منذ خلق الأنسان وهو يبحث عن الحب , لم يترك مكانا ً ولا حتى حجر فأر صغير إلا وقلبه رأسا ً
على عقب بحثا ً عن ذلك الكائن الذي يدعى الحب , سافر من مكان لآخر , سهر الليالي , سامر
القمر وعد النجوم , صعد الجبال ونزل الوديان , غير الوجوه التي يعرفها وتعرف على غيرها ,
قرون مرت , و أجيال تعاقبت , وها نحن دخلنا القرن الحادي والعشرين , وما زال التنقيب مستمرا ً
دون هوادة , لا الأنسان كل ومل , أو استسلم وأراح نفسه , ولا الحب المفقود منذ الأزل خلف سبع
بحار أظهر نفسه في وضح النهار .
ورغم أن القاعده التي نحفطها جميعا ً تخبرنا بأنك عندما تسير في الطريق نفسه الذي أودى
بك إلى مكان لم تكن تقصده , ولا تريد الوصول إليه أول مرة , لن يصل بك أبدا ً إلى المكان الذي
تقصده في المرة الثانية أو الثالثة أو حتى المليون , ولذلك فإما أن تغير الطريق وتتخذ لك طريقا ً
آخر تاركا ً ذلك الكائن الجميل في حاله , لكن الأنسان في هذا الأمر بالذات لا يعترف بالقواعد , ولا
يمشي في خطوات محسوبة , ولا يسير ضمن خطة مدروسة , ولا يثق بتجارب غيره , ولا يستمع
إلى نصيحة من هم أكبر منه تجربة .. فهو يريد أن يبحث بطريقته وبمفرداته وبمزاجه وفي
الوقت الذي يختاره والمكان الذي يريده .. رغم أنه لا يأتي بجديد .
ولأن الحب كائن بسيط طيب لا يعرف الخبث والتلاعب , فهو بخلاف توقعاتنا جميعا ً , لم يختبئ
خلف النجوم ولا وراء الشمس , ولا هو نزل تحت طبقات الثرى , ولا بعثر نفسه خلف براعم
الورد الأبيض و الأحمر .
بل بكل بساطة خبأ نفسه في مكان صغير قريب , اعتقد أنه سيجد فيه الدفء , وعندما لم يجد
الدفء المطلوب , ولأنه الحب .. الحب المعروف بطيبته وتسامحه , فرغم أنه شعر بالبرد وحيدا ً ,
ورغم أننا لم نجده , ورغم أننا لم نتقن البحث في الأماكن الصحيحه بعد , إلا أنه لم يغضب , ولم
يخرج من ذلك المكان الصغير , ولم يرمينا خلف ظهره منكرا ً لجنسنا الطائش .
لذلك عزيزتي سأخبرك بيني وبينك عن ذلك المكان الصغير الدافئ الذي اختبأ فيه الحب , لا
تسرعي إلى قناة الأغاني , ولا إلى الجوال , لا تنظري إلى البيت المقابل لبيتك , ولا تبحثي في
قائمة الأسماء لا عن أسمر ولا عن أشقر , كل ما عليك أن تبحثي في قلبك .. نعم قلبك , هناك
يختبئ الحب منتظرا ً أن تجديه يوما ً ما لتنعمي بالسعاده والدفء , ينتظر منك أن تنتشليه بيد
من حرير , وتوزعيه بالتساوي بينك وبين أسرتك وأصدقائك , ولا تخشي شيئا ً فهو لن ينضب ,
سيبقى هناك المزيد دائما ً لفارس الأحلام , وأولاد المستقبل , لصديقة جديدة وجارة طيبة , لفقير
محتاج وامرأة مسنه ؛ فالحب يا صديقتي كائن يزيداد ويتكثر كلما اغترفت منه لتوزعي على
الكون .
هل وجدتِه ؟
إذن ابدئي بتوزيعه على من حولك , ولا تنتظري منهم عرفانا ً أو شكرا ً , فربما ما زالوا يبحثون
هم أيضا ًعن الحب في الأماكن الخاطئة , وتأكدي أنهم عندما سيجدونه سيتقاسمونه معك ؛
لأنه لا طعم للحب إن لم نتقاسمه مع الآخرين .