تعالوا أذكركم مرة أخرى ببعضٍ مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخصائص التي مَيَّزَ الله عز وجل بها شامَنا هذه، ولو لم يكن فيما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك إلا هذا الذي سأرويه لكم لكان كافياً.
روى أبو داود وابن حبان والحاكم في مستدركه بسندٍ صحيح من حديث عبد الله بن حوالة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناً ستقع فقلت يا رسول الله اختر لي – أي اختر لي مكاناً أو بلداً ألجأ إليه عندما تحيق هذه الفتن – فقال له: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده. ثم قال: إن الله تَكَفَّلَ لي بالشام وأهلِها.
مرَّ في هذه البلدة تيار القومية الجانحة المتطرفة التي حاولت أن تجعل من القومية ديناً يحل محل دين ولكنها لم تصلح فاسداً ولم تُقَوِّمْ اعوجاجاً وانحسر هذا التيار وعادت الهوية التي أنبأ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شامنا هذه وضَّاءةً متلألئة.
ومرَّ اليسار الفكري والسياسي المتطرف فجاءت يد التصحيح من لدن قائد هذه الأمة في هذه البلدة آنذاك فطَهُْرَتْ البلدة من ذلك التيار الجانح وعادت الهوية الإسلامية مرة أخرى وضاءةً تتلألأ.
عباد الله: أليس من الوفاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شهد لشامكم بهذه الشهادة أن نستعلن بهذه الهوية دائماً؟
عباد الله: لقد راح وانقضى أوان الاستحياء بالهوية الإسلامية والإعلان عنها. مضى ذلك المنعطف الذي كان فينا من يغص بإعلان هذه الهوية والاعتزاز والتباهي بها. لقد تجلى لكل ذي بصيرة أن كل الخطابات التي واجَهْنَا بها أعداءنا الذين يتربصون بنا خابت ولم تنجح إلا خطاباً واحداً إنه الخطاب الديني المنبثق من عدالة الإسلام والمنبثق من وسطية هذا الدين.
هذا هو الخطاب الذي أعلن العالم كله أنه الذي أسكت المتآمرين وكَمَّمَ أفواه المتربصين.
إن كانت هنالك أخطار الغلو فالإسلام هو الذي يقضي على الغلو.
وإن كان هنالك أخطار تتمثل في التطرف فالإسلام هو الذي يلاحق التطرف حتى يقضيَ عليه.
أما كلمة الإرهاب فليس لها وجود في قاموسنا الإسلامي قط. ومعناها إنما هو كامن في قلوب أولئك الذي يُصَدِّرُونها إلينا. أما نحن فها نحن نعود إلى تاريخنا الإسلامي الأغر ونستبين ما في طواياه فلا نجد لكلمة الإرهاب هذه وجوداً في قاموس إسلامنا إنما هو شيء صُنِّعَ هناك وصُدِّرَ إلينا، فإن تساءلتم عن معناه فاسألوا عن معناه أولئك الذين يُصَدِّرُونه إلينا.
أليس من الوفاء – يا عباد الله وها نحن ننظر فنجد كيف أن الكون كله شهد لشامنا هذه بما شهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس من الوفاء اليوم أن نستعلن عن هويتنا الإسلامية هذه على كل صعيد.
إن الضغط الذي يقودنا إلى ما يسمى العالمية أو إلى ما يسمى العولمة. وترجمة هذه الكلمة عودة الاستعمار في أسوأ مظاهره.
هذا الضغط يُراد به أن نكون تبعاً لأولئك الذين يتربصون بنا في المبادئ والقيم، أن نكون تبعاً لهم في الثقافة والمعارف، أن نكون تبعاً لهم في الاقتصاد، أن نكون تبعاً لهم في السياسة.
هذا الضغط الذي يمارس علينا وعلى إخوانٍ لنا من بعيد أو قريب إنما يبتغى به هذه التبعية المهينة الذليلة التي لم يصل الاستعمار في تاريخه الأرعن يوماً ما إلى مثل هذه المهانة.
ولكن هل سننغض الرأس للضغط؟ وهل نصطبغ بهذه العولمة؟ هل سنكون تبعاً في مبادئنا وقيمنا للعدو الذي يتربص بنا؟ هل سنصبغ ثقافاتنا بما يرضي ذلك العدو ويجعله يصفق لنا؟ هل سنجعل أنشطتنا الاقتصادية تدور في فلك أولئك الأعداء لنكون الأمة المستهلكة وتكون هي الأمة الصانعة والمصدرة؟
لا يا عباد الله. بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلن أننا لن ننغض الرأس. مبادئنا وقيمنا ستكون مبرأة من كل تبعية. ثقافتنا ستكون نابعة من أرضنا هابطة من سمائنا. اقتصادنا سيتوج بتاج الإسلام دائماً، وها نحن نسير قُدُمَاً في طريق تطهير الاقتصاد من كل ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، نسير في خطى حكيمة وفي تبصرة دائمة دائبة، فليضغط ذلك العدو الأرعن ما طاب له الضغط، نحن مكلوؤون ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أعلم وأنتم تعلمون أن هذا الضغط يتمركز على مناهج التربية والتعليم في بلادنا العربية والإسلامية، كلنا يعلم ذلك، يراد من عالمنا العربي والإسلامي تغيير مناهج التربية على اختلافها بحيث تصبح خاضعة لرؤية أولئك يتربصون بنا سوءاً، بحيث تكون خاضعة لمرضاتهم سائرة طبق محبتهم وطبق ما تهواه نفوسهم.
وأنتم تعلمون يا عباد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تحدث عن الشام نبَّهنا إلى أن قلب الشام النابض إنما هو دمشق وغوطتها، هكذا أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إذ قال: فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى على أرضٍ يقال لها الغوطة إلى جانبها مدينة اسمها دمشق هي خير منازل المسلمين يومئذ.
رسول الله يقول عن دمشق: إنها خير منازل المسلمين يومئذ، وأعداء رسول الله – أعداء هذا الدين – يتربصون بنا ونتخيل أن تكون لهم الغلبة على شهادة رسول الله! حاشى. لن يتحقق ذلك أبداً.
إن الله عز وجل إنما استودع في الشام من هم أهل لحماية الشام، وإن الله استودع في قلب دمشق من هم أهل لحراسة دمشق، ولقد شهدت الأيام الغابرة بهذا الحق الذي أقول ولسوف تشهد الأيام الآتية بل العصور التالية بهذا الحق