الكتابة فنون أو جنون
بقلم الدكتور محمد بن محمود فجَّال
الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها - كلية الآداب بجامعة الملك سعود
انتشرت في الآونة الأخيرة ثقافةُ التعلُّم الإلكتروني، وهي وسيلة سهَّلت على الطلاب اللقاءَ بأساتذتهم في أيّ وقت شاؤوا، عن طريق موقع جسور، والمراسلة عبر البريد الشبكي، وبرنامج المحادثة، وذلك من خلال الكتابة بأسلوب الدردشة، أو الرسائل الفورية التي ما إن يتصل الأستاذُ بالشبكة حتى يجدَ الرسائلَ الفورية مفتوحة أمامه، وتطلب منه الإجابة الفورية، إضافة إلى موقع جسور، وما فيه من قاعات تعليمية كالمنتدى، والدردشة، والواجبات، والاختبارات... إلى غير ذلك من الوسائل الإلكترونية التي يستعملها الطالب وهو في بيته، وتصله بالمعلومات التي يريدها من زملائه أو أساتذته.
الذي أثار انتباهي هو إبداع بعض الطلاب في منتدى جسور بكتاباتهم الأدبية كالأشعار والخواطر والقصص، وهي تحمل معاني جميلة، وأفكارًا لطيفة، وتنمُّ عن ذوق رائق لدى بعض الطلاب .
ويعكّرُ صفو هذه الكتابات بعض ما أصفه بـ « الجنون الكتابي » الذي يعتري كثيرًا ممن يتعاطى برامج الشبكة العالمية بما فيها برامج المحادثة والمراسلة، حيث يستعملون طريقة غريبة في الكتابة، لم تُعهد سابقًا، وقد يكون استعمال بعضها فيه مجازفة شرعية، كمن يكتب كلمة « الله » بلامات كثيرة، وكلمة « سلام » بألفات كثيرة، وأسماء الله - عز وجل - وصفاته - تبارك وتعالى - يجب أن نحترمها لفظًا وكتابةً، ونتجنب هذا العبث الذي قد يكون غير مقصود فيها.
إضافة إلى استعمال كلمات أخرى على النحو الآتي : «وش احط . وشو العمل . الرابط الي ما يفتح . احطه عالنت . وين نزلت المحاظرة . بأسم مستعار . عالعمل . بالمسن . وااااو . هههههه » إلى غير ذلك من الكتابات التي تدل على تجاهل طريقة الرسم الكتابي المتعارف عليها، وتجاهل لغة العلم والمعرفة، وابتداع طُرُقٍ لا تمت إلى العلم والثقافة الأصيلة بصلة، بل إن بعضها يقف عائقًا أمام التعبير الفصيح عن الأفكار أو المشاعر، وتجعل الشخص يستطيع استعمال الأنامل على الحاسوب لرسم رموز الأصوات، ولا يستطيع التحدث ولو قليلا في محفل ما.
إن هذا الأمر يصدر ويا للأسف من طلاب يوصفون بأنهم جامعيون، بل الأدهى والأمرّ صدور ذلك من طلاب الأقسام اللغوية الذين هم في مستويات متقدمة، وما كنت إخالهم كذلك!
وأتوقع لو أنّ أحدهم حاول استعمال حاسته اللغوية وما اكتسبه من أساتذته لأجاد في الكتابة، لكنّ الركونَ إلى طريقة الكتابة الشبكية الحديثة هبطت بمستوى الأداء الكتابي لديهم، ويخشى أن يتطوّر الأمر ويصبح هذا « الجنون الكتابي » رمزَ ثقافة أجيال الحاسوب.
ومن جانب آخر فقد تعدَّى الأمر إلى استعمال لغة لا توصف بأنها فصحى ولا عامية، ولم تستعمل من قبل في قاعات المحاضرات، بل نشأت في قاعات الدرس الإلكترونية، لا تُقِرُّها أعراف علمية ولا أعراف اجتماعية، فيتحدث كثير من الطلاب والطالبات كتابيًّا في منتدى جسور أو في الدردشة وكأنهم في غرف المحادثة التي يرتادها أصحاب ضياع الأوقات، فيلجؤون إلى تسمية أنفسهم بأسماء مستعارة لا تدل على طلبة علم، مثل : «مشتاااق لك. فلانة العسل. حلاي زايد . أنا ستار والكل مني بيغار . أنت حياتي . ريووومة القمر. شمُّوخة . دلووعة » .
عدا الشطط والسخرية في الدردشة مع الأستاذ والزملاء، باستعمال كلمات مثل: «إحرااااااج . لااااااااا . .... ».
وغير وضع الشعارات الغريبة كشاب متلثم، أو فتاة متبرقعة، أو فتاة متبرجة، أو قلب يقطر دمًا ... إلخ .
متناسين أنهم في قاعة درس مع أستاذ سيرونه في الصباح التالي في القاعة أمامهم، ومع زملاء متعددي الأقسام والمستويات .
ولذلك فإني أدعو مرتادي القاعات الدراسية الإلكترونية من طلاب جامعتنا الغرّاء إلى مراعاة حرمة هذه القاعات، وإعطاء مكانتهم العلمية حقها من استعمال ما يتعلمونه من أصول مهارات التعبير الكتابي والشفوي.