لم تفعل الدولة كذا؟ لماذا تسمح بدخول الخدم والسائقين؟ نقول: نعم على الدولة مسئولية، لكن أتريد من الدولة أن تضع حارساً على نسائك؟ أتريد أن تضع رقابة على بيتك؟ إن الرجل المسلم حريصٌ على بيته وعرضه، حريصٌ على محارمه. إن خطر السائق عظيم، فإذا اضطررت إليه فليكن في حدود الشرع يا عبد الله، يسكن في مكانٍ بعيدٍ، لا يحق له دخول بيتك، ولا تسمح لنسائك بكلامه أو مخالطته، لا يخرج بهن إلا وأنت معه أو ابنك، أو ثالث أو أخوك معه، هذا إن اضطررت إليه، ولكن المؤسف الذي يدمي القلب أن بعض الناس يعتبر السائق شكلاً تكنيكياً من لوازم الحضارة والتقدم! وما علموا أنه من بوادر الحقارة والدعارة، والتفاهة والتدهور:
سوف ترى إذا انجلى الغبارُ أفرسٌ تحتك أم حمارُ
عباد الله: إنا نرى ويا ليتنا لم نر، إنا لنرى الإنسان يسوق سيارته سائق وعنده خمسٌ من البنين كلهم يقودون سياراتهم، ولا يكلف الواحد منهم نفسه أن ينقل عرضه إلى المدرسة، ويأتون برجلٍ غريبٍ كافرٍ جاء من بلدٍ مختلف، الزنا فيه أمرٌ طبيعي لا يستنكر ولا يستغرب، يأتون به لينقل أعراضهم، ويؤتمن على نسائهم، أهؤلاء رجال؟!
إن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ
يؤتى برجلٍ شاب يتجمل ويتهندم ويعتني بشعره أكثر مما يعتني صاحب المرأة بنفسه، فيضع السلاسل الذهبية في عنقه، وتسلم له سيارة أنيقة، ويسلم له فتياتٍ قد بلغن الكمال في الأنوثة والصحة والجمال، وقد حيل بينهن وبين الزواج غالباً، فيقولوا لهذا السائق: خذهن لقمة سائغة، اذهب بهن إلى الأسواق والمدارس والحدائق فأنت الصادق الأمين.
إن كنتم تشكون في كلامي فاذهبوا إلى الأسواق، وانظروا في طوابير السيارات الواقفة ستجدون هذا كافراً، وذاك جندياً هندوسياً يحمل في سيارته امرأة من نساء المسلمين ويؤتمنون عليها.
يا أمة الحق والآلام مقبلةٌ متى تعين ونار الشر تستعرُ
متى الفواق وقد تمت مصيبتنا متى الخلاص وقد لمَّ بنا الخطر
نتائج الأمة عظيمة، إذا قلبت النظر وجدت ظلاماً وليلاً حالكاً، ومن هذا الظلام خلوة صاحب البيت أو ابنه بالخادمة وتلك والله مصيبة، وكثيرٌ من الآباء سمح للخادمات بلبس القصير، والخلوة بابنه المراهق، وما علم أنه فتح باباً من الشر على بيته وابنه يوم جلب الخادمة، فإذا هي أجمل وأحسن شكلاً من صاحبة البيت، وقولوا لي بالله كم سيغض صاحب البيت طرفه عنها، إنه شيءٌ يضحك ألماً، وشر البلية ما يضحك.
الشيطان يورد المهالك
حذار حذار يا عباد الله! من الخلوة والاختلاط، كم من رجلٍ تعلق قلبه بامرأة أجنبية حتى صار يعزف عن زوجته التي أحلها الله له، لا يجد لذة ولا راحة في معاشرتها ولا في الجلوس معها ولا في حديثها؛ لأن الشيطان قد علق قلبه بامرأة غيرها، فأصبح حاله كحال الشاعر الفرزدق مع زوجته يوم كان يتركها ويذهب ليعمل الفاحشة بغيرها، وهو رجلٌ أعمى البصر والبصيرة، فتسللت زوجته إلى إحدى النساء اللواتي يعمل معهن الفاحشة، فطلبت من هذه العاهرة أن تحل محلها في مقابل أن تسترها ولا تفضحها، وجاء الأعمى يظن أن هذه عشيقته وما علم أنها زوجته؛ فأخذت بيده إلى المكان الذي تعود به عمل الفاحشة، وواقعها وعندما انتهى قالت له: قبحك الله! فعرف أنها زوجته فقال لها: أنت فلانة؟ قالت: نعم قبحك الله، قال: ما أبغضك حلالاً وما ألذك وأهنأك حراماً..!!
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلال
انظروا إلى الشيطان، فإياكم منه، إنه مدبر الحرام، يبين ويرغم فيه، فلو كان الرجل يملك زوجةً من أجمل نساء الدنيا حسناً وخلقاً، فإنه يراها غير جيدة أمام النساء الأجنبيات؛ لأن الشيطان يصور ويزين، ولقد حُدثنا وسمعنا أن رجالاً لديهم من الغيد الحسان ما يتمناه كل إنسان، ثم يتركونه وهو الحلال، ليتعقبوا أذيال نساءٍ مومسات، قبيحات الأشكال، خبيثات الأجسام، منتنات الروائح، وما ذلك إلا لأن الشيطان سول لهم وأملى لهم فاستبدلوا الحلال بالحرام فأولى لهم.
لم نر من الاختلاط خيراً أبداً، فحوادث الاختلاط نسمعها تقض المضاجع كل آن، فهاهو حدثٌ تقشعر منه الأبدان، الراوي يروي ما حدث منه، ويطلب التوبة والرجوع إلى الله جل وعلا بعد أن آلمته مرارة المعصية، يقول: إنه كان يخلو بزوجة خاله وهي في مثل سنه، يتحدث معها، والشيطان ثالثهما، فخيل لهما الشيطان أنهما حبيبان لا يقدر أحدهما على فراق الآخر، فكانت إذا خرج زوجها استدعته للجلوس معها، ويوم بعد يوم وتقع الفاحشة ونعوذ بالله من الفواحش، ثم بعد ذلك يسعى ليطلقها من خاله بحجة أنه سيتزوجها، وفي سبيل هذا وقع عليها أكثر من أربعين مرة كلها برضاها ورضاه، لا إله إلا الله ما أعظم جرم الزنا! ولم يكتف بالزنا بل خان عرض خاله وهو كعرضه وعرض أمه، سمع موعظة فتذكر فاحشته، فأبغض زوجة خاله وأراد قتل نفسه، وذهب يستفتي أحد العلماء هل يجوز قتل هذه المرأة؟! سبحان الله، ولا إله إلا الله!
يا إخوتي: عندما يكثر التساهل والتسامح يحدث ما نسمع، ويحدث ما نرى، فيا من اشتغل بماله وتجاراته عن أهله:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض بالمالِ
يا من ادعى طهر القلب: إن محمداً صلى الله عليه وسلم وبناته وزوجاته هم أطهر الناس قلوباً، يا من يدعو إلى انحلال هذه الأمة بانحلال نسائها، لتخسأ، ما زالت في الأمة بقية تحمل حقاً، والحق يزهق الباطل: إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81]
عباد الله: اتقوا الله، ولنحفظ ديننا ولنحفظ أعراضنا وسلوكنا بالمحافظة على أمتنا وعلى استقامتها وسلامتها، وعلى حفظ نسائنا، وبناتنا، وأخواتنا، اللهم من أراد بنا وبهن سوءاً فاقصم ظهره، وأرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم لا ترفع له راية، واجعله لمن خلفه آية، إنك على كل شيء قدير.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
المرأة هي الهدف
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعــد:
يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ [النور:21].......
محاربة الحجاب والعفاف
عباد الله: الحجاب والعفاف، لو لم يكونا فريضة شرعية لكانا ضرورة عقلية يوليها الواجب والمروءة، في عصر التبذل وقلة الحياء، في عصر ذاق فيه الذين لم يعرفوا الحجاب اللومات والحسرات، رأوا اللافتة أمام أعينهم وعلى طرقاتهم، فاندلعت إلى بيوتهم.
يا إخوة الإيمان كل صغيرةٍ إن أمهلتها الحادثات ستكبرُ
فإلى المرأة اليتيمة المسكينة، إلى المحاربة في جلبابها وحجابها، إلى من حاربتها الصحف والمجلات والمسلسلات والأغنيات، إلى المرأة التي آمنت بالله، وسجدت لله، واستترت بستر الله، أقول:
حذار حذار يا فتاة الإسلام! حذار يا بنت عائشة وفاطمة و زينب و أسماء ، حذار من الاختلاط والتبرج، واسمعي وتدبري وتفكري، ولا يغرنك زيف الحضارة الغربية واسمعي إلى ما نشرته إحدى الصحف الأمريكية وقد نشرت استقراءً خطيراً في جامعةٍ من جامعاتها قالت: في سنة واحدة ثبت أن عشرين ألف فتاةٍ حملت من الزنا في هذه الجامعة، وأن أمريكا تستقبل مليون طفلٍ من الزنا والسفاح سنوياً، هل يفكر أحدٌ في معنى الاختلاط والتبرج؟ إنه الفاحشة والدمار، إنها التي تربتها المرأة في الغرب، تركت زوجها وشاركت الرجل، وسارت على أمانيها.
وفي بريطانيا يوجد ثمانية ملايين من النساء لم يتزوجن، وعشرون ألف حالة إجهاضٍ في عامٍ واحد، كل هذا ثمرة من ثمرات الاختلاط.
ودعاة السفور من الغرب والشرق يقولون: إن الحجاب بدعة حجازية خرجت من مكة والمدينة : كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5]^ إن الأمر أمر الله وهو أدرى بمصالح عباده عز وجل.
نبئوني بعلمٍ إن كنتم صادقين: آمرأة متعطرة متطيبة متحلية، تخرج من بيتها بلا محرم فتكلم الخياط، وتبايع، وتجوب الأسواق، وتقف مع بائع الأغنيات والمجلات، أهذه مسلمة؟! أهي مؤمنة؟! إنها ملعونةٌ مغضوبٌ عليها من الله.
أين الدين؟
أين العفاف والحياء؟
ثم من يريدها زوجة له يا عباد الله! بالطبع لا أحد، حتى الفسقة لا يريدونها زوجة.
إذا سقط الذباب على طعامٍ رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماءٍ إذا كن الكلاب ولغن فيه
دور دعاة تحرير المرأة
عباد الله: دعا الغربيون إلى مشاركة المرأة للرجل في غير ما خلقت له، فدخلت المرأة المعمل، ودخلت المصنع، وخالطت الأجانب، فصارت عملة رخيصة في الطائرات، والقطارات، والمستشفيات، فضيعت أنوثتها، وأوقعت شباب الإسلام في حبائلها، واكتوت بلاد الإسلام بنار الاختلاط؛ نتيجة لترك تعاليم الإسلام، والانقضاض على جيف الغرب واتباعهم وتقليدهم.
إن وضع العالم الإسلامي وضعٌ غير صحيح، وديننا الإسلامي -وكذلك ديار المسلمين- مستهدف، وفي بيتٍ من البيوت يُضبط ألف شريطٍ جنسي يستحي إبليس أن ينظر إليه، لا إله إلا الله! كل شريط كفيل بأن يدمر مدينة بأكملها، كيف وصل؟! من أين أتى؟! آه إن كان الباني واحداً والهادم ألفاً، كيف يكون البناء ويتم؟!
أرى ألف بانٍ لا يقوموا لهادم فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم
كيف تصلح الأمة الإسلامية ووسائل إعلامها تبث سماً زعافاً؟! تبث المجون والضياع والانحطاط، كيف تصلح الأمة وقد ضعفت التربية في البيوت بل انعدمت؟! كيف تصلح امرأة لا تسمع القرآن، ولا تعرف السنة، ولم تحضر في حياتها محاضرة، ثم يكب على رأسها آلاف المسرحيات والمسلسلات والأغنيات والمجلات؟ كيف ستكون امرأة مسلمة في خضم هذا؟ بل كيف ستربي أبناءها؟ بل كيف سيكون بيتاً مسلماً؟
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا جعل من أكبر اهتمامته المرأة، خاطبها، ووعظها، وبالله ذكرها وأبكاها، كان يصلي العيد ثم ينتقل إلى النساء فيعظهن ويذكرهن، بل خصص لهن وقتاً يربيهن ويعلمهن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أنه بصلاح المرأة تصلح البيوت، وبفسادها تفسد المجتمعات.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ
وكثير من كتاب عالمنا الإسلامي يحارب المرأة المسلمة، يستهزئون بحجابها، يريدون أن تكون غربية ساقطة، يقولون عن الحجاب: خيمة، ويقولون: على المرأة المتحجبة أن تبحث عن قائد يقودها إلى مدرستها، ويقولون: آن للمرأة أن تمزق حجابها. معنى ذلك أن تمزق عرضها وحياءها، وعفتها ودينها، يعيرونها بحجابها لكن نقول:
إذا عير الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل
وقال الدجى للشمس أنت كسيفة وقال السهى للبدر وجهك حائلُ
فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جدي إن دهرك هازلُ
تتعرض المرأة المسلمة في العالم الإسلامي لحملات شرسة، ودعواتٍ جاهلية، لها مظاهر متعددة، من أهمها: إلغاء الحجاب.
ومن أوائل الداعيات إلى تحرير المرأة في العالم الإسلامي وإلغاء حجابها، تلك الشقية المجرمة هدى شعراوي عليها من الله ما تستحق، أول امرأة تسافر من غير محرمٍ إلى أوروبا وتحضر أول مؤتمرٍ دوليٍ نسائي، وبعد عودتها طالبت برفع الحجاب عن المرأة، وبلغت بها التفاهة والسفاهة أن ألقت بحجابها وداسته بأقدامها. وها هي الجمعيات اليسارية في العالم الإسلامي تتبنى هذه الدعوة الجاهلية، وتسعى جاهدة لإلغاء الحجاب الإسلامي؛ بحجة الحضارة لكن ذلك بعيداً عن منهج رب البرية:
أثّر الجهال فيها وأمطر الزور عليها
يا لها من ببغاء عقلها في أذنيها
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59].
ظاهرة الاختلاط وتفشي الخادمات والمربيات الكافرات
ومن مظاهر التحديات الاجتماعية: الدعوة إلى الاختلاط في العالم الإسلامي بهدف إلغاء القيم والمبادئ، ونجحت الدعوة في كل بلدٍ، في المدارس والجامعات والمؤسسات، وبقي هذا البلد الذي أسأل الله ألا يحل به ما حل بغيره.
ومن مظاهر التحدي: ظاهرة تفشي الخادمات والمربيات الكافرات كما هو الحال في بعض دول الخليج بل في كلها، ولا يكاد يخلو منزلٌ من خادمة أو مربية أو سائقٍ غير مسلم، وفي هذا تهديدٌ للقيم الإسلامية في تلك المجتمعات.
فيا عباد الله: اتقوا الله، هذه مسئوليتكم تجاه دينكم، قبل أن تصبحوا لقمة سائغة لكل جائع، وسلعة رخيصة لكل مشتري، وعندها تندموا ولات ساعة مندم.
ها هو رجل تضبط ابنته تمارس الفاحشة مع شابٍ -نعوذ بالله من الفواحش- فيستدعى أبوها الذي فرط فيها، ويخبر الخبر ويغمى عليه، ثم يصيح ويرفع يديه إلى السماء قائلاً: رباه ليتك لم تخلقني، رباه ليتك لم تخلقني، لسان حاله حال مريم يوم تقول: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً [مريم:23] وفي ذلك عبرة وعظة.
فعودة إلى الإسلام أيها المسلمون: ففي الإسلام سعادتكم لبناتكم؟! وعودة إلى الإسلام أيها المؤمنون، ففي الإسلام عزكم ونجاتكم وسعادتكم.
وستذكرون ما أقول: أعداء الله يريدون من عالمنا أن يكون مفككاً، دنيئاً، مدمراً، فاحشاً، متفحشاً: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] فلننتبه ولنقم من سباتنا.
يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن تسترنا، وأن تستر نساءنا، وبناتنا وأخواتنا، اللهم لا ترنا فيهم فضيحة، اللهم لا ترنا فيهم مكشوفة، اللهم لا ترنا فيهم سخطك.
اللهم أرنا في دعاة السفور والاختلاط يوماً أسوداً كيوم فرعون وهامان وقارون، اللهم اشف قلوب المسلمين من المنافقين والذين في قلوبهم مرض، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام بشرٍ فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره في تدميره يا حي يا قيوم!
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وأصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاحٌ للإسلام والمسلمين برحمتك يا أرحم الرحمين!
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.