أحلام مارتن لوثر كنج
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
الحمد لله وبعد،
مارتن لوثر كنج ( أمريكي أسود) ، يعرفه الراصدون لسياسات التمييز العنصري التي كانت سائدة – ولا تزال إلى حد كبير – في الولايات المتحدة الأمريكية، وعموم دول العالم الغربي .
نشأ مارتن في أحد الأحياء الفقيرة في مدينة ( أتلانتا) بولاية (جورجيا) الأمريكية عام 1929م، وفيها ذاق مرارة التمييز والاضطهاد العنصريين بأبشع صوره على يد الرجل الأبيض ( المتحضر!!) والتي لم تكن إلا واحدة من السوءات المخزية لدولة ( الحرية والعدالة والديمقراطية ! ).
فعلى سبيل المثال كان مشهد حافلات نقل الركاب المفصولة قسمين : قسم المتحضرين، وآخر للسود البائسين ، كان هذا المشهد وأمثاله يملأ قلبه حنقاً وبغضاً لتلك الممارسات (الحضارية!) التي صنعها سماسرة الحرية والعدالة الاجتماعية !!
وضع هذا الأمريكي المقهور آمالاً عراضاً، وطموحات جريئة تعيد لبني جنسه السود شيئاً من الكرامة المسلوبة، والعدالة المفقودة
وبالطبع كان لا بد أن يلتف حوله الأنصار والأتباع ، ويجد المقهورون في دعوته بصيص أمل يخلصهم من واقعهم الكئيب
لذا أخذ أتباعه بالازدياد يوماً بعد يوم، حتى اكتظت بهم الساحات العامة، والشوارع الشهيرة في نيويورك وواشنطن دي سي وغيرها.
وفي مجمع جماهيري ضخم، ومسيرة طويلة حاشدة بلغ قوامها ربع مليون إنسان، أطلق (مارتن لوثر كنج) عبارته الشهيرة " إنَّ لديّ حلماً" Ihave Dream " فالحلم الذي كان يداعب خياله، هو إعادة شيء من الاعتبار للجنس الأسود، وضمان الحقوق المدنية لسكان الولايات المتحدة على حد سواء، وتحجيم حيز الكراهة المتبادلة بين الجنسين المتناقضين، الأسود والأبيض ، كيما يعيش الجميع في جو معقول ومقبول من الاحترام الإنساني المتبادل
وبالرغم من أن صاحب هذه الأحلام الوردية قد ظل متمسكاً بالنضال السلمي ، نابذاً للعنف بكل صوره، مؤكداً في جُلّ خطبه بأهمية ضبط النفس، وكبت الاستفزاز لدى أنصاره المتحمسين، إلا أن ما كان يواجهه من سخرية وهجوم لاذعين -على المستوى الرسمي والشعبي- كان كفيلاً أن يدفعه إلى الانتحار مرتين على الأقل!
كما تعرض لأكثر من محاولة قتل نجا منها بأعجوبة، لكنه لم ينج من السجن الذي وجده ( أنصار العدالة وحماية الحرية !!) وسيلة لا بأس بها تريحهم من أوجاع الرأس التي أثارها هذا الأسود البغيض.
وحين خرج من السجن لم يتردد رجال الشرطة، أن يتصدوا لمسيراته السلمية، فيوسعونه وأتباعه ضرباً بالهروات والعصي على مرأى من شاشات التلفزة العالمية، التي ربما التقطت –أحياناً – صوراً حية لتلك المشاهد المتحضرة!!.
وكان من المتوقع – بالطبع- أن يوضع حد لتمرد ذلك (المارتن لوثر كنج) إذ نجح المتآمرون هذه المرة في صنع نهاية دموية –كالعادة- حطمت كل ما بناه من إنجازات ورقية، ووعود خرافية فانطلقت رصاصة ( ايرل راي) الوحيد، لكنها القاتلة -تستقر في الجانب الأعلى من فكه وعنقه، بعد أن ألحقت ضرراً بالغاً بالحبل الشوكي للقتيل.
لقد ذهبت أحلام (مارتن) في مهب الريح، وتحققت بعض التغييرات الهامشية عقب الحادثة لكنَّ أحداً لا يستطيع أن يزعم أن حجم الكراهية بين الجنسين المتناقضين (الأبيض والأسود) قد تقلص شيئاً ما، بل الحقيقة المؤكدة أن الكراهة آخذة في ازدياد كل يوم، ذلك أن ركام الحقد والبغضاء الذي صنعه المفتونون بسحنتهم البيضاء، وأن سنوات الاضطهاد والسحل والقهر التي مورست بأبشع صورها لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة الأجيال والأحفاد حتى لو عُيّن أحدهم وزيراً للخارجية أو حتى رئيساً، وما أبعده ( يبدو ان المقال كتب قبل فوز اوباما).
إن ما يهمنا في هذه السطور ليس إحياء ذكرى مارتن النصراني الأسود، لكننا نسوقها لنتعظ ونعظ معاشر المخدوعين بزيف وبريق الحضارة الغربية، أن الفشل الذريع الذي منيت به أحلام المذكور هي نتيجة طبيعية لا تدعو للاستغراب أبداً، ذلك أن البيئة التي حلقت في أجوائها تلك الأحلام بيئة وثنية ماجنة ومسيح الهدى -عليه السلام- منها بريء، إنها بيئة أنانية فجة، قائمة على قيم فارغة من الأخلاق، عارية من المبادئ المُشرَّفة ، أو نصف المشرًّفة .
وفي المقابل ينطلق رسول الرحمة والرأفة، ونبي العدالة الحقة – صلى الله عليه وسلم- حاملاً في قلبه إيماناً راسخاً كالجبال ، وآمالاً عراضاً كالسحاب، ينطلق في مجتمعات أكلتها الأوجاع والأسقام الاجتماعية، وعضّتها الحروب والثارات القبلية فيصرخ بلا إله إلا الله في نواديهم ومجامعهم، فتهتز لها قلوب من كُتبت سعادته، وينادي بـ" إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فتلامس أسماعاً نافذة إلى القلوب فلا تشعر بحنق أو غيظ وهي ترى بلالاً ذا السُحنة السمراء مؤذناً لأعظم إمام عرفته الدنيا.
إن المبادئ والقيم مهما بلغت من الجمال، والسمو والرفعة ستظل عاجزة أن تتحول إلى واقع محسوس، وسلوك ملموس، طالما خوت قلوب سامعيها من الإيمان الصحيح والاعتقاد الحسن، فليس عجيباًً أن يبقى نبينا الكريم – عليه الصلاة والسلام – مُسخراً جُلّ سني دعوته في مكة لإصلاح العقائد وتفقد القلوب، وصنع أصول الإيمان المتين، حتى إذا ما تجذرت شجرة الإيمان سويداء الصدور، كان من السهل عقب ذلك أن تتقبل كلَّ مبدأ سام، وكلَّ خُلق كريم.
ومن ثم كان لا بد لدعوة نبينا – عليه الصلاة والسلام – أن تنجح أيما نجاح! وتفتح الدنيا قلوباً وأمصاراً؛ لأنها دعوة دخلت البيوت من أبوابها، فاحتضنتها النفوس المشرئبة الملهوفة.. احتضنتها بعد أن وجدت فيها الخلاص الحقيقي من أغلال الخرافة، وقيود الاستعباد والظلم والطغيان، فإذا بها تحلَّق في سماء الفضيلة والمجد والرفعة، وإذا بالعداوات المستحكمة، والأحقاد الدفينة تذوب ذوبان الجليد إلى غير رجعة.
إنه الإسلام العظيم يصنع المعجزات، ويجعل المستحيل في نظر الناس واقعاً ممكناً، ومما سبق استلهم درساً واحداً فقط، نحن أحوج ما نكون إليه في هذه المدة العصيبة من تاريخ أمتنا .
إن على الدعاة الصادقين ألا يكترثوا بما لدى خصومهم من الإمكانات الهائلة، والوفورات المادية، والدعم المعنوي الكبير، ولا ينبغي أن يغرنهم تقلُّب الكفار والفجار ودعاة الفسق في البلاد، ذلك أنهم عاجزون عن إشباع الاحتياجات النفسية والروحية لدى متابعيهم من الدهماء، ومهما قدموا لهم من المتاع الرخيص ، فإن ضراوة الجوع العاطفي، والاحتياج المُلح إلى الإيمان الصادق ستبقى تؤزُّ صاحبها أزاً للبحث عن الخلاص الذي لن يجد من يقدمه بثوبه القشيب غير حملة الدعوة، وأنصار السنة .
إن لدى الدعاة إمكانات روحية ونفسية لا حدود لها، جاء بها دينهم الحنيف، لا يملك الآخرون عشر معشارها، لكنها إمكانات غير محسوسة -وإن شئت قل غير مرئية- ولذا غفل عن فاعليتها وقدرتها على التأثير كثير من المؤمنين بها ، وللأسف الشديد، فكان من الواجب أن نسعى جميعاً إلى بثها في النفوس؛ لتشكل قوة ردع ذات وزن مقابل كل ما لدى الخصوم من القدرات والإمكانات .
والله الموفق .
المصدر:http://www.saaid.net/Doat/almosimiry/1.htm
للمزيد من المعلومات عن مارتن لوثر كينج:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]