الدكتورة نوال السعداوي ليس من السهل الحديث عنها دون إثارة الجدل أو فتح الباب أمام النقد والشجب، فقصتها هي قصة خمسين عاما من القتال والدفاع عن قضايا تعتقد أنها صحيحة تدور كلها حول المرأة والاضطهاد والقهر والختان والدين ـ الأديان، وفي جعبتها خمسون كتابا وذكريات عن السجن والمواجهات. والسعداوي ترفض أن تستسلم وتصر على مواجهة نقادها، إما بشجبهم أو اتهامهم وتحديهم. ولا تخلو آراء السعداوي من الغرابة والإثارة وقد تتهم بمحاولتها الدعوة للإثارة والاستقواء بالأجنبي مع أنها تتهم أمريكا بتكميم حريتها وملاحقتها. لكن مشكلتها الرئيسية تظل هي المرأة العربية التي لم تتحرر بعد على الرغم من مرور قرن على صدور كتاب 'المرأة الجديدة' و' تحرير المرأة'، فهي لا ترى في التوجهات والميول الجديدة في النشاط النسوي أي تقدم بل ردة عن قيم الحركة النسوية الليبرالية ـ العلمانية التي كافحت فيها وناضلت طوال السنين الماضية. كما أن السعداوي لا تعترف بشيء اسمه الأنثوية الإسلامية ولا الحجاب الذي تراه رمزا للاستغلال السياسي، وترى أن التابو في العالم العربي ما زال تابو والمخفي أعظم، مع أن القرية التي ولدت فيها وباعترافها تغيرت ولم تعد تلك القرية الهادئة التي يحكمها عمدة ينظر لنفسه مثل البقية حكومة قائمة بحد ذاتها. وفي محاولة لاستثارة بعض القضايا وتحفيز السعداوي للنقاش حولها ومحاولة استفزازها للحديث أكثر وأعمق، حاولنا استثارة نقاش معها يعيدها إلى كتاباتها الأولى ومواقفها ونقل آراء بعض النقاد. كان لقاء سريعاً إثناء زيارتها الأخيرة في لندن للمشاركة بمهرجان جمعية القلم الدولية والذي تحدثت فيه عن تجربتها. وفي زاوية من قاعة 'رويال فيستفال هول' حيث كانت تحضر واحدة من المحاضرات، وحيث كان اليوم احد، الجو جميل ومن الطابق السادس كانت المسلة المصرية تتعالى فوق نهر التيمز، ولكن الدكتورة نوال كانت متعبة من كثرة اللقاءات التي أجرتها والأحاديث التي تمت معها في الزيارة.
راديكالية تراجع أفكارها
سألناها عن السبب الذي يدعوها إلى وصف نفسها بالراديكالية وانه كلما تقدم بها العمر تشعر بالتصميم على القتال للنهاية، وان ذخيرتها لم تنفد بعد، ووجه سؤالنا أن الكاتب عندما يتقدم به العمر يعود إلى دفاتره ويشذب أفكاره ويعيد النظر ويراجع مجمل تجربته، خاصة أن نوال ساهمت في الرواية والمسرح والمقالة والتحليل النفسي. ومن هنا هل يتناقض مفهوم الراديكالية ـ النشاط مع العودة والمراجعة. لكن الكاتبة ترى أنها لم تفقد حس القتال وأنها مع ذلك تراجع كتاباتها وأعمالها وفي الوقت نفسه لا تتخلى عن أفكارها. وتعتقد أن المراجعة تتم عبر السفر والتدريس الجامعي والمحاضرة في الجامعات، 'طول الوقت، أراجع تجاربي واستفيد منها ومن لقاء الشباب وهذه المراجعة تقودني الى التمرد والى ان اصبح اكثر راديكالية واكثر ايمانا بأنني كنت امشي في الطريق الصحيح'. ومن هنا فهي تتعامل مع فعل النشاط والكتابة على انهما 'نضال' والكتابة الادبية نضال وبحث عن 'العدل'، وهي راديكالية، لاننا كما تقول 'نعيش في غابة'. لكن نوال السعداوي التي شجبت من كل الاطراف، المؤسسة التي عملت ووزارة الصحة والمشايخ والنقاد والصحافة تشجب كل الاطراف وترى ان الفساد هو اصل المشكلة في البلاد العربية وفساد النخب السياسية مرتبط بقهر المرأة، فقد كتبت مرة تقول في روايتها 'موت الرجل الوحيد على الارض' وعلى لسان احد ابطالها الشيخ حمزاوي قوله 'الناس كلها فسدت يا شيخ زهران والبلد لم يعد فيه اسلام او مسلمون'. وتعلق على ما قالته قبل عقود بأن الوضع لم يتغير في مصر والعالم العربي، فـ 'الهوس الديني في بلادنا تجارة، وسياسة تتجه نحو استخدام الدين للظلم ولخداع الجماهير وخدمة السلطة تحت اسم خدمة الاله، فالكهنة والمشايخ والقسس كانوا دائما في خدمة الملوك والحكومات، الازهر، شيخ الازهر كان دائما في خدمة الملك نحن نعود للوراء بسبب التجارة في الدين'. هذا الموقف المتشدد يشير الى واحد من خيوط التناقض الظاهري في تجربة السعداوي او على الاقل كما افهمه، كقارىء، من خلال المتابعة لنتاجها الروائي والفكري، فمنذ صدور كتابها الاول 'مذكرات طبيبة' عام 1958 لم يبد الدين العامل او عاملا من عوامل قهر المرأة واضطهادها. وهي ترد هنا على هذا التعليق ان الدين كان دائما حاضرا في نتاجها الروائي، مقترحة العودة الى اعمال مثل 'سقوط الامام' ، 'جنات وابليس' و 'امرأة عند نقطة الصفر'، ولو قرأت الرواية الاخيرة 'زينة' فهذه معظمها 'تستند على الدين والظلم الواقع من الدين على المرأة ومن كل الاديان الثلاث المسيحية واليهودية والاسلام'. الحديث عن ملمح التناقض يعيدنا الى ما سبق وسجله الناقد الفلسطيني عيسى بلاطة مع اعتراض البعض على تفسيره، من ان السعداوي ظلت غامضة في موقفها من الدين ومترددة من اتخاذ موقف من امرين اما الاسلام دين سماوي، موحى او انه تشكل عبر تاريخه بعوامل اقتصادية. وما يؤخذ عليها انها ايدت الثورة الايرانية عام 1979 وترد مدافعة عن هذا الموقف السابق قائلة 'انا ايدت الثورة الايرانية في الاول لانني كنت ضد الشاه وضد الاستعمار البريطاني، والثورة كانت تشمل الشيوعين والبازار والمسلمين والمثقفين، لم تكن دينية بل كانت في الاول ثورة سياسة واقتصادية واجتماعية ضد الشاه والاستعمار ثم تحولت لثورة اسلامية، الخميني ذبح كل معارضيه من اليسار واليمين والوسط وابقى المؤيدين، وانا موقفي واضح وانا ناقدة لكل الاديان منذ البداية'. ولها في هذا السياق موقفها العلماني من الدين او الاديان ومؤسساتها كما تحب الحديث فالدين يجب ان يتداخل في السياسة والمصلحة والطبقة والدين ان لم يعن العدل ولم يحرر المرأة فلا حاجة لنا اليه. في رواية 'جنات وابليس' تبدو السعداوي اكثر وضوحا في الاحالة الى الدين، المسيحية واليهودية والاسلام، والبحث في جوهر المرجعيات الدينية. وقد يفهم من كلام السعداوي انها ضد تسييس الدين وتحويله لكهنوت ومؤسسة ابوية تعمل في النهاية على قهر المرأة، ويبدو فهمها للدين اقرب منه الى ذلك الاهتمام الفردي، فهي تردد مع جدتها التي لم تقرأ القرآن في حياتها مثل ملايين الفلاحين 'ربنا هو العدل، عرفوه بالعقل'. الدين الصحيح هو العدل، فما دام اختفى العدل من الدين واستخدم لظلم المرأة والفقراء فلا يوجد دين. وفيما يتعلق ايضا بهذا الموقف تحيل الى تجربة رابعة العدوية التي قالت انها عبدت الله ليس طمعا في جنته ولا خوفا من ناره، فالسعداوي ترى ان جوهر الدين لا يتعلق بالطقوس والشعائر، فالعدل وجه رئيسي للدين ويضاف اليه وجه اخر وهو التحرر من الخوف 'فقدت الخوف من كل شيء، من الموت والمرض والجنة والنار'. وحول ما إذا كانت هي تخاف من الموت، تقول ان الموت ضروري لاستمرار الحياة الانسانية وبالنسبة لها 'لا انتظر الموت ولكن ارحب به في اي وقت.. نحن عبيد الخوف من الموت وحين نتحرر من الخوف من الموت نصبح احرارا'. في سياق ما يفهم من كلام السعداوي ان الدين او على الاقل عندما يتم التعامل معه من منظور طبقي ليس حاضنا للمرأة وحقوقها فالمرأة لا يمكن ان تتحرر من خلال الاديان الا 'اذا غيرنا الاديان' تتساءل ضاحكة.
ضد الانثوية الاسلامية
طبعا هذا الموقف يغلق الباب امام اي سؤال حول تمظهرات الحركة النسوية او الانثوية في العالم وفيما ان حدث تغيير عليها، فبالاحالة لما قدمته سلمى الخضراء الجيوسي في 'انطولوجيا السرد العربي' حيث كتبت ان السعداوي 'تعتبر من اكبر الكاتبات النسويات في العالم العربي والتي فتحت الطريق امام مناقشة مباشرة وصادقة وعلمية لحياة المرأة الجنسية وما يتعلق بسعادتها. قضايا كانت تعتبر تابو حتى الستينات من القرن الماضي'. ففي تقييمها لنضال المرأة في العقود الماضية او قل قبل قرن من الزمان ترى ان الحركة النسائية تعاني خاصة انها تعرضت لضربة في العالم وفي بلادنا'. ضربت الحركانت النسائية في العالم وفي بلادنا بسبب تصاعد اليمين السياسي الذي شجع العودة للاديان جميعا، وضرب الحركات المتقدمة والنساء والشباب واليسار والاشتراكيين فنحن نعيش في عصر الاستعمار'. بهذه المثابة لا يمكننا ان نقبل مصطلحا تم تداوله بين الناشطين والباحثين الاسلاميين او ما يعرف بالانثوية الاسلامية وهو التوجه التفسيري الذي يحاول مواجهة الاحتكار الذكوري للنص. وبالنسبة للسعداوي لا يوجد هناك شيء اسمه 'فيمينزم' 'انا لا اوافق على مسيحية او يهودية او اسلامية انثوية' تقول، 'لأن معنى الانثوية هو القضاء على النظام الطبقي والابوي والديني، فالاديان الثلاثة بالذات نشأت في عهود العبودية، العصر الطبقي والابوي، من اجل تحرير المرأة اقتصاديا وطبقيا ونفسيا واخلاقيا لا يمكن ان يتم ذلك من خلال الاديان'.
الحجاب رمز سياسي
وضمن هذا الفهم لا ترى السعداوي 'الردة' للحجاب بعد ان كانت معركة 'المرأة الجديدة' التحرر منه، الا رمزا سياسياً يستخدمه اليمين الاقتصادي والابوي الطبقي، فهي ترى ان الحجاب ليس من الاسلام بل هو يستخدم مثل الصلاة والزكاة هذه طقوس والدين ليس طقوساً.
عالم النقد والنقاد
عالم نوال السعداوي الروائي حظي باهتمام كبير من الباحثين العرب والغربيين، فهناك من اثنى على تعدد الاساليب الروائية، ومن اعجب بقدرتها على الجمع بين مقتضيات السرد الروائي ومتطلبات السيرة الذاتية. ومن ضمن الدراسات التي اشرنا اليها في محاولتنا لفهم العلاقة بين الكاتبة ـ الساردة وبطلاتها، دراسة جورج طرابيشي 'انثى ضد انثى'، حيث لاحظ ان الكاتبة في بعض الاحيان اوجدت مسافة بين البطلة، وتحديدا فردوس في 'امرأة تحت نقطة الصفر'، وبينها، ذلك ان فردوس في تلك الرواية امرأة قاتلة وسيئة السمعة، بغي. وهي مع قولها ان الرواية تعود الى 40 عاما ووصفها طرابيشي بالفرويدية الا انها ترى في النقد الادبي تعبيرا عن سوء فهم للنص، فالنقاد 'لا يفهمون النص الادبي بشكل صحيح، ولا يستخدمون عقولهم المبدعة ولكنهم يستخدمون المدارس النقدية التي تعلموها في الجامعة ويطبقونها على الرواية'، اي مثل المسطرة. وعلى العكس من الموقف الادبي فبطلات روايتها من فردوس 'امرأة تحت نقطة الصفر' وفؤادة في 'الغائب' تتحدى وجنات واخيرا 'زينة' النساء متمردات، قويات على الرغم من كونهن مقهورات. فردوس مثلا رفضت توقيع التماس لأن عندها كرامة.
في جانب آخر تبدو نساء السعداوي من كل الطبقات الاجتماعية، فقيرات وغنيات وساقطات ومتعلمات ولكن ما يجمعهن انهن غير قادرات على تغيير رؤية المجتمع لهن باعتبارهن متاعاً او جسداً، حتى عندما تتغير الادوار من المضطهد الى المقهور وعندما تلجأ المقهورة الى استخدام سلاح الظالم او المستعمر لجسدها تظل الرؤية هي العجز عن اعادة تنظيم المجتمع بناء على موقف الانثى. السعداوي ترفض هذا التحليل وتتفق ان نساءها مقهورات نعم لكنهن لسن مستسلمات 'ابدا صحيح انها مقهورة ولكنها تتحدى وتقاوم حتى الموت واذا استسلمت قادرة على التحدي'.
عالم القرية
ولدت نوال السعداوي في قرية كفر طحلة، عام 1931 وهي واحدة من عائلة كبيرة مكونة من تسعة افراد وكان والدها مسؤولا حكوميا في وزارة التعليم. وتدربت كطبيبة وعملت في مجال الطب النفسي وانشغلت في الكتابة والتأليف، حيث صدر عملها الاول 'مذكرات طبيبة' عام 1958 ومنذ ذلك الحين اصدرت 50 كتابا ما بين رواية ومسرحية ومذكرات شخصية وكتابات في الدفاع عن المرأة، ويعتبر كتابها الصادر عام 1972 'المرأة والجنس' من كلاسيكيات الكتابات النسوية العربية اضافة لاعمال اخرى مثل 'الانثى هي الاصل'. وكتبت العديد من المقالات في مجلات متخصصة مثل 'نون' التي تعتبرها من الدوريات المهمة التي تتعامل مع المرأة وتفكيرها بطريقة تختلف عن الطرق العامة والمعهودة. وتنظر السعداوي الى نفسها كروائية اولا وثانيا وثالثا كما تحدثت الى حمى خليلي 'الغارديان' ومن هنا تبرز في كتابتها عن قريتها والريف المصري صوفية وجمالية القرية والعمدية والنيل الذي يجري ويعطي ويغطي على البؤس والفقر. تكتب في رواية 'موت الرجل الوحيد على الأرض' على لسان احد ابطالها 'نحن يا عمدة لا نعرف حلاوة الشربات من مرارة الدواء' وايا كان حال الريف الذي كتبت عنه السعداوي المتغير الا انها تقول انه بات اسوأ فـ 'الفقر يزيد والهوة بين الفقراء والاغنياء تتسع. القرية تتدهور والمدينة تتدهور بسبب ضراوة الاستعمار الاجنبي والعولمة الاقتصادية الشرسة والحرب والحروب كل هذا يؤدي لتدهورفي الحياة، في الريف. الريف يعاني اكثرـ ربما اسوأ اليوم' مع اعترافها بأن الريف المختلف اليوم غير الريف في الماضي.
المرأة والجنس
كتبت الدكتورة السعداوي في 'المرأة والجنس' ان 'كل مآسي المرأة دخلت عيادتي وكل نتائج الخداع والتخلف استلقت امامي على منضدة الكشف' وعن الكيفية التي حدث بها هذا وهو ما سبق وشرحته في كل ما قدمت تقول مضيفة ان المريض النفسي والجسدي' عندما يدخل عيادتي يخلع ملابسه ويتعرى من اسراره امامي'. 'في عيادتي السريرية والنفسية فتح الرجال والنساء قلوبهم لي وحينما يكون الطبيب كاتبا يعري المجتمع- القلم مثل المشرط يعري ويفضح المجتمع'.
الاثارة فقط
العواصف والمعارك التي خاضتها السعداوي في مجال الدفاع عن المرأة والكشف عن المستخبي وطبيعة القضايا التي تناولتها جعلت البعض يرى انها اي السعداوي تغوى الجدل والاثارة، ومن هنا فهي ترد قائلة ان الجدل ايجابي، وهي تستغرب كيف يتحول الجدل الى شيء سلبي في مجتمعاتنا، ولكن عندما المحنا إلى اننا نقصد من الجدل الاثارة قالت 'كيف يؤلف شخص اكثر من 47 كتابا ويريد الشهرة؟' و'لماذا لم اعمل راقصة او مذيعة لأصبح شهيرة؟؟'. المشكلة بالنسبة لها ليست شهرة ولكن الهجوم الدائم عليها لانها 'فضحت المجتمع العربي'، و' لأني كشفت اخلاق الازدواجية. لا يغفرون لي' ولكن من هم هؤلاء الذين لم يغفروا لها؟ الجميع، الرجال والنساء الفاسدات، وتعتقد السعداوي انها 'مستهدفة من الحكومات العربية ومن الاخوان المسلمين'، لماذا الاخوان المسلمون؟ 'لانهم تيارات دينية متخلفة' والامر لا يتوقف عند هذا الحد بل الهجوم عليها يأتي من' المسيحية واليهودية من اسرائيل من الحكومة الامريكية، انا مصادرة في سي ان ان ونيويوورك تايمز' عندما كانت تدرس في امريكا وتضيف معلقة ان 'العالم كله مبني على الكذب'. وفي سياق النقد والاثارة قالت مرة في مقابلة انها ترحب بالنقد لان 'النقد احسن من لا نقد'، وتعلق بالقول انها مع النقد الايجابي الادبي. لكن من ينقدونها في بلدها والعالم العربي ومن 'تسلطهم الحكومة' هم موظفون ينفذون اوامر من اصحاب السلطة بالاجبار من ناحية عدم الترقية او التهديد بالفصل او بالاغراء بالمال والمناصب.
رغم الهجوم عليها، ومنع بعض كتبها في بعض الدول العربية، فكتبها موجودة في العالم العربي ومتوفرة خاصة الممنوعة منها ويقبل القراء عليها. وترى ان ما يجعلها تواصل الكتابة هو شعورها انها غيرت حياة الناس مع انها هنا تؤكد انها لم تقل هذا بل الناس يقولون هذا، فالكثيرون ممن تقابلهم يؤكدون لها ان كتبها غيرت حياتهم. وتقول انها تتلقى الرسائل وتقابل الكثيرين ممن تركت كتاباتها اثرا على حياتهم.
انا في القمة
كيف تنظر السعداوي إلى موقع كتابتها ضمن الكتابة النسوية العربية بشكل عام؟ هل تقارن نفسها بغيرها ممن كتبن كتابات جريئة وتجرأن على تحدي الممنوع؟ وهنا تقول انها في' القمة' 'لا اقارن نفسي بأية كاتبة، لست مغرورة ولكن لا توجد كاتبة عربية كتبت ما كتبت وانجزت الانجاز الذي حققته'. وتساءلت عن اسماء من يمكن مقارنتها في حجم الانجاز الذي قدمته، وعندما قدمنا اسماء بعض الروائيات علقت ان الامر في الحالات التي ذكرنا لا يتعدى احيانا رواية او عملا ً آخر لكن لم يكن لديهن مشروع او هكذا فهمنا من ردها.
الكتابات الجديدة
في ظل ما يحدث في العالم العربي من حراك وتطورات وظهور اصوات نسوية جديدة، تكشف عن الداخل والمستخفي في المجتمع فكيف تنظر الى هذا الحراك؟ مع انها ترحب بهذه الاصوات الا انها تضيف قائلة ان اي امرأة تمسك القلم وتكتب وعندها الشجاعة لكشف الستار عن الفساد الاخلاقي للرجال والنساء هي 'بطلة'. والسؤال الان: هل الوضع في المجتمع العربي احسن مما كان عليه في عصرها؟ تتمسك السعداوي بلهجتها المتشائمة. وفي عصر العولمة الذي كشف عن كل شيء، وقضى على المخفي، تتمسك السعداوي بوجود فكرة التابو واستمرارها في المجتمع العربي وان فكرة الختان الفرعوني الذي حاربته ليست الا وجها واحدا من وجوه التابو، وهي طرف جبل الجليد. فالتابو الذي يقهر المرأة مرتبط بمخفيات اخرى تتعلق بفساد السلطة والحكومات وشخصيات الرؤساء الذين تريد ان تكتب عنهم. وهنا تقول انها كتبت عن جورج بوش والختان في مصر وقهر المرأة. ولا تعتقد بوجود وعي في المجتمع حول الختان، ثم تسحب الوضع على الرجال وتقول ماذا عن ختان الرجال الذي تقول انه عادة يهودية وانها طقس لا علاقة له بالاسلام ولا علاقة له بالصحة الجسدية؟ 'انا ضد قطع الاطفال.. انا طبيبة بسبب المضار الطبية والاجتماعية وبكل اسف الاطباء غير واعين بهذه المضار.. انا هوجمت من الاطباء والمشايخ عندما بدأت حملة ضد ختان الاطفال. امامنا طريق صعب'. وضمن هذا الفهم ترى كاتبتنا ان السياق الاجتماعي هو من يفرض على المرأة خياراتها، فالمرأة لا تكره جنسها بسبب وضعها البيولوجي وان الدورة الشهرية او العادة وخروج الدم لا يجعل الفتاة تكره جسدها، وهي تقول ان العكس صحيح فالدم الخارج ليس نجسا، وبسبب التربية والدين يصبح الدم نجسا وان المرأة تحب جسدها، وقالت انها شاهدت فتيات في حالة حب لأجسادهنّ عندما زارت اندونيسيا. وفي النهاية توافق على ان المجتمع هو الذي يفرض على المرأة ان تحتقر جسدها.
سرت في الطريق الصحيح
السعداوي تعتقد انها فعلت الشيء الصحيح في حياتها وانها مشت على السكة الصحيحة، ولو ماتت ثم عادت من جديد للحياة لاختارت نفس الطريق. وتحب ان تصف نفسها بالانسانة الطبيعية وكونها شجاعة لان الاخرين جبناء. تشاؤم السعداوي من الوضع الحالي للحركة النسوية وتغول 'اليمين' والتسلط والفساد وغياب الوعي وانتشار الفساد ينسحب على وضعية الادب التي تقول انه مع الادباء اصبح اكثر توجها نحو 'المحافظة'، فهناك كتاب يبدأون كتاباتهم ببسم الله ويختمونها بالحمد لله كما اشارت في لقاء سابق. وهنا وضحت قائلة ان العودة للغة الدينية تذكر بالخطاب الديني في عهد السادات - الرئيس المؤمن وعودة لاستخدام الدين والمتاجرة فيه.
تظل السعداوي في حياتها وكتاباتها امرأة تسبح ضد التيار وايا كان الحكم على كتاباتها ومن كل الاطراف كونها ضحية كتاباتها وفهمها للدين والمجتمع وان غيرت كتاباتها المجتمع، فوضع المرأة بعد مئة عام على يوم المرأة العالمي لم تجد ما تحتفل به وانجازاتها نسبية مقارنة بما تطمح اليه ومن هنا نفهم تشاؤم السعداوي.وانجازها العلمي والاكاديمي والابداعي ونشاطها يجعلها ظاهرة تستحق الدراسة ايا كان الموقف من آرائها واحاديثها.